You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

ميشيل عفلق عام 1947: نضال الشعب كفيل باحباط المؤامرات

نضال الشعب كفيل باحباط المؤامرات .. من مقالات ميشيل عفلق التي نشرت في صحيفة البعث في23 تيسان عام 1947.


 قبل عام خلا، في اول عيد للجلاء، أفصحت، الفئة الحاكمة، في خطاب رسمي، عن السياسة التي تنوي اتباعها بعد زوال الاحتلال وعبرت عن نظرتها الحقيقية الى الاستقلال كواسطة لاستعباد الشعب واستغلال الحكم، واظهرت بشكل لا يدع مجالا للشك ان الحرية عندها لا تحوي اي معنى ايجابي، وليست سوى احلال الاستبداد الوطني محل الاستعمار الاجنبي. هكذا لم يجيء في الخطاب الرسمي اي ذكر لحق الشعب في توجيه سياسته ومقدراته، وأية اشارة لحق الشعب في تأليف الاحزاب السياسية وعقد الاجتماعات العامة والتعبير عن آرائه وإرادته بملء الحرية، بل كان الخطاب دعوة الى الشعب لكي ينصرف عن السياسة الى اعماله الخاصة وإغراء لشباب الامة بالوظائف، واقناعهم بأن الطريق الذي يستطيعون فيه اثبات الكفاءآت ونيل المكافآت هو طريق الالتفاف حول الحكومات والدخول في طاعتها، وتسخير معارفهم وضمائرهم لتأييدها وتقويتها.

وتألفت اول وزارة بعد الجلاء على هذا الاساس ونعتت نفسها بأنها “انقلابية” وظهر من اعمالها انها تقصد بالانقلاب القضاء على البقية الباقية من الحرية والحكم الدستوري التي كانت تضطر الى المحافظة عليها في وقت الاحتلال وتقدمت هذه الوزارة الى المجلس النيابي بمشروع الملاكات المشهورة التي عدت على الدستور فتركته مزقا وحطاما. وسعت الفئة الحاكمة بكل ما لديها من وسائل لتنفيذ تلك المؤامرة الشنيعة على حرية الشعب وحقوقه فاستخدمت الاقناع والاغراء والارهاب، واستغلت حادث انتخاب سوريا عضوا في مجلس الامن فجسمته وضخمت اهميته اضعافا مضاعفة. والقي خطاب رسمي يوهم الشعب بأنه اصبح حَكَما بيم أمم الارض ورقيبا على القنبلة الذرية، فما باله يتعلق بالتافه من الامور، اي بالدستور والحرية؟ ولكن الشعب الذي شرى حريته بالدماء الغالية انتفض انتفاضة الاباء والشرف، وارغم الفئة الحاكمة على سحب الملاكات والرجوع -ولو الى حين- عن تنفيذ مؤآمراتها. والقي خطاب آخر يسجل هذا التراجع، وقيل فيه بأن من حق الامة ان تؤلف احزابا! هذه الكلمة التي لو قيلت على أثر الجلاء لدلت على شيء من الصدق والوعي والجرأة، ولكن قولها على اثر فشل المحاولة الدكتاتورية الحقيرة، وبعد ان مضى على جلاء الجيوش الاجنبية ثمانية اشهر، كان دليلا جديدا على ما اتصفت به الفئة الحاكمة من كذب وتلاعب. وقصر في النظر وجبن في النفس. لقد قدر عليها ان تمشي في مؤخرة الشعب دوما، فالشعب يجرها الى النضال ضد الاجنبي جرا ولكنها تنتحل هذا النضال وتقطف ثماره والشعب يقبض عليها متلبسة بجريمة خرق الدستور، ولكنها تظهر بمظهر من يصون الدستور ويحمي ذماره.

ثم جاءت الحكومة الحاضرة، حكومة السيد جميل مردم الذي كسب شهرته السياسية من براعته في خداع هذا الشعب واللعب عليه والتلاعب بمقدراته ومصالحه طول عشرات من السنين، فأوكلت اليه مهمة انقاذ الفئة الحاكمة بعد ان انكسرت شوكتها امام غضبة الشعب، فقام بمهمة التخدير والتغرير خير قيام واعلن في المجلس النيابي تعهده بصيانة الحريات الدستورية، وتلبية الرغبة العامة في تعديل قانون الانتخاب، وما زال يسوف ويماطل. حتى فاجأ البلاد بهذه المؤامرة الاجرامية على حريتها ومستقبلها فخان العهد الرسمي الذي قطعه هو ووزراءه على انفسهم اما المجلس والامة، وامتنعت الحكومة، بعد اضاعة الوقت الطويل، عن تقديم اي مشروع بتعديل القانون النتخابي، مع انها لم تنل الثقة وتستمر في الحكم الا على اساس القيام بهذا التعديل.

اننا نتهم حكومة السيد جميل مردم بالتآمر على الدستور ومصلحة الامة. فالدستور لا يجيز لها ان تقف هذا الموقف السلبي من تعديل قانون الانتخاب، بل يقضي عليها ان تقدم الى المجلس مشروعا بالتعديل وتلقي عندئذ مسؤولية قبوله او رفضه على المجلس نفسه، خاصة وان القيام بتعديل القانون الانتخابي كان ابرز نقطة في بيانها الوزاري. اما مصلحة الامة فلا تسوغ ان تتجاهل الحكومة أمرا حيويا كهذا الامر، ورغبة عميقة شاملة عبر عنها الشعب بكل الوسائل واقوى الطرق، لانها تتصل بأمله في التقدم وحرصه على توطيد دعائم استقلاله.

ان الفئة الحاكمة في سوريا ما فتئت منذ أربع سنوات تتآمر على الحكم الدستوري بغية الوصول الى حصر جميع السلطات في ايدي افراد معدودين يمثلون مصالح اسر اقطاعية لا تعيش الا لتستغل الشعب وتسرق ثمار تعبه وجهده، ولا تفكر الا بعقلية الطغاة والمستبدين. وهي الآن ماضية في مؤآمراتها، تحاول ان تسد على الشعب ابواب التحرر والانعتاق، واول ما ترمي اليه من وراء احتفاظها بقانون الانتخاب الاستعماري ان تطعن النظام الجمهوري في صميمه، فتعدّل الدستور لتحويل الحكم الجمهوري الى حكم فردي دكتاتوري.

تلك هي رغباتها الاجرامية، ولكن حيوية الشعب العربي، ووعيه المتنامي، وارادته التي يزيدها النضال قوة وصلابة، سوف تقضي على هذه الرغبات، وتحبط المؤآمرات، بوقفة جبارة عنيدة تقفها الامة بمختلف طبقاتها وهيآتها، في الايام القريبة الآتية، لتقول للحكومة ولمن يشايعها في المجلس: لقد دخل الشعب ميدان العمل القومي، فلترتعد فرائص المستغلين والمستهترين!

ميشيل عفلق
23 نيسان 1947

المراجع والهوامش:

(1). صحيفة البعث - دمشق، العدد 156 الصادر في 23 نيسان  1947

المصدر
ينشر بالاتفاق مع موقع "في سبيل البعث" وأسرة ميشيل عفلق، موقع التاريخ السوري المعاصر



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: <b>تنبيه: </b>عذراً... لا يمكنك نسخ محتوى الموقع.!!