مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام: العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا (1)
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية
هناك العديد من العوامل التي ساهمت في وجود وبقاء هذا الكم من المجموعات الدينية والعرقية بالمنطقة التي يطلق عليها اليوم سوريا [1].
1- تنبع الأديان الثلاثة التوحيدية الرئيسية اليهودية والمسيحية والإسلام من المنطقة الكبرى التي تشمل سوريا، وقد أدى تكوين المذاهب والمدارس المختلفة داخل هذه الأديان إلى إختلافات كبيرة في العقائد.
2- إن الهلال الخصيب الذي تشكل سوريا جزءًا منه قد تعرض بصفة منتظمة في الماضي لغزوات من قِبل مجموعات سكانية متعددة، مثل العرب والأكراد والمغول والأتراك، وكان دائمًا مركزًا للحركات العشائرية والفردية.
3- كان الشرق الأوسط في بعض الأحيان ملجأً للمضطهدين سياسيًا أو دينيًا من الأقاليم المجاورة، وقد تمكنت تلك المجموعات اللاجئة من الإستقرار في سوريا أو المناطق المحيطة به .
4- كثيرًا ما إتخذت الإختلافات العشائرية والقومية الناتجة عن كل هذه التطورات طابعًا دينياً وساهمت في ظهور جاليات دينية مختلفة ٠ بالتالي، كان طبيعيًا أن تتطور الإختلافات السياسية والدينية كجزء من هذه العملية٠
5- كثيرًا ما تم الحفاظ على الإختلافات الدينية والعشائرية واللغوية التي قويت نتيجة المحلية، أي نتيجة ولاء محلى مكثف تركز في بعض المناطق بسبب التكوين الجغرافي، لاسيما في جبال ووديان منطقة اللاذقية وجبل الدروز التي يصعب الوصول إليها.
6- إن نقص سبل الإتصال في المناطق التي يصعب الوصول إليها وعدم وجود سلطة مركزية قوية قد ساعدا على الحفاظ على الطابع المتميز والمستقل للمجموعات الدينية والقومية، واستطاعت الجاليات التي لم تكن ترغب في الخضوع لرقابة الدولة المركزية أن تنسحب إلى مناطق يصعب الوصول إليها إلى حد ما وتمكنوا من العيش دون قلق، نسبيًا ٠ وقلما كانت سلطة الدولة المركزية تمتد أبعد من الساحل وأودية الأنهار والوديان والسهول التي يسهل الوصول إليها، وبالتالي، كانت تقطنها الغالبية التقليدية السائدة من المجموعات الدينية أو القومية، وخاصة العرب السنيين ٠ من ناحية أخرى، نجد أن الأقليات الدينية، وخاصة أولئك الذين اضطهدوا بشدة في الماضي كالعلويين والدروز والإسماعيليين، قد تواجدوا أساسًا في مناطق يصعب الوصول إليه.
7- لقد تم تشجيع ونمو الإختلافات الدينية والعرقية نتيجة للتسامح النسبي الذي أبداه الإسلام تجاه المسيحيين واليهود وبسبب المساواة الرسمية بين المجموعات القومية داخل الإسلام ، بيد أن الثقافة العربية والإسلامية لم تترك الجاليات المسيحية واليهودية دون أن تعكر صفوها، فحدث استيعاب بعيد المدى ٠ وقبل إنتشار ظاهرة القومية في العالم الإسلامي كانت أهم المجموعات القومية مثل العرب والأتراك والفرس والأكراد متسامحة إلى حد ما في سلوكها تجاه بعضها البعض، ولم يكن التفكير قد تطرق بعد للاتجاهات القومية، فكان سكان سوريا الحاليون يعتبرون أنفسهم إما سنيين أو علويين أو دروز أو إسماعيليين أو مسيحيين روم أرثوذكس أو يهودًا ٠٠٠ الخ ٠ وكان معظمهم يتحدثون العربية، إلا أن هذا لم يكن له ثِقل سياسي، فالغالبية من السكان وهم سنيون لم يشعروا بأنهم تحت وطأة حكومة أجنبية أثناء الحكم العثماني (التركي)، رغم أن هذا كان شعور العلويين والدروز والإسماعيليين وغيره م ، إلا أن السنيين لم يتفقوا مع كل هؤلاء في الرأي في هذا الشأن ٠[2]
