مقالات
قداس وجناز البطريركية الأرثوذكسية عن روح الشهيد جول جمال عام 1956
قداس وجناز البطريركية الأرثوذكسية عن روح الشهيد جول جمال عام 1956
و كان الاحتفال الديني العظيم الذي أقيم قبل ظهر يوم الأحد 9 كانون الاول 1956 ، في الكنيسة المريمية الارثوذكسية في دمشق بالغاً بالروعة و الإجلال، اشترك في حضوره أحبار المجمع المقدس و أصحاب السيادة مطارنة الطوائف المسيحية والسادة العلماء الأجلاء ورؤساء الأديان، و قد حضر هذا الاحتفال فخامة السيد شكري القوتلي رئيس الجمهورية، و دولة الأستاذ ناظم القدسي رئيس مجلس النواب، و دولة الأستاذ صبري العسلي رئيس مجلس الوزراء، و سعادة رئيس الأركان العامة، و القائممقام جمال حماد نائباً عن سيادة الرئيس جمال عبد الناصر و اللواء عبد الحكيم عامر قائد القوات المسلحة المشتركة، وكبار رجال الدولة و رجال السلك الدبلوماسي العربي و الأجنبي، والسادة الوزراء والنواب ومحافظ مدينة دمشق والأمين العام لرئاسة الجمهورية والمدير العام للشرطة والأمن .
و بعد نهاية القداس الإلهي و مراسيم الجناز الحافل عن روح البطل الشهيد جول جمال، وقف الرئيس الأول البحار السيد عدنان رسلان و ألقى كلمة باسم البحرية السورية أورد فيها نبذة عن حياة الشهيد العربي جول جمال، قال فيها:
إن الشهيد رمز من رموز البطولة العربية و فقيد القوى البحرية السورية و بطلها و قدوتها ورائدها في عالم البذل و التضحية و الجهاد، و قد برهن في استشهاده في الرابع من تشرين الثاني 1956 شمال بحيرة البلومور تجاه الساحل المصري على وحدة العرب . . و ختم كلمته قائلاً : إن البحرية السورية تفتخر بك أيها البطل الكبير و لك عليها حق الشكر لما ابتدأت به من معروف و أن أقربائك و زملاءك سيتسارعون إليك.
و تقدم القائممقام جمال حماد فألقى كلمة القيادة المصرية السورية الأردنية المشتركة، و قرأ براءة الوشاح الحربي الأول الممنوح للفقيد، و علق بالنيابة عن سيادة الرئيس عبد الناصر نجمة الوسام الحربي على صورة الشهيد البطل، كما ألقى سيادة الحبر الجليل المطران أثناثيوس كليلة كلمة غبطة أبينا الجليل البطريرك الكسندروس في رثاء البطل الشهيد جول جمال و استشهاده في أجرأ عملية من أعمال البطولات الخالدة، و علق على رسمه وشاح القديسين بطرس و بولس الذي منحه إياه غبطة أبينا البطريرك تخليداً لذكراه المجيدة في واجب الدفاع عن أمتنا العربية .
و كان مما قاله غبطته في كلمته الأبوية : شاءت الإرادة الإلهية أن تخلد اسم الشهيد البطل جول جمال الملازم الأول البحار الضابط في القوى المسلحة في أجرأ عملية من أعمال البطولات و أن يكون أول شهيد وطني يسقط في ميدان الشرف و الواجب دفاعاً عن وطننا العربي الأكبر عندما اعتدت قوى الشر و الاستعمار و الاستعباد على القطر المصري الشقيق تنفيذاً لخطتها المثلثة الوحشية البربرية الرامية إلى القضاء على أمتنا العربية و وثبتها التحريرية الجبارة .
و استطرد غبطته قائلاً: يتنازعنا الآن عاملان متناقضان، عامل حزن و ألم، و عامل فخر و نشوة و سرور . . . أما الحزن و الألم فالخسارة العظمى التي منينا بها بفقد مواهب بطلنا الشهيد جول جمال و حرمان بحريتنا من هذا الفدائي الفذ، و أما الفخر و السرور فلأن الملازم الشهيد جول جمال و رفاقه قد برهنوا ببطولتهم و جرأتهم أن أمتنا العربية التي صنعت فيما مضى كبار أبطال التاريخ، تصنعهم الآن أيضاً و ستظل تصنعهم في المستقبل و أن الأمة العربية إذا مات منها بطل قام أبطال . . .
و قد نوه غبطته باتحاد كلمة المسلمين و المسيحيين و حياة نضال الأمة العربية و باركه بدعائه الأبوي قائلاً: إن وفاة جول جمال صفعة للاستعمار و درساً قاسياً و أن الوطنية الصحيحة لا تفرق بين المسلم و المسيحي، و أن الصف الوطني واحد، لامسلم و لا مسيحي بل كلاهما جندي سوري عربي و ان الدين لله و الوطن للجميع . .
و بعد أن تفضل صاحب الفخامة السيد شكري القوتلي وعلق بيده الكريمة على صورة الفقيد البطل الوشاح السوري الأكبر من الدرجة الممتازة، و الوسام الحربي الأول تخليداً لذكرى الشهيد و تمجيداً لتضحيته الغالية في سبيل الله و العروبة ألقى فخامته خطاباً قومياً رائعاً، كانت أمواج الأثير تنقل كلماته الخالدة إلى جميع أنحاء العالم .
و مما قاله الرئيس الأسبق شكري القوتلي:
بين شاطئ اللاذقية وشاطئ بور سعيد أيها الإخوان الأعزاء استطاع جندي سوري ثاقب بصره وعميق إيمانه وعظيم حبه لوطنه وعروبته أن يرى حقيقة لا تخفى ويجب أن لا تخفى على أحد وهي أن البارجة الفرنسية المعتدية الغادرة لو أتيح لها أن تقهر بالأمس بور سعيد فإنها غداً ستقهر اللاذقية وأن العدو واحد وأن الوطن العربي واحد أيضاً، وعندما وجه هذا الجندي السوري المغوار نفسه إلى أحضان الخطر كان على يقين كبير بأنه لا يدافع عن مصر وسورية وحدهما بل عن العروبة وسلامتها الخالدة وسيادتها.