مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام : تهديدات الحرب الأهلية الطائفية في سورية 1979 -1980
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل السابع – التحريض الطائفي والمواجهة
3 – تهديدات الحرب الأهلية الطائفية في سورية 1979 – 1980
رغم عدم صحة القول بأن “الطائفة العلوية” كانت تحكم سوريا أثناء تلك الفترة “أو أي فترة سابقة”. ولم يمنع الكثير من غير العلويين “وحتى بعض العلويين” من وصف النظام بمثل هذه العبارات. وهذا هو بالضباط ما حاول أن يشجعه المتطرفون السنيون المعارضون للنظام البعثي السوري. والذين كانوا وراء اغتيال العلويين. فقد حاولوا بالتحريض المتعمد للاستقطاب الطائفي أن يصوروا النظام على أنه طائفي بحت. وذلك لكسب تأييد واسع من الأغلبية غير العلوية من المواطنين ضد النظام البعثي الذي يسيطر عليه العلويون. وهكذا، حاولوا فرض مواجهة طائفية مباشرة بين الأقلية العلوية والأغلبية السنية، معتبرين أنه باستطاعتهم أن ينالوا تأييدهم على أساس تفوقهم العددي.
بيد أننا إذا أخذنا في الاعتبار أن عدد العلويين السوريين كان يقارب المليون وأن العديد منهم كانوا يحتلون مراكز سلطة حساسة بالجيش والشرطة وقوى الأمن. فمن المتوقع أن تكون مثل هذه المواجهة الطائفية دموية وعنيفة للغاية وغير مضمونة النتائج. ولا شك أن الكثير من العلويين بمن فيهم العديد ممن عارضوا النظام منذ البداية كانوا سيشعرون بالتهديد من قبل الأغلبية السنية وبالتالي وبغض النظر عن صدق هذا الشعور أو عدم صدقه كانوا سيشعرون بضرورة التمسك معاً من أجل الحفاظ على كيانهم. خوفاً من التفرقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية على أسسس طائفية، مثلما كان الوضع قبل التحرر الوطني السريع للعلويين والأقليات الأخرى الذي أعقب الاستيلاء البعثي على السلطة في عام 1963م.
وبالرغم من هذه الاحتمالات الخطيرة والدموية، إلا أن المتطرفين السنيين بدوا على استعداد لدفع البلاد إلى حرب أهلية على الطريقة اللبنانية، إذا ما بدت هذه الوسيلة هي الوحيدة لإسقاط نظام الأسد. وبهذا المعنى في نفوسهم كانت استراتيجيتهم المعلنة في أوائل عام 1980 هي تصعيد أعمال العنف ضد النظام في محاولة لإجبار قادة النظام على توريط الجيش النظامي في قتال ضد الشعب، بحجة أن الجيش ” معظمه من السنيين، وبالتالي يمكن إضعاف ولاءه للنظام إذا ما تعرض للقدر الكافي من الضغوط.
ولكن ضباط وجنود وحدات الجيش الأكثر حساسية واستراتيجية كانوا من العلويين، وقد فضل النظام بكل واقعية أن لا يعهد لغير الوحدات بمهمة معالجة الاضطرابات الشعبية.
إن نجاح المخططات لإنهاء السيطرة العلوية بات بعيد المنال، طالما لم يتمكن المتطرفون السنيون وحلفاؤهم المؤقتون من السنيين الأقل تطرفاً وغير العلويين من السيطرة على كميات كبيرة من الأسلحة وعلى وحدات الجيش ذات الأهمية الاستراتيجية. وفي ظل هذه الظروف، وخلافاً لما قد يستنتج من الدعاية الطائفية، فإن المعارضة الأكثر خطراً على نظام حافظ الأسد جاءت في المقام الثاني من مصادر أخرى. ويبدو أن العلويين “المطلعين على خبايا النظام، هم وحدهم الذين كانوا قادرين على التحكم في موارد التنظيم ومصادر المعلومات من أجل القيام بإنقلاب حاسم، سواء بمساعدة ضباط من طوائف أخرى أو بدون مساعدتهم.
ومن سخرية الأقدار أن الجماعات التي سيطر عليها العلويون داخل الجيش وداخل حزب البعث كانت مدينة جزئياً بمراكزها القوية لحملات التصفية داخل الجيش ضد الجماعات البعثية التي كانت تجرى على أسس طائفية و/أو إقليمية، وأيضاً لمجموعات المعارضة الأخرى، كالمتطرفين السنيين الذين استفزهم تمثيل العلويين القوى غير المتوازن داخل مؤسسات السلطة والذين أدت معارضتهم إلى تقوية الاتجاه الذي عارضوه.