لقد كان التعصب الإسلامي (السني) موجهًا بصفة عامة ضد الشيعة والمسلمين غير السنيين كالعلويين والدروز والإسماعيليين أكثر منه ضد المسيحيين واليهود الذين كانوا يتمتعون بنوع من حماية الأقليات، مما مكنهم من الإحتفاظ بهويتهم حتى وقتنا هذا، وإن كان ذلك على حساب قبولهم أن يعاملوا معاملة مواطني الدرجة الثانية[3] ٠ لقد اعترف الإسلام باليهود والمسيحيين كأهل الكتاب، أي أناس تلقوا رسالات سماوية عن طريق رسل جاءوا قبل محمد و عهد إليهم بكتب سماوية مقدسة ٠ كما أن مكانة أهل الكتاب سمحت للمسيحيين واليهود بالإحتفاظ بتنظيمهم الديني ومكانتهم الشخصية وأماكن عبادتهم وممتلكاتهم الدينية، وهذه المكانة المحفوظة قد توطدت أكثر تحت ظل الإمبراطورية العثمانية، عندما اعُترف بجالياتهم رسميًا كمِلل أو “أمم” (دينية) ٠
وفى عهد الإمبراطورية العثمانية كان المجتمع السوري مجزءًا بشكل كبير إلى عدد من الجاليات المغلقة، وقد قام البرت ه ٠ حوراني بشرح هذا الوضع كالآتي:
كانت الإمبراطورية العثمانية تتألف من عدد كبير من المجموعات المحلية العشائرية واللغوية والدينية، التي تشكل في مجموعها جاليات مغلقة ٠ وقد كان كل منها بمثابة “عالم” يقتصر على أعضائه ويطالبهم بولائهم المطلق ٠ وقد تلامست هذه العوالم دون أن تختلط ببعضها البعض، فكان كل منها ينظر للآخر بعين الشك والريبة، وربما الكراهية ٠ وكانت معظمها يغلب عليها الركود وعدم التغيير والمحدودية ٠ أما عالم أهل السنة، رغم تمزقه بشتى أشكال التشقق الداخلي، إلا أنه ظل يتمتع بشيء من الشمولية والشعور بالثقة وروح المسئولية التي كان يفتقدها الآخرون ٠ وكانت الجاليات الأخرى هامشية وبعيدة عن السلطة وصنع القرار التاريخي[4] .
إن التصدع القديم عبر القرون بين الجاليات الدينية المختلفة وبين السنيين والأقليات الدينية بصفة خاصة قد اتسع خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين نتيجة لعدة عوامل: [5]
1- خلال القرن التاسع عشر تأثر وضع الأقليات الدينية بصورة قوية نتيجة التدخلات السياسية في الشئون الداخلية للإمبراطورية العثمانية من قِبل فرنسا وانجلترا وروسيا الذين فرضوا أنفسهم حماة للأقليات الدينية، فادعت فرنسا لنفسها حق حماية المسيحيين الموارنة في لبنان وادعت الحكومة الروسية لنفسها حقًا مماث ً لا في حماية المسيحيين الروم الأرثوذكس التابعين للسلطان العثماني، بينما استأثرت بريطانيا بعلاقات وقد تحسن وضع هذه الأقليات الدينية بصفة عامة، إلا أنه حدث تأثير طيبة، خاصة مع الدروز واليهود [6].
سلبي لأن هذه الحماية جلبت لهم كراهية الحكومة العثمانية المركزية وغالبية السكان من المسلمين السنيين الذين اعتبروهم “خونة محتملين، ومصدر ضعف، وعملاء للسياسة الأوروبية، وخطرًا على الإمبراطورية ونتيجة لذلك فقد ساءت بالفعل العلاقات بين السنيين والأقليات الدينية، هذا P1 والأمة الإسلامية بوجه عام ” [7] بجانب تأثير آخر للتدخل السياسي من قِبل القوى الأوروبية ألا وهو تدعيم مهمة الأقليات الدينية كوحدات سياسية وتنمية وعيها الجماعي ٠
2- وفى عهد الإنتداب الفرنسي تم تحريض الولاءات الطائفية عمدًا لكي تمنع أو تحد من ظهور القومية ومن ناحية أخرى، جرى تشجيع ظاهرة الإنفصالية والتخصصية بين الأقليات الدينية والقومية العربية [8].
