مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام : الدعاية الإعلامية المضادة للطائفة العلوية 1979
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل السابع – التحريض الطائفي والمواجهة
2- الدعاية الإعلامية المضادة للطائفة العلوية
لم تكن الاتهامات السورية بأن الرئيس السادات قد قام بمحاولة تقويض الوحدة السورية الداخلية بدون أساس من الصحة، فمنذ الخلاف المصري السوري حول توقيع مصر للاتفاقية الثانية لفصل القوات في سيناء مع إسرائيل في أيلول 1975م قام الرئيس السادات مدُعماً بوسائل الإلام المصرية بتكريس قدر كبير من الانتباه والدعاية الاعلامية إلى أن البعث السوري كان يقع تحت سيطرة العلويين. وقد تفوقت مصر في ذلك على محطات الإذاعة الإقليمية الأخرى. والتي كانت وقتئذ أسد عداء لسوريا: إذاعة اسرائيل وصوت لبنان غير الشرعي الذي كان يديره حزب الكتائب اللبنانية المارونية.
وقد أشار الرئيس السادات في العديد من خطاباته إلى النظام السوري بـ “البعث العلوي”. وتمادى في الأول من أيار 1979 إلى أبعد حد في تهجمه على البعثيين العلويين الحاكمين في سوريا، مهاجماً بعنف الطائفة العلوية ككل، دون تمييز بين البعثيين وغير البعثيين:
(كنت مستعداً أن أتحدث من أجل الجولان، ولكن لا … سأترك هؤلاء العلويين القذرين يتحدثون من أجلها. أن هؤلاء الناس فقدوا كل معاني الحياة، ولكن، والله سأتركهم أمام شعبهم في سوريا ودعهم يحلونها. سنرى ماذا سيحققون. كان بمقدوري إرجاع الجولان لهم ولكنني لست مسؤولاً عنها مادام العلويون في السلطة.. كلنا نعلم من هم العلويون في نظر الشعب السوري، ستعامل معهم الشعب السوري، وبعد ذلك ستكون الأشياء مختلفة. ان موقف سوريا لا يصلح أن نقول سوريا لأن الشعب السوري لا قوة له في هذا ان موقف العلويين معروف .. لقد قال لي “الملك” فيصل “ملك المملكة العربية السعودية” إن حافظ الأسد علوي وبعثي وأحدهما ألعن من الآخر.. كما قال لي فيصل كيف تضع يدك في يد البعثيين السوريين؟ الأسد علوي وبعثي وأحدهما ألعن من الآخر).
إلى جانب الطائفية التي مارسها أعضاء النظام البعثي، قد تكون كل هذه الدعاية الإعلامية قد ساعدت في التحريض على المزيد من القلاقل الطائفية والتوترات وإثارة التصادمات الطائفية. لقد كان لإذاعة القاهرة قاعدة عريضة من المستمعين في العالم العربي، ولو من باب الاهتمام بأخبار التعاملات بين مصر وإسرائيل. وقد علقت صحيفة الأخبار القاهرية على مذبحة حلب في مقال افتتاحية بعنوان”بحر من الدم الذي تعيشه سوريا” تعليقاً ينسجم مع الدعاية الإعلامية المصرية التي تصف حزب البعث الحاكم بالطائفية العلوية:
إذا جاءت أخبار هذه المذبحة حلقة في سلسلة طويلة من الجرائم والإغتيالات وأعمال القع والإكراه التي يلجأ إليها حزب البعث العلوي لإذلال الشعب السوري وحماية نظامه، ولم يكن هناك بد من أن يثور الشعب السوري ضد مثل هذا الإذلال دفاعاً عن النفس.
وقد قال وزير الداخلية البعثي في بيانه الذي أصدره للدفاع عن نفسه أن المذبحة كانت آخر الجرائم فيما أسماه مسلسل التآمر على سوريا، الذي يحاك بأكمله خارج البلاد. ومن الطبيعي أن يختلق وزير بعثي مثل هذه الإدعاءات.
لكن الحقيقة، حقيقة الماسأة التي يعيشها الشعب السوري، والأحوال والظروف المحيطة بمذابح حلب معروفة لكل الشعب الآن. لقد كان معظم ضحايا المجزرة والبالغ عددهم أكثر من 50 قتيلاً وعشرات الجرحى من العلويين، أي من نفس الفئة التي ينتمي إليها حزب البعث، وحزب البعث يمثل فقط أقلية صغيرة لا تزيد على 11% من الشعب.
ووفقاً لوكالات الأنباء، فقد كان الانتقام من العلويين هو الدافع وراء المذبحة، حيث تعمد مرتكبوها استهداف تجمع ضخم للعناصر العلوية في الجيش. وقد وقعت المذبحة منذ عشرة أيام لكنها أبقيت سراً ليتمكن حماة النظام العلوي من الاستمرار في تقليل أهوج لغير العلويين أو السنيين، وذكرت وكالات الأنباء أن معظم الذين قُتلوا مؤخراً كانوا من السنيين وأن القتل الانتقامي لمذبحة العلويين في حلب مستمر. ونتيجة لذلك، فإن سوريا مهددة بأن تصبح ضحية للصراع الطائفي ولحرب أهلية داخلية مشابهة للحرب الأهلية اللبنانية.
