مختارات من الكتب
مروان حبش: الدمج بين حزبي البعث العربي والعربي الاشتراكي
من كتاب البعث وثورة آذار (8)
مروان حبش: الدمج بين حزبي البعث العربي والعربي الاشتراكي (8)
لم تترك لنا وثائق الحزب ما يشير إلى تفاصيل المفاوضات التي جرت وانتهت إلى الدمج بين حزبي البعث العربي والعربي الاشتراكي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، وهناك بيان منشور في الجزء الثاني من سلسلة نضال البعث في القطر السوري، الصفحة 191، بعنوان عهد الشيشكلي الدكتاتوري، ودون تاريخ أو توقيع، يُذكر فيه اسم الحزبين، ومما ورد فيه:
في أثناء حكم الشيشكلي، حدثت ثلاثة أمور مهمة:
الأمرالأول، هو إصرار قاعدة حزبي البعث العربي، والعربي الاشتراكي، على الاندماج باعتبار الحزبين يهدفان إلى الوحدة والحرية والاشتراكية، ويصارعان أخطاراً واحدة. وقد تم الدمج، وتوحدت القوى بانضمام الحزب العربي الاشتراكي إلى البعث، مما كان له أثر فعال في القضاء على الشيشكلي.
والأمر الثاني، دعوة الحزب إلى جبهة وطنية، تمَّ تكونها إثر مؤتمر عام في حمص صدر عنها بيان يوضح أهدافها وغاياتها، وقد رُفض اشتراك الشيوعيين في الجبهة، أما الحزب السوري القومي فكان من دعائم حكم الشيشكلي.
أما الجبهة فلم تكن في الواقع ذات نشاط، على صعيد مختلف الأحزاب، وظل النضال السري والعلني يقوده حزب البعث.
أما الأمر الثالث، فهو أن الشيشكلي وضع دستوراً يوطد حكمه، ويوهم بحكم شعبي ديمقراطي.
والبيان الذي صدر في شباط 1953 ضد حكم أديب الشيشكلي، كان أول بيان يصدر باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، ومن خلال الاسم الجديد نستدل على أن الدمج قد تم في هذا الشهر(1).
من حركة الإحياء العربي 1940إلى حركة نصرة العراق 1941إلى حركة البعث العربي أو حزب البعث العربي 1943إلى المؤتمر التأسيسي لحزب البعث العربي في نيسان 1947.
ومن حزب الشباب “المحلي” في حماة بعد 1936إلى الحزب العربي الاشتراكي على مستوى القطر في 1950 إلى المؤتمر الأول للحزب العربي الاشتراكي في آذار 1951.
كانت أهداف وغايات الحزبين في مجالات القومية والتغيير الاجتماعي متشابهة جداً. وكان المبدأ
الأول من المبادئ الأساسية لحزب البعث العربي كحركة قومية شعبية انقلابية “أن العرب امة واحدة
ولها حقها الطبيعي في أن تحيا في دولة واحدة وأن تكون حرة في توجيه مقدراتها، وفي منهاج الحزب
حول السياسة الاقتصادية ورد: ا”لمواطنون جميعاً متساوون بالقيمة الإنسانية ولذا فالحزب يمنع استثمار جهد الآخرين”.
وتنص المادة الأولى من المبادئ الأساسية للحزب العربي الاشتراكي على أن الحزب حزبٌ قوميٌ، انقلابيٌ، اشتراكيٌ، ديمقراطي، والمادة الثانية تنص على أن العرب امة واحدة وعليهم أن يؤلفوا دولة واحدة في وطن عربي واحد، وتنص المادة 14 بأن الحزب يأخذ بالاشتراكية العلمية كأساس لتنظيم الحياة الاقتصادية في البلاد العربية…… .
