مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام: الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا (4)
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الأقليات الدينية المتماسكة
منذ تولى حزب البعث زمام السلطة في سوريا عام 1963 فإن أعضاء الأقليات الدينية المتماسكة المتحدثين بالعربية كالعلويين والدروز والإسماعيليين قد لعبوا دورًا سياسيًا مرموقًا، وعليه فسوف نتناول بشيء من التفصيل ولو بإيجاز ظروفهم الإجتماعية
الدروز
يقطن أكثر من 90 ٪ من الدروز السوريين محافظة السويداء الجنوبية، حيث تزيد نسبة تركيزهم في اللاذقية ( 87,6% و 62,1 % على التوالي)، ويعمل معظم الدروز قاطني السويداء مثلهم مثل المسيحيين في القطاع الزراعي(1) ، وهم موزعون على المنطقة بشكل متوازن نسبيًا، حيث نجد أن معظم سكان المناطق الريفية وعاصمة المحافظة من الدروز .
اما التفاوت الريفي المديني كالموجود في اللاذقية فهو غير موجود بجبل الدروز. وهناك نقطة إختلاف هامة أخرى هي أن الصفوة التقليدية في محافظة السويداء كلها من الدروز، بينما تتراوح في منطقة اللاذقية بين العلويين والسنيين (وأحيانًا المسيحيين). وبالتالي، فإن الشعور القوى بالهوية الإقليمية الموجود في كلتا المنطقتين لا بد وأن يكون مصحوبًا بنقص نسبى في التكامل بمنطقة اللاذقية من جانب ووجود ترابط إجتماعي أقوى في السويداء من جانب آخر. لذلك، فنحن لا ندهش من وجود نسبة أكبر من التوترات الإقليمية الداخلية في اللاذقية (2).
لهذا نجد أنه في جبل الدروز لم يتم السيطرة على معظم السكان الدروز من قِبل أعضاء طوائف دينية أخرى، كما لم يصاحب الحكم الإقطاعي للعائلات الدرزية الشهيرة تناقضات طائفية : لقد إنحصرت التناقضات الإجتماعية الإقتصادية الطبقية أساسًا داخل طائفة واحدة (أي الدرزية) فقط. ولم تحدث بين الدروز علاقات دينية عشائرية إقطاعية كتلك القائمة داخل المجتمع العلوي وينحدر معظم دروز منطقة السويداء الحاليين من مها جري القرن السابع عشر وبالأخص القرن التاسع عشر من لبنان أو فلسطين أو منطقة حلب. وقد استقرت عائلات بأكملها أو أجزاء من عشائر في نواحٍ أو قرى معينة، حيث فرضوا بعد ذلك سيطرتهم عليها، نظرًا لأنهم كانوا يشكلون الأغلبية العددية أو لكون بعض القرى كادت تتكون بالكامل من أعضاء عائلة واحدة ممتدة (3).
واستأثرت عائلة آل حمدان بزعامة المجتمع الدرزي في منطقة السويداء لمدة طويلة، ويذكر أنها كانت تروع الفلاحين الدروز وتعاملهم كعبيد وتحرمهم من أي حق في ملكية الأراضي. و في عام 1868 فقدت عائلة آل حمدان زعامتها وتولت الزعامة عائلة الأطرش الدرزية الشهيرة والتي استمرت في قمع الفلاحين ولكنها جوبهت بثورة “العامية” ضد الإقطاع حوالي عام 1890 واجبرت على تقديم بعض التنازلات، بما في ذلك الإعتراف بملكية الفلاحين المحليين لجزء من الأراضي الزراعية.
ومنذ ذلك الحين أصبح العديد من الفلاحين الدروز من صغار أو متوسطي ملاك الأراضي. وقد اضطر هؤلاء الذين لا يملكون أرضاً للقيام بأعمال موسمية أو الهجرة للمدن، على أمل تحسين أوضاعهم الإقتصادية (4).
لقد مر مجتمع الدروز بمرحلة طويلة من وجود طبقة حاكمة من العائلات، وخضع هذا بالطبع لمعايير الأوضاع الإجتماعية والعائلية، وتم الإلتزام به بشكل خاص أثناء الأحداث والأنشطة الاجتماعية (5).