وبعد مذبحة حلب تخوف العديد من الناس من أن تكون الحرب الأهلية الطائفية وشيكة، وإذا لم تحدث اصلاحات جذرية للقضاء على السمة الطائفية والاستبداية للنظام. ويأخذ هذا في الاعتبار فقد صدرت عدة بيانات عن مجموعات سياسية يسارية مختلفة معارضة للنظام. فعلى سبيل المثال، أصدرت جماعة الدكتور جمال الأتاسي لحزب البعث الاتحاد الاشتراكي العربي في سوريا النشرة الداخلية التالية:
(إن هذه أزمة تمزق وطني وانقسام، يتهدد باضرام نار الصراع الطائفي والحرب الأهلية.. هذا المسلسل الرهيب والذي مازال يمتد ويتسع، لا يقدم مشاهد من الصراع بين جماعات ارهابية يحركها التعصب وبين سلطة استبدادية تشد اليها عصبية معينة “أي، علوية” وتعذى بالمقابل “فحسب”، بل هي التعبير الصارخ عن أزمة وطنية فعلية تهدد الوجود الوطني لهذا القطر وتدفع على طريق الصدام الطائفي الدموي، أي، على طريق قبرصة أو لبننة سوريا، أي، على طريق الانقسام الوطني الذي ساق إليه الصراع الطائفي في لبنان، وتحقيق حلم الاستعمار الصهيوني في تفجر المشرق العربي بصراعاته الداخلية بدءاً من لبنان مروراً بسوريا وانتهاء بالعراق.
ولكن وأيا ما ذهبت التعليلات والدعايات الرسمية في الانقاص من خطورة هذه الظواهر، أو في الاكتفاء بربطها بعوامل خارجية وقوى معادية وتآمرية، من امبريالية وصهيونية، ورجعية وساداتية وشمعونية وحدادية، فان هذا لا يغطي على الدور الذي لعبه نظام الحكم القائم من حيث نهجه وتكوينه في اذكاء هذه الظواهر كرد فعل وفي تغذية هذه الانقسامات، وهو يحمل المسؤولية الكاملة عما آلت إليه لأوضاع، بل وعن الانقسام الوطني وعن هذه الظواهر الأرهابية بالذات).
واستمرت النشرة الحزبية في تحذير معارضي النظام الذي يسيطر عليه العلويون من أن يلوموا الطائفة العلوية ككل على الوضع القائم، لأنهم بهذا يساعدون على تقوية موقف المعارضة السنية المحافظة والمتطرفة، كما يشجعون على الصراع الطائفي:
(إننا نربأ بأنفسنا وبكل وطني، أن نسمى هذا النظام” مع كل ما أقامه في تركيبه وتكوينه من تفرقة وتمييز فج” بنظام طائفة بحد ذاتها “أي، العلويين”، وأن “نجري” مسؤولية سياسيات الفئة الحاكمة واجراءاتها لحساب تلك الطائفة “العلوية”، ولو أن تلك الفئة المسيطرة تحاول استغلال الطائفة وشدها وبالعصبية والتعصب اليها أو بالخوف والتخويف من عصبية الآخرين “أي، غير العلويين” وردود فعلهم تجاهها، ليقدم نفسه اليها وكأنه حاميها، وكأنه مصدر منافعها ومصالحها، عن طريق مكاسب وامتيازات يقدمها لهذا الفرد منها أو ذلك ولتلك الأسرة “العلوية” أو غيرها، وليعبئ بعد ذلك العديد من أفرادها في أجهزة سلطته وقواها القمعية والمخابراتية. ولكن الطائفة “العلوية” تبقى في غالبيتها وبكل مافيها من فلاحين وعمال ومعلمين وفئات اجتماعية مختلفة، مسحوقة مثل غيرها وأكثر، باستبداد النظام واضطهاده واستغلاله، وهي في تطلعها الوطني والقومي، تنشد الاندماج الوطني لا التمايز الانقسام ومصالحها العامة ترتبط ارتباطاً جذرياً بالمصلحة العامة لجميع الوطنيين ولجماهير أمتنا كلها).
لذلك، وعلى الرغم من أن “الطائفة العلوية” لم تكن هي التي تحكم سوريا، إلا أنه من الصواب أن نتحدث عن الحكم البعثي الذي يسيطر عليه العلويون. فعلياً، اقتصرت المشاركة الفعالة في هذا النظام على جزء محدود من الطائفة العلوية تربطه أواصر إقليمية وعشائرية. وقد استطاع العديد من العلويين الآخرين أن يستفيدوا من ذلك نتيجة لدرجات متفاوتة من المحسوبية الطائفية التي مارسها العلويون المنتمون للنظام الحاكم، معززين بذلك السمة الطائفية العلوية للنظام.
(1) للإطلاع على تفاصيل التوثيق وتوضيح بعض الأحداث أعلاه راجع:
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995، صـ 139-141
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995
2- ثورة تاريخية في النخبة السياسية السورية 1963
3- الوزارات السورية والقيادة القطرية
4- العسكريون في القيادات القطرية السورية
الفصل السابع – التحريض الطائفي والمواجهة
1- التحريض الطائفي – مذبحة حلب
2- الدعاية الإعلامية المضادة للطائفة العلوية 1979