مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام: الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا (8)
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل الثاني – ظهور الأقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
تنظيم الفلاحين
واجه تنظيم الفلاحين بحزب البعث خلال الستينات صعوبات تنظيمية شابهت في كثير من النواحي تلك التي حدثت بفرعي دمشق وحماة. هذا، وقد عرقل نشاطاته ونموه حواجز إجتماعية تقليدية تسللت لجهاز الحزب نتيجة سياسات التجنيد الخاطئة، وقد تلخص الوضع في تقرير تنظيمي ُنشر من قبل مكتب الفلاحين للحزب عام 1965 كما يلي:
أيها الرفاق،
ان أسلوبا خاطئا اتبع في كثير من الاحيان أثناء عملنا في الريف كان يقوم على:
1- الاقتصار في التنظيم الحزبي على عائلة واحدة، او طائفة واحدة، او على قبول الوافدين الاول الينا، مما ادى الى ان تقف الاطراف الاخرى في القرية لا ضد الحزب، بل ضد المنظمين في القرية . وتدعى انها هي التي تؤيد الحزب وتقف الى جانبه. ناهيك عن العناصر الضعيفة التي نظمت.
2- – تركيز المسؤوليات كلها في يد احد المنظمين في الحزب، كان يعنى مختارا ويقترح للاتحاد او الرابطة، وللغرفة الزراعية .. الخ وكان ليس في القرية غيره من الفلاحين المخلصين الشرفاء، وهذا ادى بالنتيجة الى :
أ – خلق وجاهات جديدة بين الفلاحين
ب- وضع حاجز بين الحزب وبقية الفلاحين في القرية
3- عدم الانتقاء السليم والصحيح لمن يجب ان تنظمهم من الفلاحين، وسبب ذلك غياب الاسلوب الواعي الهادف، عن ذهن الرفاق الحزبيين الذين يعملون في الريف كأن ننظم مختار القرية، او المالكين المتوسطين، او المنفذين في العائلات، وهؤلاء الوجهاء سابقًا، يعودون الى وجاهاتهم من جديد.. ولكن تحت ستار التنظيم الحزبي وينظمون انصارهم من الفلاحين الذين لا يشعرون ابدا بأي تغير جدي ملموس في عهد الحزب(1).
ولذا، فعلى سبيل المثال، نجد أن تجنيد وانضمام أعضاء جدد لتنظيم الفلاحين من الفلاحين الإسماعيليين بمنطقة معينة في المرحلة الأولى قد حرم فلاحين سنيين من الإنضمام للتنظيم في مرحلة لاحقة.
الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
عندما استولت مجموعة من الضباط البعثيين وآخرين على مقاليد الحكم في 8 مارس (آذار) ( 1963 في إنقلاب عسكري، كان عدد أعضاء حزب البعث المدنيين يقل كثيرًا عن ما يكفى (حوالي 400 لتحمل مسئولية الحكومة الكبيرة التي نجح القادة العسكريون البعثيون في المطالبة بها نيابة عنهم(2).
لذا قرر المكتب التنظيمي لقطاع الحزب المدني السوري المشكل حديثًا زيادة أعضاء الحزب المدنيين بدرجة كبيرة وأصدر قرارًا في هذا الشأن بترقية “أنصار” الحزب فورًا لمرتبة “عضو عامل”، مع حقه في الإشتراك في انتخابات الحزب وترشيح أشخاص للعضوية (3).
وتوضح وثيقة حزبية يرجع تاريخها لعام 1965 أن أي عضو جديد كان عليه أن ينتظر فترة أطول قبل أن يصبح عضوًا عام ً لا: ثمانية عشر شهرُا ك “نصير” ومدة مماثلة ك “عضو متدرب” (4) .
وقد استفاد بعض قادة الحزب من إجراءات القبول المتساهلة هذه وضموا أقرباء وأصدقاء ومعارف لجهاز الحزب كأعضاء عاملين، دون الحاجة لتوافر معايير معينة مشددة مثل مستوى معين من التعليم أو التعرف على المباديء الإيديولوجية للحزب والالتزام بها. علاوة على ذلك، لم يكن هناك في الكثير من الحالات وثائق رسمية حزبية للتحقق من عدد وهوية أعضاء الحزب السابقين ورتبهم في الحزب وطريقة قبولهم . لذلك لم يكن الأمر عسيرًا على هؤلاء القادة وأنصارهم من تحويل تكوين بعض فروع الحزب جذريًا لمصلحتهم الشخصية(5).
ونتيجة لذلك تكون عدد من الكتل الحزبية ارتبط أعضاؤها ببعضهم البعض عن طريق خلفية إقليمية أو عشائرية أو طائفية مشتركة أكثر من كونها مباديء عقائدية . وقد كان لهذا آثار خطيرة فيما بعد على الصراع على السلطة في تنظيمات حزب البعث المدنية والعسكرية، حيث أن هذا قد أضعف الإنضباط الحزبي، مع الأخذ في الإعتبار لجميع العواقب السلبية لمثل هذا الأمر. وقد أوضح التقرير التنظيمي لعام 1965 الشكاوى التالية.
