مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام: التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا (13)
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل الثالث – الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والأقليات الأخرى
التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
طبقاً لما ذكره الدكتور منيف الرزاز، الأمين العام للقيادة القومية لحزب البعث في عام 1965 و 1966: (فإن) روائح التكتيل الطائفي المقصود بدأت تفوح. وبدأ الحديث عنها، أول الأمر،همساً، ثم بدأت الأصوات في الارتفاع حين ظهرت بوادر مادية تسند الاتهام (بأن في صراعهم على السلطة استغل العسكريون الروابط الطائفية بشكل يهدف للتسب في نتائج سلبية للسنيين بالذات) (1).
وهكذا يبدو أن المعايرر الطائفية قد طُبقت في تسريح الضباط وضباط الصف الذين دُعوا إلى الخدمة في أوائل إنقلاب 8 مارس (آذار) 1963م: تأثر العسكريون السنيون بالذات من جراء هذه التسريحات(2).
إضافة إلى ذلك، يبدو أن السنيين قد عانوا من التمييز لدى تقدمهم للالتحاق بالكلية العسكرية ومراكز التدريب الأخرى(3). وتكرر الأمر لدى السماح لأشخاص عسكريين جدد بالانضمام لتنظيم حزب البعث العسكري أو لدى تجنيد أعضاء جُدد بالحرس الوطني البعثي أو الشعبة السياسية او المخابرات أو مؤسسات السلطة البعثية، بينما كان يحظى العلويون والدروز والاسماعليون والمسيحيون (الروم الأرثوذكس) بتمييز إيجابي في المعاملة في الكثير من الحالات(4).
وقد بدا تمييز مشابه لغير صالح العسكريين السنيين في حركة تنقلات الضباط داخل القوات المسلحة. فالضباط “المرثوقون” نظراً لروابطهم الطائفية المشتركة مع القادة العسكريين الذين ينحدرون من مجموعات الأقليات عادة ما كانوا يكتلون في قطاعات الجيش الهامة سياسياً واستراتيجياً القريبة من دمشق، بينما يستبعد غير “الموثوقين” على نفس الأساس أو الذين كان من المحتمل أن يكونوا “غير موثوقين” لكونهم سنيين، فكثيراً ما كانوا يُنقلون للجبهة السورية الإسرائيلية أو لحلب او اللاذقية(5). وقد أدت سياسة التنقلات العسكرية ذات المسحة الطائفية داخل وحدات الجيش المتمركزة حول دمشق إلى أن تكون السيطرة لأعضاء الأقليات، بينما كان هناك تمثيل قوى للسنيين في وحدات معينة للجيش بعيدة عن العاصمة(6) .
ولم تقتصر الروابط الطائفية على القيام بدور هام في تعيين الضباط في المراكز العسكرية العليا، بل أيضاً في المستويات الدنيا. فقد تشكلت بعض الوحدات المسلحة أساساً من أعضاء طائفة دينية معينة، بينما قد يكون الضباط القادمة من أصول مختلفة. مثلاً، بعض كتائب الدبابات كتلك التابعة للواء السبعين المتمركز بالقرب من الكسوة جنوب دمشق، كان معظم طواقمها من العلويين، بينما كان قادتها من السنيين(7) .
وكان من الممكن أن تتلاشى سلطة هؤلاء القادة السنين على الطواقم العلوية إلى الصفر بكل سهولة لدى إعطاء الضباط العلويين العاملين في الوحدات المسلحة الأخرى تعليماتهم لأقرانهم في العقيدة بعدم تنفيذ الأوامر. وهكذا، استطاع بعض الضباط أن يمارسوا سيطرة قوية على جزء أكبر بكثير مما هو مخول لهم رسمياً، طبقاً لبنية القيادة العسكرية الرسمية بالقوات المسلحة السورية.
وقد تم التعبير بوضوح عن مثل هذه “الاتصالات الجانبية” المحظورة في كلمات اللواء محمد عمران العلوي الذي أعلن في أوائل عام 1966 خلال أحد إجتماعات الحزب أن:
محمود حمرا وهو ضابط سني من حماة لا يستطيع قيادة كتيبته في اللواء السبعين المدرع لأن 70 % من صف الضباط في الكتيبة يقودهم علي مصطفى وهو ضابط علوي مؤيد لمحمد عمران، وقائد كتيبة في نفس اللواء، وكذلك بالنسبة لكل من محمد الحاج رحمون (سني) وكاسر محمود (علوي)(8).
ومثال أخر على حقيقة تقويض بنية قيادة الجيش والانضباط من جراء سيطرة الولاءات الطائفية هو تعليق عضوية ضابط غير سني من تنظيم البعث العسكري في أكتوبر (تشرين الأول 1965). وكان السبب الرئيسي لهذا التعليق هو قيامه بتحريض عدة مجموعات داخل وحدته العسكرية ضد بعضها البعض على أسس طائفية، وقيامه بإعطاء تعليمات لمساعد المعسكر التابع لطائفته الدينية بأن يكون على استعداد للقبض على جميع أفراد ضباط الصف السنيين بوحدته العسكرية بمجرد إصدار الأوامر له هاتفياً(9).
إن تقويض سلطة القادة العسكريين بالسيطرة على الولاءات الطائفية التي تتبعهم لم يكن بظاهرة جديدة في تاريخ الجيش السوري، فقد استخدمت مثل هذه التكتيكات على سبيل المثال خلال فترة الانفصال(10).