إن المنطلق القومي لمؤسسي كل من الحركتين، دفعهما لنصرة شعب العراق إبّان ثورة رشيد عالي الكيلاني 1941، فتحولت حركة الإحياء العربي إلى حركة نصرة العراق، وانطلاقاً من إيمان الحركة بأن ثورة العراق تناضل “من أمنية كل العرب” دعمتها بالمال والسلاح ودعت إلى التطوع في صفوفها، وبالتزامن مع هذه الدعوة دعا حزب الشباب إلى دعم الثورة وإلى التطوع في صفوفها، وتطوع بعض الشباب من الحركتين ” أكرم الحوراني، جمال الأناسي… “والتحقوا بصفوف ثوار العراق.
تشابهت، أيضاً، مواقف قادة الحركتين من المستعمر الفرنسي في سورية، وخاصة الموقف من استعادة الجيش السوري من الفرنسيين، ومن تأسيس جيش جديد.
ففي بيان صدر بتاريخ 16 أيار 1945عن مكتب البعث العربي وموقّع باسم ميشيل عفلق ورد “يا شعب سورية العربي، إنك إذ تستقبل ممثل فرنسا بإضراب شامل، ووحدة قومية رائعة، استنكاراً لما ينوي هذا الممثل فرضه، باسم دولته، على حريتك واستقلالك من قيود، أفهِمه أنك لا تزال تؤمن بأن الاستقلال يؤخذ ولا يعطى، وذكِّره بأن هذه الأمة التي انتزعت من فرنسا استقلالها انتزاعاً، بما أراقت من دماء، وقدمت من شهداء، ولا تزال هي هي، عربية الأصل والسجية، تعشق النضال وتلد الأبطال”.
وفي بيان صدر عن حزب البعث العربي في 9 حزيران 1945، أي بعد العدوان الفرنسي على دمشق بعشرة أيام، بعنوان “لن يعود الفرنسيون الطغاة”، يحذر الحزب الحكومة السورية من سياسة المماطلة والمفاوضة مع الفرنسيين، ويطالبها باسترجاع الجيش من الفرنسيين، وأن تقوم سياسة سورية الخارجية على تعاون وثيق مع البلاد العربية، وينتهي البيان بمطالب سياسية محددة.
في جلسة المجلس النيابي السوري بتاريخ 24/1/1945 وكانت مخصصة لبحث موازنة وزارة الدفاع قال الأستاذ أكرم الحوراني كلمة، ومما ورد فيها: “…لنفرض أن الفرنسيين لم ولن يُسلِّموا الجيش، فماذا يجب أن يكون موقف الحكومة وموقفنا نحن؟ يجب أن نستمر بالمطالبة بتسليم الجيش ولكن ما هي الوسائل التنفيذية لاستلامه؟ هناك وسائل عديدة، فإذا امتنع الأجنبي عن تسليمنا جيشنا فسنأخذه ونستلمه بالقوة لا بالواسطة، وعندها يذهب دور المفاوضة ويأتي دور القوة “ندعو هؤلاء الجنود والضباط الذين هم إخواننا وأبناؤنا إلى الانضمام لجيشنا الذي نؤلفه، وسيندمج الجيش السوري بالجيش الذي سنؤلفه، وعندها يرى الفرنسيون أن المواطن السوري لا يمكن أن يكون أداة لاستعمار أمته وهو ابنها البار….
وفي جلسة المجلس النيابي السوري بتاريخ 1/5/1945 قال الأستاذ أكرم الحوراني: “هناك أمور جوهرية يجب أن تعرفها الأمة، فنحن لا نريد أن نغلَّ عنقها بأي قيد ولا أن نقيدها بأي عهد أو اتفاق قبل استلام الجيش، وهذه هي إرادة الأمة التي أعربت عنها واتفقنا عليها جميعاً، إننا نسمع أن هناك اتفاقات ثقافية واتفاقات أخرى، وفي الوقت نفسه يُقدّم إلينا مشروع بتشكيل وزارة الدفاع، وإذا كان تقديمه يعني شيئاً، فهذا الشيء هو أننا صرفنا النظر عن قضية استلام الجيش، وإننا ننوي أن نشكل جيشاً جديداً ولهذه النقطة من الأهمية ما لا يجوز السكوت عنها “.