ان ضعف العلاقات الموضوعية في الحزب سواء بين الأعضاء أو بين المنظمات هو اكثر الظاهرات السلبية خطورة على تماسك الحزب التنظيمي وقدرته على التلاحم والحركة ونموه نموًا عضويًا متجانس ًا. ويمثل فساد هذه العلاقات ضمور الروح الرفاقية بين الأعضاء وقيام العلاقات الشخصية بدل العلاقات الحزبية وتقسيم الولاء بين المنظمة والتكتلات الموجودة في الحزب وتهدد الحزب نتيجة ذلك الخطر تسرب امراض الواقع البرجوازي الاقطاعي العشائري الطائفي الى قلب الحزب.
ان ضعف العلاقات الموضوعية داخل الحزب ادى الى ضعف الانضباط الحزبي(6)، كما انتقد التقرير التنظيمي وجود الكتل المتنافسة داخل الحزب، والتي كانت في الكثير من الأحيان لا تقوم حتى على إختلافات إيديولوجية:
إن ما اصاب ويصيب الحزب حتى الان، ايها الرفاق، ليس الانقسام الى اجنحة يمينية يسارية ثورية انتهازية بل هي تجمعات ليس من خط سياسي اساسي او مضمون طبقي يستطيع ان يحدد ملامح كل منها بصورة قاطعة(7).
المصادر والمراجع:
(1) المناضل، رقم 2، ديسمبر (كانون الأول) عام 1965م، صـ 10.
(2) قارن:
1970 Paul Balta, ‘La Syrie Baasiste, An VIII, II L’armée, source du pouvoir’, Le Monde, 24 March
قبل الوحدة بين مصر وسوريا في 1958 كان للبعث تنظيم حزبي كبير في سوريا. بيد أن هذا تم حله عام 1958 بناء على طلب الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي جعل حل الأحزاب السياسية السورية شرطًا مسبقًا للوحد ة. ولم تقرر القيادة القطرية السورية لحزب البعث إعادة بناء الجهاز الحزبي في سوريا إلا في مايو (نوار) 1962 ، أي بعد أكثر من نصف عام من انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحد ة. ولم ينضم الكثير من البعثيين القدامى لتنظيم الحزب السوري الذي أعيد تشكيله، بل انضموا لحركات سياسية أخرى كالناصرية أو الأحزاب السياسية التي تم تشكيلها مؤخرًا كالوحدويين، الإشتراكيين. وهناك بعض البعثيين السوريين الذين ظلوا في تنظيم سرى بعد حل حزبهم رسميًا في فبراير (شباط) 1958 خاصة في منطقة اللاذقية ودير الزور وحوران. وبعد انقلاب مارس (آذار) 1963 لعب هؤلاء الأعضاء الحزبيون الذين يشار إليهم في بعض نشرات الحزب بالقطريين دورًا بارزًا في الجهاز الحزبي المدني السوري. ويرجع الفضل في ذلك لروابطهم القوية مع قادة التنظيم العسكري لحزب البعث الذي تقلد السلطة الحقيقية في سوريا .
لمزيد من التفاصيل انظر:
Nikolaos van Dam, De Rol van Sektarisme, Regionalisme en Tribalisme bij de Strijd om de Politieke Macht in Syrië (1961-1976) (Doctor’s dissertation, University of Amsterdam, 1977), pp. 84-89.
قارن مطاع الصفدي، حزب البعث، ص 291 ,328 ، 327 ، 294 ،؛ المناضل، ملحق، رقم 5 ، يونيو (حزيران) 1966 ، ص4.
Nikolaos van Dam, ‘The Struggle for Power in Syria and the Ba’th Party (1958-1966)’,Orient, 1973/1, March 1973, pp. 11, 12.
(3) بشير الداعوق، نضال حزب البعث العربي الإشتراكي عبر مؤتمراته القومية، المؤتمر القومي الثامن (نيسان 1965 وكان هذا القانون معروفًا عند القواعد الحزبية بأنه “قانون الزحف” ٠ قارن P 232 ، 224 ، (بيروت، 1972 )، ص 221, 224, 232. وكان هذا القانون معروفًا عند القواعد الحزبية بأنه “قانون الزحف” ٠ قارن التقرير التنظيمي 1965 ، ص 45.
في العام اللاحق لإنقلاب 8 مارس (آذار) 1963 تضاعف عدد أعضاء حزب البعث خمس مرات (منيف الرزاز)، التجربة المرة، ص 110.
(4) Itamar Rabinovich, Syria under the Ba’th 1963-66; The Army-Party Symbiosis (Jerusalem, 1972), p. 230.
(5) التقرير التنظيمي 1965م، صـ 34.
(6) المرجع نفسه، صـ 17.
(7) المرجع نفسه، صـ 11.
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995