نشر في صحيفة الجريدة- سان باولو، العدد 32، الصادر في الحادي عشر من حزيران 1921م
نص المقال:
الوطنية كلمة ذات معنى غير محدود لا تدخل تحت نظامات ولا قوانين. إذا وقعت دعوتها على الآذان سرى منها إلى القلوب تيار كهربائي لا يلبث أن يتحول إلى هيجان يعقبه انفجار هائل يودي بحياة أنفس كثيرة. هي التي لا حياة للأمم إلا بها.
في سبيل الوطنية يهرق الحر دمه. ومن أجلها يأتي الرجل من الأعمال ما قد يكون مستحيلاً. ويعرّض الشجاع بنفسه لأعظم المخاطر. ويلقي الوطني بنفسه بين أنياب الموت باسماً. هي عامل قد يدفع الشريف إلى ارتكاب أعظم الجرائم دون أن يعوقه عائق، أو يردعه رادع. يخوض الجندي ساحات القتال غير هيّاب ولا وجل لداعي الوطنية. وتتطوع النساء تحت لواء الصليب الأحمر للاعتناء بجرحاها.
الوطنية قوام الأمم، فبمقدار الوطنية تكون الأمم ــــ الوطنية تقتضي تضحية وبمقدار التضحية تكون الوطنية ــــ بالتضحية تحيا الوطنية وبالوطنية تحيا الأمم ــــ الوطنية تولّد في الجبان شجاعة الأبطال وتجعل في الضعيف قوة تفل الحديد وتضع في النذل شهامة الشرفاء.
لا أمل لأية أمة كانت بالاستقلال والارتقاء إلا عن طريق الوطنية. فلا استقلال بدون وطنية، ولا ارتقاء بدون استقلال.
الوطنية للسوري إسم لغير مسمّى، فهو لا يفقه للوطنية معنى سوى الوظائف. ولذلك تراه يوم يدعوه داعي الوطنية للقيام بالواجب الوطني قد اختبأ في زوايا البيوت، أو فرّ إلى محل آخر لينجو من الوطنية التي تطلب منه تقديم نفسه ضحية على مذبحها. ولكن عندما يأتي يوم الانتخاب، تراه في مقدمة الوطنيين وأول المجاهدين في سبيل الوطنية الغيورين عليها.
سرّ تقدم الشعوب هو الوطنية. وعدم وجود الوطنية هو سرّ تأخر وانحطاط الأمم. فالأمة التي تطلب الاستقلال والتقدم، يجب أن يكون اعتمادها على الوطنية العامل الأساسي للرقي والاستقلال.
إذا أردنا معرفة مقدار الوطنية من أي أمة، فبالنظر إلى الحالة التي هي عليها. وإذا أردنا معرفة مقدار ارتقاء أي أمة، وجب علينا أن ننظر إلى وطنيتها. فإذا وجّهنا جميعاً بأنظارنا إلى الأمة السورية، وراقبنا جميع حركاتها وسكناتها فماذا يتضح لنا؟
لا يسع الناظر إلى الأمة السورية إلا أن يعترف بعدم تقدمها نحو الرقي والاستقلال لعدم وجود الوطنية فيها. الوطنية مفقودة من السوريين وإن كان يوجد منها شيء فهو الوظائف كما ألمحت إلى ذلك. والوظائف داء لا يريد السوريون أن يشفوا منه، كما أنّ الوطنية دواء لا يريدون استعماله. ومن كانت هذه حاله فعبثاً يرجى شفاؤه.
ما زالت الوطنية بعيدة عن الأمة السورية فالاستقلال أبعد جداً. وما زال داء الوظائف متفشياً كما هي الحال الآن فلا يعود من أمل بالاستقلال، وتظل الأمة السورية على ما هي عليه من التأخر والانحطاط، إلى أن تغرب شمس هذا الكون ولا تعود إلى الشروق).
اقرأ:
أنطون سعادة: الوحدة السورية ومخاوف اللبنانيين
أنطون سعادة: المناطق الأجنبية المستقلة في سورية.. سورية صين جديدة
نص كتاب استقالة أنطون سعادة : إلى «محفل نجمة سورية»
أنطون سعادة: الجنسيات السورية واللبنانية والفلسطينية