مقالات
سامر الموسى: صلاح جديد .. لغز البعث الغامض
كانت الساعة تقارب الثامنة من صباح التاسع عشر من اب عام 1993م، عندما أعلن الطبيب المناوب وفاة نزيل الغرفة 14في قسم الإسعاف في مشفى المزة العسكري وقلة فقط كانوا يعرفون أن هذا الشخص المسجى على فراشه مبتسما ابتسامته الأخيرة هو اللواء صلاح جديد.
أعلنت إذاعة لندن على الفور الخبر المسرب لها من مراسلها في دمشق عن وفاة اللواء صلاح جديد رجل سورية القوي بعد انقلاب البعث في الثامن من آذار 1963 وحتى انقلاب الفريق حافظ الأسد في الثالث عشر من تشرين الثاني 1970م.
كان أخر لقاء بين الرجلين قبل انقلاب الأسد بساعات حيث كانت قوات وزير الدفاع تعتقل الأعضاء المؤيدين ل جديد في الحزب والحكومة.
بدت على وجه الأسد ابتسامة الانتصار على رفيق السلاح والنضال وعرض على جديد الرحيل مع اختيار السفارة التي تعجبه في أي بلد يشاء لكن صلاح جديد رفض العرض بغضب شديد.
كان جديد قد رفض عرضا مماثلا قبل شهور قبل شهور قليلة عندما عرض عليه السفير السوفييتي في دمشق اللجوء الى موسكو بل كان العرض مغريا أكثر حيث عرض عليه السفير الضغط على وزير الدفاع لعدم القيام ب انقلابه الذي كان باديا في الأفق مقابل الاعتراف ب مبادرة روجرز والقرار 242 الذي يعني اعترافا ضمنيا ب الدولة العبرية لكن جديد رفض الاعتراف ب القرار بشجاعة نادرة بينما قبله الآخرون.
لا ريب أن صلاح جديد كان الرجل القوي داخل الجيش والقيادة القطرية ل الحزب عقب انقلاب البعث في اذار 1963 حيث أزاح جديد من أمامه خطوة خطوة كل من وقف في طريقه ل إنشاء دولته الخاصة به و المجسدة ل أحلامه فكانت البداية في إزاحة بطل الانقلاب زياد الحريري والضباط الناصريين عقب محاولة جاسم علوان الانقلابية ل يمتد الإقصاء إلى رفيقه في اللجنة العسكرية اللواء محمد عمران عقب أحداث حماه 1964 ليبدأ مواجهة مع القيادة القومية التاريخية للحزب عقب المؤتمر القطري في اذار 1965 حيث جعل القيادة القطرية مسؤولة عن الحكومة وأن يكون الأمين القطري رئيسا ل الدولة وأن تكون ل لقيادة القطرية صلاحية تعيين رئيس الوزراء والوزراء ورئيس الأركان العامةوكبار القادة العسكريين.
لكن القيادة القومية التي سحب البساط من تحت أقدامها تشجعت في كانون الأول 1965 وأصدرت قرارات ب حل القيادة القطرية التي يسيطر عليها صلاح جديد وعينت قيادة عليا ل الحزب في خطوة أسمتها القفزة النوعية حيث مهدت هذه الخطوة لقيام اللواء جديد ب انقلاب الثالث والعشرين من شباط 1966 على الفريق أمين الحافظ والقيادة القومية مزيحا من طريقه آخر عقبة كانت تقف في وجه سيطرته الكاملة على الحزب والجيش والدولة. كانت أول خطواته تخفيض راتب رئيس الدولة والوزراء وكبار الضباط والموظفين.
أعلن صلاح جديد عن هوية دولته الجديدة فكانت دولة الفقراء حيث فرز القوى الاجتماعية بين عدو وصديق ف صنف العمال والفلاحين أصدقاء اما التجار و البرجوازيين فقد صنفوا ك اعداء وربما كان هذا أكبر أخطاء صلاح جديد القاتلة وسيدفع ثمنه باهظا بعد ذلك بسنوات.
كانت نكسة حزيران 1967 وضياع الجولان الاسفين الأكبر بينه و بين صديق عمره وزير الدفاع حافظ الأسد حيث بدا يومها ان كل منهما يسير في اتجاه يخالف الآخر وراح هذا التباعد يزداد إلى أن وصل الى اللحظة الحاسمة في مؤتمر البعث العاشر الذي حاول فيه صلاح جديد حالما التخلص من الأسد لكن كان قد سبق السيف العذل.
لم يدرك صلاح جديد التحولات على الساحة الدولية وتغير سياسة الاتحاد السوفييتي تجاه حركة التحرر الوطني حيث وقف الاتحاد السوفييتي وتابعه الحزب الشيوعي السوري ضده وبدا ذلك واضحا في عشاء السفارة السوفيتية في دمشق في 7 تشرين الثاني 1970 حيث لقي وزير الدفاع حافظ الأسد وظله اللواء مصطفى طلاس كل الترحيب من طاقم السفارة بينما كان الإهمال من نصيب أنصار جديد في الحزب والدولة.
كان رفاق جديد شرفاء نزيهين جسدوا مبادئهم في سلوكياتهم الحياتية اليومية ومواقفهم من الأوضاع في دول الجوارالعربي مما جلب عليهم نقمة المملكة العربية السعودية الغائب الحاضر في تاريخ سورية الحديث.
لقد كان صلاح جديد نموذجا فريدا في تاريخ سورية الحديث حيث لم يقبل ب اي امتياز أو صفقة عرضت عليه وكان لا يتصل ب الناس ولا يرتاد الأماكن العامة ولا يتعاطى المسكرات وكان يكره الأضواء وحب الظهور ولم تمتد يده يوما إلى المال العام أو ممتلكات الآخرين وابعد أقاربه عن الأماكن الحساسة في الحزب والدولة عاش في شقة بسيطة ومتواضعة حياة كلها تقشف وبساطة فبدا غامضا كلغز محير.
انظر:
محمود جديد: ملاحظات وتوضيحات على مقال “صلاح جديد لغز البعث الغامض”
اقرأ:
سامر الموسى: سليم حاطوم .. الرجل المتهور
بطاقة بريدية باسم اديب الشيشكلي