مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام: التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا (5)
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
إن فئات مثل الطائفية والإقليمية والعشائرية وصراع الطبقات كثيرٌ ما تستخدم عشوائياً في مناقشات الإتجاهات السياسية والأحداث والأنشطة في العالم العربي، طالما وجدها الكاتب مناسبة لمجادلاته أو حتى عندما تكون بالكاد موضع جدل أو مناقشة، وقلما يتم التدليل على الصلة الوثيقة بين هذه الفئات وبين الموضوع ٠ فالإدعاء بأن الولاءات والإرتباطات الطائفية والإقليمية والعشائرية و/أو الإجتماعية الإقتصادية تلعب دورًا هامًا في الصراع على السلطة السياسية عندما يكون معروفًا أن الفصائل المتنافسة تنتمي لمجموعات مختلفة داخل تلك الفئات لأمر أيسر بكثير من إقامة الدليل على صحة مثل هذا الإدعاء.
وهناك العديد من العوامل التي قد تلعب دورًا له نفس الأهمية مثل الإيديولوجية والصراع بين الأجيال والطموح الشخصي والإنتهازية ٠٠٠ الخ (1).
والتأكيد على أو حتى مجرد ذكر الفئات الطائفية والإقليمية والعشائرية في التحليلات السياسية أو الإجتماعية في العالم العربي عادة ما يفسر من قِبل ال ُ كتاب العرب القوميين على أنه محاولة لإبقاء الخلاف في هذا العالم وإعاقة عملية التحول من مجتمع إقطاعي و/أو رأسمالي تلعب فيه الطائفية والعشائرية والإقليمية دورًا هامًا إلى مجتمع عربي موحد يتمتع بنظام إشتراكي يركز على المصالح الإجتماعية الإقتصادية وعلى الهوية العربية. وعليه، فالطائفية والإقليمية والعشائرية تعتبر من الأمراض الإجتماعية الخطيرة التي يجب محاربتها بكافة الوسائل الممكنة، حيث أنه من المؤكد أنها تقوى مسببات الخلاف داخل المجتمع وتمنع الصراع الطبقي(2).
وهذه الدراسة ترتكز على إفتراض تطور القومية العربية والولاءات الطبقية داخل المجتمع العربي، بحيث تحل جزئيًا محل الولاءات والإلتزامات الإنصرافية التقليدية. بيد أن هذه الدراسة لا تفترض أن القومية العربية والوعي الطبقي كانا دائمي الوجود وجرى قمعهما من جراء تلك الولاءات.
لقد كان من المعتاد قبل ظهور القومية العربية التفكير من منطلق الأمور الدينية والإقليمية والعشائرية وليس من منطلق الأمور الإجتماعية الإقتصادية أو القومية، خاصة فيما يتعلق بتحقيق الذات وإذا كان لنا أن نستخدم الفئات التاريخية وليس الإيديولوجية (3).
وسهولة تداخل الفئات الطائفية والإقليمية والعشائرية يجعل من العسير تحديد أيها يلعب دورًا في موقف معين. فإذا ما حدث مثل هذا التداخل يكون هناك خطر من تفسير الولاءات العشائرية على أنها ولاءات إقليمية و/أو طائفية مث ً لا، أو العكس. وقد يكون التداخل نتيجة تجمع إقليمي لمجتمعات دينية وعشائر معينة في مناطق أو محافظات محددة، خاصة وأن المجموعات العشائرية كثيرًا ما تنتمي إلى نفس المجتمع الديني، كما أن العناصر العشائرية والطائفية ترتبط أحيانًا ببعضها البعض إرتباطًا وثيقًا(4). وفى هذا الصدد نجد مثالا واضحًا على ذلك في الأقليات الدينية المتماسكة والعشائر التي تنتمي إلى هذه الأقليات.
وقد تتداخل الجماعات الطائفية والإقليمية والعشائرية بدورها جزئيًا مع الفئات الإجتماعية الإقتصادية: فينتمي شخص ما إلى طبقة إجتماعية معينة أو مجتمع ديني أو عشيرة ويكون أحد سكان منطقة معينة في آن واحد. وهناك تباين كبير بين فئات مثل المجتمع الديني والطبقة الإجتماعية الإقتصادية. وعليه، فيمكن إعتبار الطبقة الإجتماعية الإقتصادية طبقة إجتماعية أفقية حيث ينطبق على أعضائها خواص إجتماعية إقتصادية معينة. ومن جانب آخر، فإن المجتمع الديني عادة ما يشمل طبقات إجتماعية إقتصادية مكونة بشكل ما تقسيمًا عموديًا لبعض الطبقات الإجتماعية الإقتصادية المختلفة .وهكذا، يمكن أن يكون للطبقة الإجتماعية الإقتصادية مستوى تماس مع العديد من المجتمعات الدينية.