إن فكرة التحالف بين التنظيمين كانت قد طُرحت للمرة الأولى عام 1947، ثم طُرحت عام 1950 وأعيد طرحها من جديد عام 1951.
التقى الحزبان في أواخر شهر آب 1950 في موقفهما المعارض لتحويل الجمعية التأسيسية إلى مجلس نيابي، انطلاقاً من أن أوضاع القطر تتطلب حل الجمعية التأسيسية بعد أن أنهت مهمتها وإجراء انتخابات جديدة.
وعمل نواب ووزراء الحزبين، بعد مظاهرات شعبية قادها حزب البعث في أواخر عام 1950، انطلاقاً من مبادئهما على ضرورة تأميم الشركات والمؤسسات الاحتكارية وأبرزها شركة الريجي ومصرف سورية ولبنان.
وامتنع القادة في الحزبين عن أداء القسم الذي فرضه الشيشكلي على الموظفين وتعرضوا إلى الفصل من وظائفهم.
ووجه الحزبان في أوائل 1952 برقية مشتركة إلى باي تونس يؤكدان فيها تضامن الشعب العربي مع تونس ومساندتها لنيل استقلالها.
إن هذا التماثل في المواقف والتطابق الكبير في دستوري الحزبين، إضافة إلى أن جمهرة المنتسبين للحزبين كانوا من جيل الشباب الذين بدأت منهم بذور التفكير بإمكانية دمج الحزبين، وتكوّنت لديهم قناعة أنه لا يجوز أن يتنافس حزبان لهما المبادئ والأهداف نفسها، لأن مثل هذا التنافس سيؤدي إلى إضعافهما وإلى تقوية الأحزاب الرجعية والفاشية في الساحة السياسية السورية والعربية.
كانت مساعي الدمج الحثيثة تصطدم بعقبات نتيجة لاختلاف بعض المواقف بين نواب الحزبين في المجلس النيابي، ويقول الأستاذ جلال السيد في الصفحة 88 من كتابه “حزب البعث العربي”:
(وكانت هذه المساعي تحبط في مجلس النواب، فالكتلة البعثية المؤلفة من ثلاثة نواب كانت تختلف في كل الأمور تقريباً مع كتلة ثلاثية يرأسها الأستاذ أكرم الحوراني، كما تصطدم الكتلة البعثية بتكتل عشائري من أقطابه أيضاً السيد أكرم الحوراني…. وكل خطوة يخطوها دعاة الدمج كانت تعود إلى الوراء بسبب الاحتكاك المستمر في مجلس النواب حتى كاد الدعاة يتملكهم اليأس ويتخلون عن محاولاتهم).
ومن العقبات، أيضاً، عدم إباحة حزب البعث تدخّل الجيش في السياسة أو إعطائه الحق في تصرفات كثيرة لا يعرف الشعب بواعثها، بينما كان الأستاذ الحوراني وكتلته النيابية في موضع الاتهام، وخاصة، من قبل جلال السيد، بأنه الناطق باسم تجمع برلماني كان الجيش قد سعى لتأليفه بغية تكريس تسلطه على البلد.
كما كان بعض قياديي وقواعد حزب البعث يتهمون الأستاذ الحوراني بأنه كان وراء الإجراءات القمعية التي اتخذها حسني الزعيم تجاه قادة حزب البعث.
وفي الجهة المقابلة كانت بعض قيادات وقواعد الحزب العربي الاشتراكي لا ترى بأن حزب البعث العربي حزب سياسي، بل هو أقرب ما يكون إلى مدرسة فكرية ثقافية. ورأي الأستاذ الحوراني في الأستاذ جلال السيد سلبيٌ جداً، فهو “شوفيني، عشائري، إقطاعيٌ، صديقٌ لنوري السعيد، ويعمل للاتحاد السوري العراقي بوصاية عبد الإله وتحت عباءة المعاهدة البريطانية – العراقية”، كما أنهما أشبعا بعضهما في المجلس النيابي عناداً وتحدياً.