وفي محاولة لمجابهة الحملة الإعلامية والقلاقل التي أحاطت مذبحة حلب، ولتوسيع التأييد لحملة النظام البعثي ضد الإخوان المسلمين، علق الرئيس حافظ الأسد في الثلاثين من حزيران عام 1979 للمرة الأولى بشكل علني على حادث حلب وأسهب في موقف حزب البعث من الدين والسياسة:
(إن العروبة ترتط بين جميع أبناء هذا البلد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتز بالعروبة كما يعتز بالإسلام، والوطن يفقد معناه كوطن إذا لم يعش فيه المواطنون متساوين، وهذا المساواة من صميم الإسلام، ونحن نقود البلد باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، وأنا أقود بصفتي أميناً عاماً للحزب ورئيساً للجمهورية، وليس باسم دين أو طائفة، مع أن الإسلام هو دين الأكثرية، وشعارات الوحدة والحرية والاشتراكية يؤمن بها البعثي كما يؤمن بها كل من يؤمن بوطنه .. ان الذين يأخذون من الدين الصور والمظاهر، ويبتعدون عن جوهره ويجمدون عند هذا الحد، إنما يجعلون من الدين معيقاً للتقدم وقد أكدنا منذ بدء الحركة التصحيحة في تشرين الثاني عام 1970 ان الدين محبة وعمل وانجاز، وأن الأساس هو أن تكون هناك قيم وأخلاق، وقد عملنا كل ما من شأنه أن يعز الدين ويرسخ قيمه في النفوس وأكدنا أن الإسلام دين حياة وتقدم. ولكننا الآن بصدد مؤامرة على بلدنا وبصدد عمل اجرامي لم يرتكبه شخص حقود فنقول انها نزوة فردية ونضرب صفحا عنه، وإنما ارتبكه تنظيم سياسي اسمه جماعة الاخوان المسلمين، وله سياسة مقررة هي سياسة القتل، وهو يقف هذا وحتى ولو كنا ملائكة بل أنه يعتبر ثلث الناس غير مسلمين “أي العلويين والدروز والإسماعيليين والمسيحيين”، أي أنهم يريدون احتكار الإسلام لأنفسهم مع أنه ليس من حق أي حزب أن يحتكر الإسلام أو أي دين من الأديان..
إن هؤلاء استغلوا جو الحرية لإغواء بعض الناشئة وليدفعوهم إلى درب الجريمة وليجعلوا منهم أعداء للإسلام، ولا يمكن التساهل مع هذه الجماعة التي ارتكبت أعمال القتل وارتكبت مجزرة من أبشع ما عرف تاريخ العرب والإسلام، ولا يمكن التساهل مع من يفعلون ذلك باسم الإسلام..
فلا الإغتيالات يمكن أن تقلب النظام، ولا يمكن أن نسمح بأي عمل طائفي، ولكنهم اتخذوا قراراهم في عام 1975 عندما اتضح الخط الفاصل بيننا وبين نظام السادات، فكان قرارهم تطبيقاً لاستراتيجية هدفها إثارة الاقتتال الطائفي كما ذكروا في افادتهم .. والذين يثيرون الطائفية لابد من معاقبتهم وتصفية منظمتهم في سوريا، لأنهم ضد حركة التقدم وضد حركة التاريخ، ولابد أن يوضع حد نهائي لأعمالهم).
ثم أنهى الرئيس حافظ الأسد كلمته بحث الشعب على هجر كل تغريض طائفي:
إن الإسلام والمسلمين شي وهذه الجماعة شيئ آخر. ان حزب البعث العربي الاشتراكي حزب قومي اشتراكي لا يفرق بين دين وآخر، واني كمسلم مؤمن أشجع على الإيمان وأشجع على مكافحة التزمت والتعصب، فهما يتناقضان مع حقيقة الدين، وأنا اعتقد أن المسلم الحقيقي هو آخو المسلم المسيحي، وأن المسيحي الحقيقي هو أخو المسيحي المسلم، وهذا مصدر قوة لنا إذا فهمنا الدين، ولو لم تكن سوريا دائماً فوق الطائفية لما كانت سوريا موجودة الآن.
وبشكل عام، بدت الحملات الإعلامية للنظام التي تلت ذلك وحملة النظام لاستئصال الاخوان المسلمين فظة وحادة للغاية، حتى أنها أثارت عداوة الشق الأعظم من الشعب المخلص بدلاً من أن تثير تعاطفهم. فعلى سبيل المثال، أدى وصف الرئيس الأسد للأخوان المسلمين بأنهم “خونة ومرتدين وهراطقة” على ما يبدو إلى تأثير معاكس، حرض بشكل خاص معظم السنيين المسلمين من الشعب على الابتعاد عنه. إن عباراته “اللهم العنهم وإسلامهم. لن يضمنا إسلام واحد معهم. انهم قتلة الإسلام والمسلمين. انهم خوان الإسلام والمسلمين”. وكان ينطبق هذا ايضاً على أقوال أخيه رفعت وبعض القادة البعثيين الآخرين الذين تلاعبوا بالألفاظ وأطلقوا في خطاباتهم العامة على الإخوان المسلمين لقب “خوان المسلمين”.
