مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام: الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا (2)
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
هناك ثلاثة عوامل تزامنت وجعلت من الولاءات والإلتزامات الإقليمية قاعدة هامة للمشاركة السياسية من قِبل العديد من الشخصيات السورية خلال فترة الإستقلال، وقد لخصها “مايكل هـ فان دوزن” فيما يلي :
1- أظهر نمو الوعي السياسي الولاء فوق الوطني (أي القومي العربي) والولاء تحت الوطني (أي الإقليمي)، وذلك على حساب الإلتزام بالدولة الوطنية ككل ٠٠ إن الإقتطاعات العديدة من سوريا منذ بداية هذا القرن قد وقفت حائلا ً لا دون نمو أي ولاء متلاحم أو محدد للدولة السورية كوطن ٠ ومازالت تأثيرات هذه التغييرات الحدودية على التكامل الوطني واضحة حتى الآن: فمن ناحية نجد أنه يتم مراعاة هذه الحدود فقط من الناحية الفنية وأن الهوية العربية أقوى بكثير من الهوية السورية ، ومن ناحية أخرى، نجد أن عدم وجود ولاء وسط قد أدى إلى توجيه الصراعات السياسية المحلية للساحة السياسية الوطنية، والتي بالفعل قد سيطرت على السياسة الوطنية(1).
لذا، “فعندما نالت سوريا استقلالها عام 1946 كانت دولة في كثير من النواحي دون أن تكون أمة، فكانت كيانًا سياسيًا دون أن تكون مجتمعًا سياسيًا(2).
2- لم يضعف كثيرًا الإكتفاء الذاتي التقليدي لمختلف مراكز سوريا الإقليمية من جراء خطط التنمية الحديثة ٠٠ فالمدينة الزراعية العربية التقليدية هي مركز الولاءات الإقليمية في بلدان مثل العراق وسوريا .. وقد كانت المدن الزراعية تقليدياً مركزًا للنشاط السياسي: ففي فترة الإستقلال كان ذلك يعنى أن السياسة الوطنية كثيرًا ما كانت ُتعرفَّ على أساس المصالح الوطنية أو الإقليمية الفرعية. وأنماط الإتصال داخل البلاد تعكس أيضًا فسيفساء المدينة الزراعية: فحلقة الإتصال بين دمشق كعاصمة سياسية وأي قرية سورية عادة ما تكون المدينة الإقليمية التي تقع في منطقتها، والإتصال بين المدن الزراعية ضئيل للغاية(3).
هذا، وأهم المدن الزراعية السورية هي: دمشق والسويداء ودرعا والقنيطرة في الجنوب، وحلب ودير الزور في الشمال والشمال الشرقي، وحماة وحمص واللاذقية في الوسط والشمال الغربي. وكل واحدة منها تمثل مركزًا لشبكة من العديد من المدن والمئات من القرى بالمناطق الريفية النائية(4).
3- وفي أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات بدأ إهتمام الشباب السوري بالسياسة وهو في مرحلة الدراسة الثانوية، أي، قبل أن يتفرغ هذا الشباب للعمل في شتى الميادين أو يتحول للعمل بالقطاعات المختلفة.
وهذا يعنى أن ولاءات الشباب السياسية والإيديولوجية قد عكست الوضع السياسي المحلى الخاص بمدنهم الزراعية، ونتيجة لذلك كان لا بد للاحزاب الوطنية أن تتأقلم مع المحلية السورية، مما أفقدها مركزيتها وجعلها تتمركز حول خليته. وقد أفضى هذا أيضًا إلى استمرار الأحزاب الوطنية في إبراز المصالح الإقليمية(5) .
وهكذا، عكست الأحزاب السياسية السورية المصالح الإقليمية واستطاعت بغض النظر عن إيديولوجياتها السياسية أن تتوسع في مناطق محددة أو بين شرائح معينة من السكان، بينما بقيت غير جديرة بالذكر في مناطق أخرى
العوامل التي تضعف من الولاءات والإلتزامات الإنصرافية
إن ظهور فكرة القومية والتغيير الإجتماعي المستمر قد ساعد على إضعاف الروابط الطائفية والإقليمية والعشائرية، خاصة منذ فجر الاستقلال. فنجد على سبيل المثال أن تحسن سبل الإتصال والإنتقال قد بدد عزلة مجتمعات معينة ٠ أما التحديث والتصنيع فقد مكنا من إختلاط أعضاء المجتمعات المختلفة بصورة أكثر وأشد من ذي قبل ، ونجد أن الإنتشار الواسع للتعليم منذ عهد الاستقلال وتوحيده على المستوى الوطني خلال الستينات قد تسببا في كبت العقليات الإنصرافية الطائفية والإقليمية وغيرها. أضف إلى ذلك ان التمدن قد أدى إلى إضعاف الروابط الأسرية.
وبالرغم من ظاهرة اللامبالاة تجاه الدين، إلا أن أهمية المجتمع الديني كوحدة سياسية وإجتماعية قد استمرت، فتكاثرت أعداد المنظمات والأندية والجماعات اللاسياسية من خلال القنوات الإجتماعية التقليدية للمجتمع الديني، مع كل ما يتبع ذلك من أجل الإبقاء على الولاء والإلتزام الطائفي.
وفى دراستنا هذه، سوف نعتبر الذين ولدوا في مجتمع ديني معين ثم أصبحوا بلا دين أعضاء في ذلك المجتمع، فعمليًا، يبدو من الطبيعي إعتبار شخص ما تابعًا لمجتمع ديني، بغض النظر عن معتقداته الدينية الحقيقية، فظاهرة التحول من دين لآخر نادرًا ما تحدث.