عُقد أكثر من اجتماع في دار الأستاذ صلاح البيطار ضمّ الأساتذة ميشيل عفلق – صلاح البيطار – أكرم الحوراني – عبد الفتاح الزلط لبحث موضوع الدمج وما يتعلق بذلك من خطط، ويقول الأستاذ الحوراني في الصفحة 1495 من مذكراته: (وفي اجتماع آخر في بيت الأستاذ صلاح حضر جلال السيد فاستغربت حضوره لأنه لم يكن موافقاً على دمج الحزبين، ولكنني لم أعترض على وجوده، وقد توجه إليَّ خلال الاجتماع بهذا السؤال: ما رأيك بمشروع الاتحاد مع العراق، وهل تقبل بذلك إذا تحرر العراق من المعاهدة البريطانية؟ قلت له: إنني أقبل بهذا الاتحاد ولو كان تحت النظام الملكي، ولكن المشروع الذي عُرِِض كان يهدف إلى إقامة عرشٍ آخر في سورية للوصي على العرش العراقي الأمير عبد الإله، مما يتيح لبريطانيا أن تُدْخِل سورية ضمن نفوذها).
وعن هذا اللقاء كتب الأستاذ السيد في الصفحة 90 من كتابه حزب البعث العربي: (….استهل الحديث السيد أكرم الحوراني فقال: إننا متفقون في كل شيء وليس بيننا خلاف، ومن المصلحة الوطنية أن نكون حزباً واحداً بدلاً من حزبين ولا داعي للتمهل في عملية الدمج التي تخدم القضية من كل جوانبها)، وأبدى استعداده ليكون إيجابياً وظهرت عليه الحماسة.
وبعد أن أجاب الأستاذ الحوراني عن بعض تساؤلات الأستاذ السيد نافياً أن يكون له أي دور في انقلاب الشيشكلي على سامي الحناوي هذا الانقلاب الذي استهدف منع الاتحاد بين سورية والعراق، وأكد عدم معارضته لأي اتحاد بين القطرين، يقول السيد: (كانت هذه أول جلسة اقترب فيها قادة الحزبين من حدود الدمج ودرسوا الإمكانية جدياً. وقد توالت بعد ذلك الاجتماعات الثنائية أو الثلاثية بين الأعضاء من كلا الحزبين على مختلف المستويات. وكانت اللقاءات مستمرة لكن التقدم لم يكن مستمراً أو مطرداً وإنما كانت تقوم العقبات كلما أوغلوا في الجزئيات والتفاصيل. وكما كان في الحزبين عناصر تميل إلى الدمج فإن هناك عناصر تميل عنه وتتمنى أن لا يكون، وكان لكل من الفئتين حججه ومستنداته، وتوقفت الاتصالات بعض الشيء عندما فوجئت البلاد بانقلاب كامل قام به العقيد أديب الشيشكلي عطل به الحياة النيابية وأوقف الدستور واعتقل أعضاء الحكومة).
في اجتماع ضم قادة الحزبين (عفلق -البيطار – السيد – الحوراني) مع أديب الشيشكلي بعد انقلابه الثاني في 29/11/1951 في منزله ورغم أن الشيشكلي تظاهر خلاله بأنه حليف للحزبين، لكن الاجتماع لم يسفر عن الاتفاق حول أية نقطة من نقاط البحث، وحسب قول جلال السيد إن القادة أبلغوه: (إنك وحدك المسؤول فأكمل طريقك)، ثم أسفر الشيشكلي عن عدائه الشديد للحزبين ابتداءً بإغلاق جريدة البعث واعتبار نشاط الحزب غير شرعي، ثم ما لبث أن اتخذ الإجراء نفسه ضد الحزب العربي الاشتراكي وإغلاق جريدته “الاشتراكية”.