ويبدو أن تعيين ضباط سنيين في مراكز عسكرية عليا كان أحياناً يقصد به في المقام الأول إرضاء رفاقهم السنيين بالجيش وتقليل عدم ثقتهم في العسكريين المنتمين لأقليات دينية. وقد ساعدت تعيينات كهذه على إبطال الانطباع السائد بأن المراكز القيادية في القوات المسلحة كانت مشغولة أساساً بأعضاء طوائف دينية معينة، بيد أن شغل وظيفة عسكرية عليا لم يكن يعني بالضرورة التمتع بسلطة مستقلة(11).
(1) منيف الرزاز، التجربة المرة، صـ 159.
(2) المصدر السابق، انظر مطاع الصفدي، حزب البعث، ص 339 – 340، الذي أعطى الوصف التالي المبلغ فيه حول هذه التسريحات: (إن التسريحات بالمئات استهدفت جميع الضباط من أبناء المدن الكبرى، ومن “السنيين” خاصة، حتى فرغت أسلحة كاملة من ضباطها الرئيسيين كسلاح الطيران وسلاح البحرية، والآليات. وكذلك اتبعت نفس الخطة حيال صف الضباط والجنود، حتى أصبح من المتعارف عليه ان ألوية كاملة، بأركان حربها وصف ضباطها وجنودها، وقف على طوائف معينة، كاللواء السبعين والخامس مثلاً.
(3) منيف الرزاز، التجربة المرة، صـ 159 ، النهار يوليو (تموز) 1963، 11 يوليو (تموز) 1963، المحرر، 15 يوليو (تموز) 1963. طبقاً لمصاع الصفدي، حزب البعث، صـ 339- 340 “فقد أغلق باب الكليات العسكرية ومختلف المدارس العسكرية في وجه شباب المدن السنيين، حتى أن دورات كاملة من هذه الكليات قد سرحت من الخدمة جميعها، وقبل أن تتخرج.
(4) منيف الرزاز، التجربة المرة، صـ 159، انظر فؤاد الأطرش، الدروز، مؤامرات وتاريخ وحقائق، ص 373 مطاع الصفدي، حزب البعث، 338 -339
(5) منيف الرزاز، التجربة المرة، صـ 159
(6)ظهرت آثار هذه السياسة في التنقلات خلال إنقلاب 23 شباط 1966 العسكري، أنظر نهاية هذا الفصل.
(7) حزب البعث العربي الاشتراكي، القطر السوري، القيادة القطرية، التقرير الوثائقي لأزمة الحزب المتقدم للمؤتمر القطري الاستثنائي المنعقد بين 10 / 3 – 27 / 3 1966 ، دمشق، من الآن فصاعداً التقرير الوثائق، صـ 65-85-88.
مطاع الصفدي ، حزب البعث صـ 349، وصف الموقف على النحو التالي: (فالمعلمون يصبحون ضباطاً والفلاحون جنوداً وصف ضباط، حتى غدا اللواء سبعين خاصة، علوياً بقيادته وقواعده تقريباً.
انظر ايضاً:
J.C. Hurewitz, Middle East Politics: The Military Dimension, p. 153; Martin Seymour, ‘The
Dynamics of Power in Syria since the Break with Egypt’, Middle Eastern Studies, Vol. 6, No. 1,
January 1970, p. 40.
(8) التقرير الوثائقي ، صـ 65.
(9) نشرة (منسوخة) صادرة عن المكتب العسكرية لجميع أعضاء فروع الحزب العسكرية وفروعه المستقلة، 2 اكتوبر (تشرين الأول 1965)، انظر خطاب الرئيس أمين الحافظ الذي أذاعته إذاعة دمشق، 8 اكتوبر (تشرين الأول 1965)، حيث أشار إلى أن الصداقة والروابط الأخرى قد قوضت الانضباط العسكري بالقوات المسلحة”، وأكد على ضرورة الطاعة المطلقة والشديدة بين العسكريين.
(10) في بداية عام 1963 فشل المقدم الدمشقي النحلاوي في محاولة استرداد على الجيش السوري، ذلك عن طريق انقلاب عسكري بمساندة بعض مؤيديه الدمشقيين الذين لم يكن قد تم تسريحهم. أحد أسباب فشله هو أن بعض الضباط فقدوا السيطرة على جنودهم الذين رفضوا الامتثال لمزيد من الأوامر من قبل قادتهم الدمشقيين او الذين هجروا وحدتهم العسكرية بتحريض من الشيوخ العلويين والسنيين. (سامي الجندي، البعث، صـ 109-110.
(11) حول مركز كبار الضباط السنيين مثل مصطفى طلاس وناجي جميل انظر الفصل الخامس.
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول :
نيقولاس فان دام (1): العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
نيقولاس فان دام (2): الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
نيقولاس فان دام (3): الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
نيقولاس فان دام (4): الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثاني:
نيقولاس فان دام (5): التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
نيقولاس فان دام (6): التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
نيقولاس فان دام: (7) الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
نيقولاس فان دام: (8) الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
نيقولاس فان دام (9): انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
نيقولاس فان دام (10) : أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
نيقولاس فان دام (11): الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثالث:
نيقولاس فان دام (12): التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية