مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام : التحريض الطائفي – مذبحة حلب
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل السابع – التحريض الطائفي والمواجهة
1- التحريض الطائفي – مذبحة حلب
(لقد كان اللواء صلاح جديد، بعد أن متن قواعده في الجيش، أذكى من أن يطرح السلاح الطائفي. بل كان يستفيد من الطرح “السني” المعاكس، ليثبت أنه أصدق حزبية وقومية من الذين يطرحون هذا الشعار. ومع ذلك فلست أدري أيهما أكبر جريمة: الذي يصنع الطائفية أم الذي يكشفها؟!)
منيف الرزاز، التجربة المرة، صـ 16.
التحريض الطائفي: مذبحة حلب
أظهر الفصل الخامس أن سلسلة طويلة من الإغتيالات السياسية والهجمات على القادة السياسيين البعثيين بدأت في سوريا بعد تدخلها العسكري في لبنان عام 1976م. وقد كان معظم المغتالين من العلويين، ولم يكن واضحاً في البداية من هو وراء الإغتيالات، بيد أن تبين بعد الصالحة السورية العراقية المؤقتة في تشرين الأول 1978م أن المسؤولية تقع على مجموعات معارضة من المسلمين السنيين المتطرفين الذين امتعضوا ضمن أمور أخرى مما اعتبروه طابع النظام السوري العلوي الطائفي القمعي “المعادي للإسلام” و”الكافر”.
وقد أعدت مجموعة تطلق على نفسها اسم “المجاهدين” وتتكون فيما يبدو من إخوان مسلمين وإن لم تكن مطابقة تماًماً لتنظيم الإخوان المسلمين السوري مسؤوليتها عن الإغتيالات. وقد أفصحت هذه الجماعة عن نفسها وعن بواعثها في مقالة افتتاحية في نشرتها السرية “النذير” تحت عنوان” المجاهدون” : من هم وماذا يريدون”.
منذ ثلاث سنوات، وبتاريخ 8 شباط 1976 بالضبط، انطلقت أول رصاصة في سبيل الله تفتح الباب للجهاد المنظم، الذي بدأ يؤتى ثماره الخيرة في الأيام الأخيرة، ولكن تلك الرصاصة الأولى كانت ثمرة معاناة مريرة طويلة من الظلم والإرهاب. كانت سجون سوريا تعج بالمعتقلين المسلمين “السنيين”.. وكانت زبانية القمع والعسف تصول وتجول في الأحياء الشعبية والمدارس والجامعات، وكانت الحريات العامة والحقوق المدنية تداس بالأقدام..
على أن المحنة تبلغ أشدها حين يكون الاضطهاد مركزاً على المسلمين “السنيين”، وعلى الدين الإسلامي بالذات: من مساجد تهدم، وعلماء يعتقلون، ومناهج تربوية تعطل، ومدارس شرعية تغلق، ومن توجيه إعلامي وتعليمي إلحاحي ينشر، ومن تسلط حزبي طائفي متزايد، ومن تحضير نفسي وعسكري لتهديم الجيش والقوات المسلحة النظامية، ومن نهب لثروات الأمة بالرشى والابتزاز والتجارة المشبوهة، والصفقات الريبة والإثراء غير المشروع لحفنة قليلة على حساب الأكثرية المسحوقة.
ان تاريخ سوريا لم يشهد استبداداً وفساداً فكرياً ولا إدارياً كالذي يشهده اليوم في ظل نظام حافظ أسد وعصابته المغامرة، لذلك كان لزاماً أن ينبعث من رقاد العدم الأموات، وان تنشط الهمم والنخوات، وان يعلو صوت: “الله أكبر، حي على الجهاد: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير”. (سورة 22: 39).
فالمجاهدون فتية آمنوا بالله رباً والإسلام ديناً وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وبذلوا نفوسهم في سبيل الله رخيصة ليفتدوا دينهم وأمتهم مما هي فيه من ظلم وكفر وبغى وعدوان، وليعملوا على رفع كلمة :”لا اله الا الله” وتحكيم الشريعة السمحاء رحمة بالناس أجمعين وبالشعب السوري بالذات، بعد أن جربوا مختلف السبل ولم يبق إلا الجهاد”.
ولم يترك المجاهدون مجالاً للشك في رأيهم في العلويين في مقالات أخرى ونشروها في النذير بصفتها “صوت الثورة الإسلامية”، فقد أشاروا إليهم بـ “العدو النصيري – العلوي”، و”الكفرة النصريين المارقين الحاكم في سوريا” ووصفوا صراعهم ضد النظام على أنه “بين الأغلبية المسلمة”السنية” المكبوتة والأقلية النصيرية الكافرة”. وفي موقع آخر اتهم المجاهدون العلويين بأنهم “جعلوا من الإسلام عدوهم التقليدي”.
ومن الواضح أن هدف المسلمين السنيين المتطرفين كان استقطاب عداءات المجتمع السوري حول المحور الطائفي، ولم يظهروا تمييزاً في اختيارهم للهدف: فيبدو أنه كان يكفى أن يكون الضحايا علويين، سواء كانوا بعثيين أم لا”.
ومن أسوأ الحوادث تلك التي وقعت في 16 حزيران 1979م، في مدرسة المدفعية بحلب، عندما اغتيل مالا يقل عن 32 طالباً عسكرياً وأصيب، وقيل أن معظم الضحايا كانوا من العلويين.