إن تلك الإجراءات التي اتخذها الشيشكلي من ناحية، و قمع حكمه من ناحية ثانية، كانا العامل الأهم الذي أدى إلى تدخل بعض الضباط من أصدقاء الحزبين، و إلى زيادة ضغط القواعد في تسريع عملية التفاوض لدمج الحزبين في حزب واحد، وإلى تشكيل لجنتين من البعث العربي “وهيب الغانم -فيصل الركبي -عبد البر عيون السود” ومن العربي الاشتراكي “أنطون مقدسي -عبد الفتاح زلط” لوضع أسس الدمج.
يقول الأستاذ جلال السيد في الصفحة 102من كتابه المذكور: عُقدت اجتماعات ثلاثية -أي هو والأستاذان عفلق والبيطار- متوالية في قيادة حزب البعث العربي لإقرار الدمج بعدما تكاملت الضغوط واشتدت حماسة المتحمسين له وكثرت الاتصالات بين أعضاء الحزبين، وكان الموقف في قيادة الحزب يشير إلى أنني كنت في جهة وكان السيدان عفلق والبيطار في جهة، وكان الأستاذان عفلق والبيطار يقومان باتصال مع أعضاء الحزب الراغبين في الدمج ويجريان معهم المذاكرة حول الشروط وهما يبحثان الأمر معي.
وكنت أنا متشدداً ضد الدمج، ولم يكن زميلاي أقل مني تشدداً، لكنهما كانا يواجهان الضغط مباشرة من الأعضاء ومن الجهات الأخرى خارج الحزب فيلينان بعض الشيء بينما أنا لا أواجه ما يواجها. وبعد مداولات مستمرة بيني وبين الزميلين عفلق والبيطار عهدا إليَّ في أن أضع مشروع الاتفاق والشروط التي أراها لتحقيق الدمج.
ويذكر الأستاذ السيد الأسس التي قدمها حزب البعث العربي إلى الحزب العربي الاشتراكي، وهي:
1 -دستور الحزب الجديد هو دستور حزب البعث العربي.
2 -النظام الداخلي للحزب الجديد هو المنهاج الداخلي لحزب البعث.
3 -تصبح القيادة رباعية بعدما كانت ثلاثية وذلك بانضمام الأستاذ أكرم إليها.
4 -سائر الأعضاء من الحزب العربي الاشتراكي يتقدمون بطلب انتساب إلى الحزب كل بمفرده، والقيادة تقبل من تقبل منهم وترفض ضم من ترفض إلى الحزب، ولا يمكن قبول أعضاء العربي الاشتراكي في الحزب مجتمعين، بينما هذا الشرط لا يسري على أعضاء البعث العربي فهم أعضاء طبيعيون في الحزب.
5 -اسم الحزب هو حزب البعث العربي الاشتراكي.
أما الأستاذ أكرم الحوراني فقد أورد في الصفحة 1493 من مذكراته الأساس الذي اقترحه لتوحيد الحزبين وهو:
أولاً، أن يُسمى الحزب الموحد حزب البعث العربي الاشتراكي.
ثانياً، أن نعتبر دستور الحزب العربي الاشتراكي دستوراً للحزب الموحد أو أن نضع دستوراً جديداً، لأن دستور حزب البعث الذي وضعه في مؤتمره الأول 6/4/1947 قد أصبح متخلفاً عن الدستور السوري من حيث مفاهيمه القومية والاجتماعية.
ثالثاً، أن تكون قيادة الحزب ثلاثية، ينصرف فيها اهتمام ميشيل عفلق على الشؤون الفكرية، وأن أتولى مع الأستاذ صلاح البيطار المهمات السياسية والتنظيمية.
ويستطرد الأستاذ الحوراني قائلاً: (انتهت المفاوضات على دمج الحزبين، بعد جلسات عديدة مع صلاح وميشيل، وتم الاتفاق على هذين البندين:
أولاً، أن تضاف كلمة اشتراكي إلى اسم الحزب الذي سيصبح حزب البعث العربي الاشتراكي.