وقد استخدم الكثير من العائلات الشهيرة مثل الأطرش وأبو عسلي أوضاعهم التقليدية بين هذه الطبقات لدى الصراع على السلطة السياسية في الإنتخابات المحلية، إلا أن سلطة هذه العائلات العريقة قد انحسرت الآن بصورة كبيرة، خاصة منذ الستينات.
وبالنسبة للغرباء فإن مجتمع الدروز بمنطقة السويداء قد بدا في العادة متماسكًا، وخاصة عندما حاولت الحكومة المركزية العثمانية أو الحكومة السورية القائمة في دمشق أن تفرض سيطرتها على جبل الدروز.
الإسماعيليون
يقطن حوالي ثمانين في المائة من الإسماعيليين المقيمين في سوريا محافظة حماة الوسطى، حيث يتواجدون أساسًا في منطقتي مصياف والسلمية وحيث يعمل معظمهم في القطاع الزراعي. وخلال القرنين التاسع والعاشر كانت السلمية مركزًا لطائفة الإسماعيليين الذين كانوا مهابين بشكل كبير. وفى القرن الحادي عشر فر معظم الإسماعيليين إلى جبال منطقة اللاذقية، حيث وجدوا الملجأ المأمون واستقروا أساسًا في مدينتي مصياف وقدموس وما حولهما.
وعلى مر الزمان اجبروا على النزوح تدريجياً من هذه الضواحي الريفية لتلك المدن التي سيطروا عليها إجتماعيًا وإقتصاديًا (6). وفي الأجزاء الريفية من منطقة اللاذقية أبدى العلويون عداءهم بصفة عامة تجاه الإسماعيليين الذين عاد معظمهم إلى مركزهم الديني السابق في السلمية منذ أن منحهم السلطان عبد الحميد الثاني جزءًا من أملاك الإمبراطورية هناك في عام 1845.
ومنذ إستقلال سوريا تطور الإسماعيليون في منطقة السلمية إقتصاديًا وإجتماعيًا بصورة أكبر بكثير من إخوانهم في الدين بجبال العلويين الذين بقوا فقراء ومتخلفين إلى حدما. ونجد الكثير من الإسماعيليين الذين يشغلون مناصب حكومية على مر العقود في مجال التعليم والمهن الحرة، وأيضًا قبل تولى حزب البعث زمام السلطة في سورية عام 1963م (7)، و ونزح الكثير من الإسماعيليين إلى المدن وخصوصاً بعد 1963.
المصادر والمراجع:
(1) هؤلاء المسيحيون الذين فروا من لبنان في نفس الوقت مع الدروز لهم نفس العادات والزى واللهجة. أما قاطنو جبل حوران قبل قدوم الدروز فلهم لهجتهم وعاداتهم التي تشبه تلك الخاصة بقاطني سهل حوران المنخفض . (عارف النكدي – تعريف بمحافظة السويداء، دمشق 1962م، ص 127
Philip K. Hitti, The Origins of the Druze People and Religion (New York, 1928); Sami Nasib Makarem, The Druze Faith (New York, 1974).
قارن الأنباء (بيروت)، 14 ديسمبر ( كانون الأول) 1968 ، حيث أُعلن أن الدروز مسلمون طبقًا لفتوى من الأزهر.
(2) Van Dusen, ‘Political Integration and Regionalism in Syria’, p. 125.
(3) سلامة عبيد، الثورة السورية الكبرى ( 1925 – 1927 )، دمشق 1971م، ص 60 -63 يقدم عبيد خريطة لجبل الدروز موضحة المناطق الواقعة تحت سيطرة بعض العائلات الدرزية العريقة.
(4) شبلي العيسمي في عارف النكدي، التعريف بمحافظة السويداء، ص 20، 55-77 ،115. قارن هيثم العودات ‘ إنتفاضة العامية الفلاحية في جبل العرب (دمشق 1976).
(5) لوصف حي لمثل هذه الأحداث الإجتماعية انظر شبلي العيسمي، في عارف النكدي، التعريف بمحافظة السويداء، ص 94- 96.
(6) Weulersse, Le pays des Alaouites, pp. 341, 342, 369, 370.
(7) محمود أمين، سلمية في خمسين قرنًا، دمشق، 1983
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995