بيد أن وزير الإعلام السوري أحمد اسكندر أحمد نفى ذلك وأعلن ان من بين الضحايا مسحيين ومسلمين سنيين. وبالرغم من احتمال صحة أن القتلى والجرحى لم يكونوا جميعاً علويين، إلا أنه كان من الهام بمكان أن الرأي العام اعتقد أن الأمر هكذا. ولا شك أن هذا كان هدف القتلة، ولأن مثل هذا الاعتقاد كان يشجع الاستقطاب الطائفي وبالتالي كان يزعزع النظام البعثي الذي يسيطر عليه العلويون. وقد جاء في كلمات نائب أحد زعماء ما سمي بـ “الإخوان المسلمين” في سوريا، والذي أجبر بعد اعتقاله على “الإعتراف” في التلفزيون بدمشق: “كان لابد لهذا الأعمال أن تؤدي لشق الجبهة الداخلية وزرع الطائفية، مثلما حدث في لبنان.
ومن الجوانب المخيفة لمذبحة حلب الجماعية أنها أظهرت تغلغل السنيين النشيطين في الجيش، والذين بلغت كراهيتهم للسيطرة العلوية حد استعدادهم للقتل. ولم يهديء من روع النظام حقيقة أن الضابط “السني” الذي قاد مذبحة حلب كان نفسه عضواً في حزب البعث.
وقد اتهم وزير الداخلية السوري في بيان رسمي صدر في 22 حزيران 1979م الإخوان المسلمين بالتورط في الإغتيالات، كما أوحى بوجود علاقة مباشرة بين الإغتيالات والمعارضة الخارجية لرفض سوريا فكرة اتفاقية جزئية مع إسرائيل مماثلة لتلك التي أقبل عليها الرئيس المصري السادات مع هذه الدولة:
(لقد تحرك هؤلاء بعد اتفاقية سيناء “المصرية – الإسرائيلية الموقعة في أيلول 1975” مباشرة وتصاعدت أعمالهم الإجرامية بعد زيارة السادات للقدس “في تشرين الثاني 1977) ثم بعد توقيع اتفاقيات الذل والعار مع العدو الصهيوني. وبدأوا بمسلسل الإغتيالات في بعض المدن السوري وفي حلب وفي حماة وفي دمشق، وكان من ضحاياهم أبرياء يعملون في شتى الأعمال الوظيفية في مؤسسات الدولة المختلفة.
وكانت آخر جريمة لهم تلك التي حدثت في مدرسة المدفعية في حلب. لقد تمكنوا من شراء عنصر من عناصر القوات المسلحة هو النقيب إبراهيم يوسف من مواليد تادف احدى قرى محافظة حلب. واستخدموا وجوده في المدرسة ونفوذه في يوم كان فيه هو الضابط المناوب في المدرسة. واستطاع مساء يوم السبت الواقع في السادس عشر من هذا الشهر ان يدخل إلى المدرسة عدداً من المجرمين من جماعة الإخوان المسلمين ويدعو الطلاب الضباط إلى إجتماع عاجل يعقد في الندوة وعندما هرعوا من مهاجعهم تنفيذاً لأمره وأصبحوا في قاعة الندوة الطلابية امر اعوانه من المجرمين الذين ادخلهم من خارج المدرسة بفتح النار على الطلاب الشباب العزل في القاعة المغلقة وذلك بالرشاشات وبالقنابل اليدوية وسقط خلال دقائق معدوات اثنان وثلاثون شهيداً وأربعة وخمسون جريحاً.
هل يمكن أن نتصور ان هؤلاء الذين قتلوا فتياناً في ريعان الشباب يتدربون ليذهبوا بعد قليل إلى خنادق القتال ويتصدوا للعدوان الإسرائيلي ويستشهدوا برصاص العدو دفاعاً عن أرض وطننا الطاهرة وعن كرامة أمتنا، هل يمكن أن نتصور ان هؤلاء المجرمين مواطنون في وطننا؟ هل يمكن ان نتصور ان هؤلاء يرتبطون بهذا الوطن بأضعف الروابط التي يمكن ان تربط اي انسان بوطنه؟ هل يمكن ان نتصور ان عملاً كهذا العمل يمكن ان يكون الا خدمة لإسرائيل ولكل أعداء امتنا؟.
وفور وقوع مذبحة حلب انطلقت حملة بطول البلاد وعرضها لاستئصال تنظيم الاخوان المسلمين، بدأت بإعدام 15 عضواً بالتنظيم كانوا بالسجون. وقد نص قرار محكمة أمن الدولة العليا في 27 حزيران 1979 على “ان الامبريالية والصهيونية حرضتا عملاءهما في بلادنا على ارتكب أعمال اجرامية من قتل وتدمير وبذر بذور الفتنة بين أبناء شعبنا، كل ذلك تحت ستار الدين، وهو منهم براء”. كما اتهم القرار “السادات والصهيونية” بأنهم”اعتمدا على عصابة الإخوان المسلمين” من أجل “تحقيق هدف السادات في تسديد ضربة للوحدة الداخلية”.
(1) للإطلاع على تفاصيل التوثيق وتوضيح بعض الأحداث أعلاه راجع:
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995، صـ 124- 126
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995
2- ثورة تاريخية في النخبة السياسية السورية 1963
3- الوزارات السورية والقيادة القطرية
4- العسكريون في القيادات القطرية السورية