وقد أدعى الإخوان المسلمون – وليدهم ما يبرر ذلك- أن حملة النظام الإعلامية ضدهم قد ساعدت على تقوية مركزهم:”ان قرار النظام باتهام الإخوان المسلمين -بالاغتيالات- وأسلوبه الشائن في اتهامهم، بالإضافة إلى دعايته الساذجة ضدهم، لا تعني ترشيحهم لقيادة الشعب السوري لإنقاذه من محنته الكبرى”.
لقد حدث بعد ذلك في أوائل 1980 اضطرابات مدنية دامية بطول البلاد وعرضها، ويبدو أنها تمت بتحريض من المتطرفين السنيين. وقد لاقت التأييد لعدة أسباب من قبل عدد كبير من الشعب المحافظ المتدين. وقد سارع قادة النظام عندئد إلى القول بأنهم يعتبرون فئة محدودة من جماعة الإخوان المسلمين هي المسؤولة عن الإغتيالات وإثارة القلاقل، حيث صرح الرئيس الأسد في الثالث والعشرين من آذار عام 1980 بالآتي:
(اريد أن أوضح أمراً يتعلق بحزب الإخوان المسلمين في سوريا. الإخوان المسلمون في سوريا ليسوا جميعاً مع القتلة. بل كثير منهم، القسم الأكبر منهم ضد القتلة ويدين القتل. وهذا القسم يرى أنه يجب أن يعمل من أجل الدين ورفع شأن الدين لا من أجل أي هدف آخر. هؤلاء أيها الشباب، لا خلاف لنا معهم إطلاقاً، بل نحن نشجعهم، نحن نشجع كل امرئ يعمل من أجل الدين ومن أجل تعزيز القيم الدينية. ولهؤلاء الحق، بل وعليهم واجب. ان يقترحوا علينا وان يطالبونا بكل ما من شأنه خدمة الدين ورفع شأن الدين. ونحن لن نقصر، بل لن نسمح لأحد بأن يسبقنا في هذا المجال. ونحن نشجع من يعمل من أجل الدين، ونحارب من يستغل الدين لأهداف غير دينية ونحارب الرجعيين الذين يحاولون ان يستغلوا المتدينين في بلادنا لمصالحهم وأغراضهم السياسية القذرة).
وفي ابتعاد واضح عن العلمانية التي درح عليها البعث، والتي تفصل بين الدين والسياسة فصلاً تاماً، استهل الرئيس حافظ الأسد في هذه الفترة بعض خطاباته بعبارات دينية مثل “الله أكبر”، بل واستشهد بآيات من القرآن ليؤكد بعض حججه. وفي بعض المناسبات اعتبر الرئيس الأسد أنه من الضروري التصريح علناً بأنه مسلم، وذلك على ما يبدو لأن معظم السكان السنينن كانوا يعتقدون أن العلويين ليسوا مسلمين، ولهذا السبب وحده كان لديهم شك كبير في شرعية حكم الأسد.
وقد يكون حقاً أن الرئيس الأسد وابرز رفاقه العلويين البعثيين قد اعتبروا أنفسهم فوق الطائفية من حيث المبدأ. وحتى لو افترضنا نظرياً أن القادة البعثيين ذوى الأصل العلوي لم يكن لديهم ميول طائفية ولم يتحيزوا عمداً أثناء الصراع على السلطة على أسس عشائرية أو إقليمية، مثلما حدث في المراحل الأولى من ثورة الثامن من آذار 1963، فما كان لهذا كله أن يمنع مرؤوسيهم ومؤيديهم وعملائهم العلويين من التمسك بالدوافع الطائفية في تأييدهم لقادتهم. فهؤلاء كانوا سينظرون إلى قادتهم ليس كرؤساء بطون أو أفخاذ من نفس العشيرة أو المنطقة فحسب، بل أيضاً ولاسيما أثناء الأزمات التي لعبت فيها التوترات الطائفية دوراً هاماً كرفاق علويين يقودون هذا الشق من الطائفة العلوية الذي ينتمون إليه ويمثلونه ويحمون المصالح العلوية إذا لزم الأمر.
علاوة على ذلك، يبدو أن العديد من العلويين الذين لم يكن لديهم دوافع ايديولوجية قد “اتخذوا البعثية أداة للتسلط”، ليستفيدوا من النظام الذي يمثله عدد كبير جداً من أبناء طائفتهم وعشيرتهم وأقاربهم، وإن كان في كثير من الأحيان لأسباب مختلفة تماماً.
(1) للإطلاع على تفاصيل التوثيق وتوضيح بعض الأحداث أعلاه راجع:
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995، صـ 132- 139
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995
2- ثورة تاريخية في النخبة السياسية السورية 1963
3- الوزارات السورية والقيادة القطرية
4- العسكريون في القيادات القطرية السورية
الفصل السابع – التحريض الطائفي والمواجهة
1- التحريض الطائفي – مذبحة حلب