عن طريق منحهم حكمًا ذاتياً في المناطق التي كانت تشكل فيها تلك الأقليات الغالبية المحلية ٠ وبناء على هذه السياسة فإن منطقة اللاذقية، والغالبية فيها من العلويين، وجبل الدروز، والغالبية فيه من الدروز، كانت لهما حكومتهما لفترة ما أثناء الإنتداب وكانا يعتبران مستقلين بحكم ذاتي رسميًا عن الجمهورية السورية٠
أما منطقة الجزيرة في الشمال الشرقي حيث مثلت الجاليات المسيحية قوة لا يستهان بها وحيث كان الأكراد بالنسبة لهم أغلبية محلية، فلم يحصلوا على حكم ذاتي رسميًا تحت الإنتداب الفرنسي، بل وضعت المنطقة تحت حكم الإدارة الفرنسية المباشرة وتم تشجيع تطلعات الأكراد نحو تحقيق حكم ذاتي ٠
3- وكجزء من سياسة “فر قِّ تسد” فقد شجع الفرنسيون تجنيد فصائل خاصة من العلويين والدروز والأكراد والشراكسة والأقليات الأخرى، الذين شكلوا بعد ذلك ما عرف باسم “القوات الخاصة للشرق الأدنى” والتي استخدمت لحفظ النظام وقمع الفتن الداخلية ٠ ونظرًا لأن هذه القوات كانت مشكلة من الأقليات فقد زاد هذا من شعور الإستياء بين السنيين المتحدثين بالعربية، كما اثيرت الخلافات بين الأقليات الدينية والعرقية عن طريق الفرنسيين الذين كانوا يناصرون قائدًا عشائريًا ضد الآخر [9].
4- ظل نظام “المجتمع المغلق” ساريًا خلال النصف الأول من القرن العشرين، وقد لاحظ ذلك جاك ويلرس خلال الأربعينات وأسماه بعقدة الأقليات، كالآتي: ٠٠٠ حساسية جماعية مرضية تجعل أي تحرك لجالية مجاورة يبدو وكأنه خطر محقق أو تحدٍ لهذه الجالية، فتقوم بتوحيد كل مجموعة بالكامل أمام أدنى هجوم أو تعدٍ يرتكب ضد أي من أعضائها [10]
[1] 7 المناقشة التالية تستند أساسًا على H. Hourani, Minorities in the Arab World (London, 1947), pp. 15-22.
[2] Elie Kedourie, The Chatham House Version and other Middle Eastern Studies (London, 1970), 386-7.
[3] C. Biegel, Minderheden in het Midden-Oosten, hun betekenis als politieke factor in de
Arabische wereld (Deventer, 1972), pp. 61, 332.
[4] Hourani, Minorities in the Arab World, p. 22.
[5] . 29 – 11 المصدر السابق ص 23
[6] 12 قارن
Shakeeb Salih, ‘The British-Druze Connection and the Druze Rising of 1896 in the Hawran’,
Middle Eastern Studies, Vol. 13, No. 2, May 1977, pp. 251-7.
[7] Hourani, Minorities in the Arab World, p. 24.
[8] قارن زكي الأرسوزي، “التجربة السياسية في لواء الإسكندرون”، المؤلفات الكاملة، المجلد الثالث (دمشق، 1974 )، ص
. 362 M 341
[9] قارن
Munir Mushabik Mousa, Etude sociologique des ‘Alouites ou Nousairis (Thèse principale pour le
doctorat d’état, Paris, 1958), pp. 924-6.
[10] Jacques Weulersse, Paysans de Syrie et du Proche Orient (Paris, 1946), p. 77
قارن
Jacques Weulersse, Le Pays des Alaouites (Tours, 1940), pp. 49, 73, 288.
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995