فمن ناحية نجد، أن نمو الوعي الطبقي قد يعيق بالتحديد تضامن الشخص مع مجتمعه الديني، حيث يشمل هذا المجتمع في العادة طبقات إجتماعية إقتصادية مختلفة. ومن ناحية أخرى، قد يكون للولاءات الطائفية تأثير مساعد في إنطلاق صراع طبقي، إذا ما تطابقت التناقضات الطائفية مع التباين الإجتماعي الإقتصادي، وفي مثل هذه الحالة يمكن توجيه الصراع الطبقي من خلال قنوات طائفية . وعليه، فإذا ما تداخلت الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية والإجتماعية الإقتصادية فيمكنها أن تكمل وتعضد بعضها البعض ٠ ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في حالة الأقليات الدينية المتماسكة والتي تتطابق فئاتها إلى أبعد حد .
إن البعد الطائفي للانقسام الثنائي الريفي المدين في سوريا لجدير بالملاحظة. فبينما تتركز الأقليات الدينية المتماسكة أساسًا في المناطق الريفية الفقيرة المحرومة، نجد أن المناطق الأكثر ثراء والمدن الأكبر يهيمن عليها سنيون. ولدى وصف جاك ويلرس للتناقض الريفي المدني في الأوبعينات كتب الآآتى:
إن العداء بين سكان الريف وسكان المدن يصل إلى حد يصبح عنده بالإمكان التحدث عن شعبين مختلفين يتعايشان داخل إطار سياسي واحد دون أن يختلطا، والفلاح هو الذي يتكبد نتائج هذا العداء لأن البناء الإجتماعي الإقتصادي يقوم أساسًا على صدارة المدن بلا منازع(5).
وإذا ما أخذنا في الإعتبار التناقضات الريفية المدينية في آن واحد مع عقدة الأقليات التي تطرقنا إليها فيما قبل يصبح من السهل علينا أن نتفهم أن التناقض بين السنيين قاطني المدن الكبرى وأعضاء الأقليات الدينية قاطني المناطق الريفية لا بد وأنه كان أضخم بكثير من التناقض بين أبناء الدين الواحد قاطني المدن والريف. وبالتالي، يصبح من المستحيل الفصل بين العوامل الطائفية والجغرافية أثناء تحليل أي علاقة بين السنيين المدينيين والأقليات الدينية الريفية. وكذلك فإنه من الصعب جدًا إن لم يكن مستحيلا عزل الفئات الطائفية أو الإقليمية أو العشائرية أو الإجتماعية الإقتصادية عندما تتداخل بشكل كبير وتبدو كوحدة واحدة غير قابلة للفصل. تلك هي حالة أعضاء الأقليات الدينية المتماسكة كالعلويين والدروز والإسماعيليين والذين كما سنوضح في الفصول القادمة قد لعبوا دورًا بارزًا وجوهريًا في الصراع على السلطة السياسية في سوريا في الفترة منذ عام1963.
المصادر والمراجع:
(1) انظر أيضًا الفصل العاشر ” استنتاجات” ٠ قارن
Raymond A. Hinnebusch, Authoritarian Power and State Formation in Ba’thist Syria: Army, Party, and Peasant (San Fransisco, 1990); Raymond A. Hinnebusch, ‘Class and State in Ba’thist Syria’ in: Richard T. Antoun and Donald Quatart (eds.), Syria: Society, Culture and Polity (Albany, New York, 1991), pp. 29-48; Michael H. Van Dusen, Intra- and Inter-Generational Conflict in the Syrian Army (PhD dissertation, Baltimore, Maryland, 1971); Ronald R.
Macintyre, The Arab Ba’th Socialist Party: Ideology, Politics, Sociology and Organization (PhD thesis, Australian National University, 1969); Ronald R. Macintyre, ‘Syrian Political Age Differentials 1958-1966’, The Middle East Journal, Vol. 29, No. 2, Spring 1975, pp. 207-13.
(2) يتم عرض آراء البعثيين السوريين الذين تقلدوا زمام السلطة في 23 فبراير (شباط) 1966 حول المشكلات الطائفية والإقليمية والعشائرية كأمراض إجتماعية وسياسية في “المناضل”، العدد الثالث، أبريل (نيسان) 1966 ، ص 13. انظر الملحق (أ) لنص المقالة المذكور ة.
(3) قارن
Kedourie, The Chatham House Version and Other Middle Eastern Studies, pp. 386-7.
(4) لمناقشة مفاهيم المجتمع الديني والعشيرة والطبقات الإجتماعية الإقتصادية وأوجه التشابه والخلاف بينها، انظر ناصيف نصار، نحو مجتمع جديد ٠ مقدمات أساسية في نقد المجتمع الطائفي (بيروت، 1970 )، ص 96 – 103. وانظر أيضًا:
James A. Bill, ‘Class Analysis and the Dialectics of Modernization in the Middle East’. International Journal of Middle East Studies, 3 (1972), pp. 417-434; Ilya F. Harik, ‘The Ethnic
Revolution and Political Integration in the Middle East’, International Journal of Middle East Studies, 3 (1972), pp. 303-23; C.A.O. van Nieuwenhuijze (ed.), Commoners, Climbers and Notables. A Sampler of Studies on Social Ranking in the Middle East (Leiden, 1977), pp. 1-82.
(5) Weulersse, Paysans de Syrie et du Proche Orient, p. 85.
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995