ثانياً، تضع هيئات الحزب المسؤولة دستوراً جديداً توضح فيه الهوية الاشتراكية للحزب.
أما الشرط الثالث فقد صُرف النظر عنه لأن المفاوضين أبلغوني أن الأستاذ ميشيل تعهد بأن يصرف اهتمامه تلقائياً إلى الأمور الفكرية ولا حاجة لهذا الشرط الذي يعتبره ماسّاً به شخصياً، فقلت لهم لم يدر بخلدي أن أسيء إليه، ولكنني اقترحت ذلك لأنه أكثرنا كفاءة لتولي هذه المهمة.
قابلت الأكثرية من قواعد الحزبين، وفرع الأردن لحزب البعث العربي، عملية الدمج بارتياح كبير، وخاصة أن هذا الدمج كان بضغط منها، وكانت ترى أن الدمج حقق للحزبين نوعاً من التكامل في الحزب الجديد.
كان الصراع بين الحزبين القوميين الاشتراكيين التقدميين، لا مفر، سيقوم على مستوى طرح الشعارات، وعلى مستوى التنافس على استقطاب الأنصار الذين لهم الأهداف نفسها، ولكن الدمج حقق وجود حزب قومي وحدوي اشتراكي واحد تلتف حوله وتنضوي تحته القاعدة الشعبية.
كان حزب البعث العربي، بغالبيته العظمى، حزب المثقفين والأساتذة والمعلمين والطلاب الجامعيين وطلبة الثانويات، وله انتشار في جميع أنحاء القطر وفي بعض الأقطار العربية، وهذا ما كان يفتقده الحزب العربي الاشتراكي ذو القاعدة الفلاحية الواسعة في بعض محافظات القطر.
وكان حزب البعث العربي يعمل من خلال منطلقات عامة في الوحدة العربية والديمقراطية السياسية والاشتراكية، بينما كان حزب الشباب ثم “الحزب العربي الاشتراكي” ينطلق من واقع قائم في حماة وريفها، وكان الأستاذ الحوراني مستفيداً من مقعده في مجلس النواب للمطالبة بحقوق هذه القاعدة الفقيرة ضد بغي الإقطاعيين وجورهم.
كان للأستاذ الحوراني علاقات جيدة مع العديد من ضباط الجيش ذوي الميول السياسية القومية التقدمية، وهذا ما كان يفتقده بل يحاربه قادة البعث العربي، ولقد لعبت مجموعة الضباط “من مؤيدي الحزبين” بعد الدمج دوراً حاسماً في الوقوف ضد الرجعية السياسية والعسكرية، كما كان لها الدور الرئيس في قيام وحدة مصر وسورية.
واستطاع الحزب الجديد أن يلعب الدور الرئيس في إسقاط حكم الشيشكلي لصالح حكم ديمقراطي تقدمي، وفي إفشال كل المؤامرات الرجعية الداخلية والخارجية، وفي حماية استقلال سورية والسير بها نحو الوحدة.
وحقق دمج الحزبين انتشاراً أوسع لحزب البعث العربي الاشتراكي في الأقطار العربية الأخرى، كما حفّز الجماهير في تلك الأقطار على تدعيم نضالها وتحقيق انتصارات ضد القوى الرجعية والاستعمارية، وإلى إسقاط سياسة الأحلاف ومناطق النفوذ ومبدأ أيزنهاور….الخ.
وأصبح لحزب البعث العربي الاشتراكي 16 نائباً في مجلس النواب بعد انتخابات 1954، من بينهم نائبان عن مدينة دمشق لأول مرة، وبذلك برز الحزب كقوة برلمانية تقدمية لها جماهيرها الكبيرة في الشارع السوري ولها تأييد واسع من القوى التقدمية في الجيش، وهذا ساعدها على التصدي للأكثرية البرلمانية الممثلة للقوى الرجعية ولجمها.