التوزيع الإقليمي للمجموعات الدينية والعرقية
إن المجموعات الدينية والعرقية غير موزعة بالتساوي على كافة أنحاء سوريا، بل غالبًا ما تتركز بنسب متفاوتة في مناطق إدارية مختلفة ٠ وعليه، فيجب التمييز بين الأقليات المتماسكة والأخرى المتناثرة، فالأولى يتركز أعضاؤها أساسًا في منطقة معينة، مشكلين أغلبية محلية، والثانية يتوزعون فيها على عدد من المناطق، دون أن ينطبق على أي منها تعريف الأقليات المتماسكة(6).
ويشكل السنيون الأغلبية في كافة المحافظات السورية بإستثناء اللاذقية والسويداء (7) ففي محافظة اللاذقية يشكل العلويون الأغلبية (62.1%) ويشكل المسيحيون الروم الأرثوذكس المقيمون أساساً في المناطق الريفية على شكل تجمعات إقليمية نسبة 12.8%، بالمقارنة بنسبتهم على المستوى الوطني وهي 4.7%.
أما في محافظة السويداء “جبل الدروز أو جبل العرب”(8) فالدروز يشكلون أغلبية ساحقة بنسبة 87.6%، مع وجود طوائف كبيرة نسبيًا من الروم الأرثوذكس وغيرهم من الطوائف المسيحية ٠ ونجد أن نسبة نسبة السنيين في السويداء تقل عن 2 ٪ من عدد السكان، وهى أقل نسبة بين باقي المحافظات.
وفي محافظة حماة حيث يشكل السنيون غالبية السكان بنسبة 6406% نجد الإسماعيليين 13.2% والمسيحيين الروم الأرثوذكس 11% يتركزون في المناطق الريفية المحيطة بعاصمة المحافظة التي يقطنها أساسًا السنيون. ومعظم الإسماعيليين السوريين يتركزون في منطقة السلمية ومنطقة مصياف، حيث يشكلون غالبية السكان هناك، وبذلك يمكن تصنيفهم كأقلية متماسكة، شأنهم شأن الدروز والعلويين. أما معظم الأكراد السوريين فيقطنون المناطق الشمالية المتاخمة لتركيا ويمكن إعتبارهم أقلية عرقية متماسكة شأنهم شأن الدروز والعلويين. أما معظم الأكراد السوريين فيقطنون المناطق الشمالية المتاخمة لتركيا ويمكن إعتبارهم أقلية عرقية متماسكة.
(1) Michael H. Van Dusen, ‘Political Integration and Regionalism in Syria’, The Middle East Journal, Vol. 26, No. 2, Spring 1972, pp. 123, 125-6.
(2) قارن:
Moshe Ma’oz, ‘Society and State in Modern Syria’, in Menahem Milson (ed.), Society and
Political Structure in the Arab World (New York, 1973), pp. 29-91; Moshe Ma’oz, ‘Attempts at
Creating a Political Community in Modern Syria’, The Middle East Journal, Vol. 26, No. 4,
Autumn 1972, pp.389-404.
(3) Van Dusen, ‘Political Integration and Regionalism in Syria’, pp. 123-4.
(4) طبقًا لفان دوزن، المصدر السابق، ص 124 و 125 ، فإن أدلب وجسر الشغور يشكلان في الواقع جزء من مدينة حلب الزراعية، بينما الرقة والحسكة والبو كمال يشكلون جزء من مدينة دير الزور الزراعية ٠ وفى العقد الماضي تطورت ، طرطوس لتصبح مدينة زراعية بديلة عن اللاذقية، حيث يعتبرها الكثير من العلويين مركزهم الإقليمي ٠ وفى عام 1966 تم إقتطاع محافظة طرطوس الجديدة من محافظة اللاذقية القديمة ٠ في هذه الدراسة نعتبر منطقة الجزيرة المكونة من مناطق دير الزور والرقة والحسكة منطقة واحدة يطلق عليها دير الزور.
(5) المصدر السابق، ص 124 -127.
(6 ) Hourani, Minorities in the Arab World, p. 14.
(7) في هذه الدراسة، ما لم يشر إلى غير ذلك، فإن منطقة أو محافظة اللاذقية تشير إلى الوحدة الإدارية ذات الحدود المشتركة حتى عام 1966 عندما تم تشكيل محافظة طرطوس الجديد ة ٠ وفيما مضى كانت محافظة اللاذقية تضم منطقة مصياف وناحية وادي النصارى ٠ أما اليوم فقد أصبحت مصياف جزءًا من محافظة حماة، ويقع وادي النصارى جنوب شرق جبال العلويين ويقطنه أساسًا المسيحيون من الروم الأرثوذكس.
(8 ) يميل أنصار القومية العربية في سوريا إلى عدم استخدام الأسماء الجغرافية الدالة على الخلفية الدينية لسكان منطقة ما بالتالي، فلتأكيد التساوي بين العرب أجمعين وبغض النظر عن دينهم فهم يفضلون اسم جبل العرب على اسم جبل الدروز٠ بيد أنه كان حتى زمن قريب يطلق على جبال منطقة اللاذقية اسم جبال العلويين أو جبل النصيرية كما ورد في المجموعة ، 63 ؛ المجموعة الإحصائية 1971 ، ص 7 ، الإحصائية السورية الرسمية، قارن المجموعة الإحصائية 1976 ، ص 45 أما في المجموعة الإحصائية 1992 ، ففضلت الدوائر الرسمية اسم “الجبال الساحلية” الأكثر حياد ًا.
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995