في جواب الأستاذ صلاح البيطار على أحد أسئلة مراسل جريدة “الجريدة” اللبنانية في 21/8/ 1954 ورد: كان تأسيس حزب البعث العربي عام 1943 ضرورة قومية….، وكان الشعب قد فقد أمله بزعمائه الذين كشف استيلاؤهم على الحكم في فترتين اثنتين إبّان الانتداب عن ارتباطهم الوثيق بالطبقة الإقطاعية وسعيهم المتواصل لتأمين مصالحهم، أما اندماج الحزبين: البعث العربي والعربي الاشتراكي فأمر طبيعي لأنهما كانا يسيران في اتجاه واحد ضمن مبادئ متشابهة قائمة هي أهداف العرب في جميع أقطارهم وهي الحرية والاشتراكية والوحدة العربية، ومما سهل اندماجهما وعجّل
فيه خوضهما معركة النضال ضد الديكتاتورية العسكرية التي حاول الشيشكلي أن يفرضها على البلاد. “نضال البعث الجزء الثالث ص 17-18”.
وفي اجتماع انتخابي في الشهر التاسع 1954 تحدث الدكتور جمال الأتاسي عن دمج الحزبين ومما قاله: … ورأيْنا أنفسنا ونحن طلاب في الجامعة السورية نلتقي وفي أول مظاهرة جرت ضد الفئة الحاكمة مع رفاق أكرم الحوراني…، وأستطيع الآن أن أقول: إنه منذ ذلك اليوم، منذ مطلع عام 1945 قد تشكل حزب البعث العربي الاشتراكي، ومنذ ذلك اليوم ونحن نلتقي في كل مناسبة وفي كل معركة من معارك النضال الشعبي…، حتى إذا ما قامت أزمات الانقلابات العسكرية وظن الناس بعد إنشاء الحزب العربي الاشتراكي وبعد قاعدته الشعبية النضالية وامتدادها في مدن سورية وقراها، أن الحركة الاشتراكية العربية أصبحت موزعة في سورية بين حزبين ومنهاجين وبين طريقتين في العمل والنضال، وجدنا أنفسنا وأمام أول أزمة شعبية، أمام أزمة الحرية إبّان طغيان الشيشكلي وزمرته على البلاد نلتقي من جديد، وكأن القدر التاريخي لأمتنا لا يريدنا إلاّ حزباً واحداً وإلاّ عملاً واحداً ومنهاجاً واحداً وقاعدة شعبية واحدة هو هذا الحزب، حزب البعث العربي الاشتراكي.
(1) على الراغب في معرفة بعض التفاصيل عن المحادثات التي قادت إلى الدمج العودة إلى ما كتبه كلٌ من الأستاذ جلال السيد في كتابه ” حزب البعث العربي ” والأستاذ أكرم الحوراني في ” مذكرات أكرم الحوراني ” وما تناقله بعض من عاشوا تلك الفترة، وخاصة من كان منهم في موقع قريب من قادة الحزبين.
اقرأ :
مروان حبش: صدور جريدة البعث والمؤتمر التأسيسي عام 1947 (7)
مروان حبش: معارك حركة البعث 1943- 1947 (6)
مروان حبش: تكون حلقة شباب البعث العربي 1942- 1943 (5)
مروان حبش: زكي الأرسوزي وتأسيس الحزب القومي العرب عام 1939 (4)
مروان حبش: الحزب القومي العربي (3)
مروان حبش: عصبة العمل القومي (2)
مروان حبش: نشأة وتكون حزب البعث العربي (1)
مروان حبش: حركة 23 شباط – الدواعي والأسباب – المقدمة (1)
مروان حبش: حركة 23 شباط – الحزب في السلطة (2)
مروان حبش: حركة 23 شباط.. سقوط حكم حزب البعث في العراق (3)
للإطلاع على تسلسل أحداث التاريخ السوري المعاصر بحسب الأيام
انظر أيضاً :
أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات