You dont have javascript enabled! Please enable it!
مختارات من الكتب

ميشيل عفلق:البعث العربي حركة تاريخية

من كتاب في سبيل البعث، الجزء الأول، الباب الثاني (12)

البعث العربي حركة تاريخية

ان ما يجب أن يعرفه كل بعثي هو أن المهمة الملقاة على عاتقنا ثقيلة وشاقة وطريقها شاق، لذلك يجب ان نعمل على تذليل جميع العقبات وننهي مرحلة الاضطراب التي تعوقنا عن تحقيق كل ما يجدر بحزب قومي نضالي كحزبنا ان يقوم به ويحققه من توثيق الصلات بين مختلف فروعه في سائر أقطار العرب، فيكون كالجسم الواحد تجري في عروقه دماء واحدة. وأستطيع أن أطمئن جميع البعثيين فأقول ان حزبنا بعد كل مرحلة من مراحل نضاله، يخرج اقوى مما كان في الماضي.

هناك شيء آخر يجدر بالبعثيين ان يعرفوه وهو أن لحركتهم منطقا خاصا لانها انبثقت من قلب العروبة ومن أعماق التربة العربية ومن صميم مشاكل أمتنا، فهي حركة صادقة أصيلة، لها موقفها الخاص كالكائنات الحية التي تنمو حسب قوانين ثابتة، ولا تستطيع ان تلبس ثيابا مستعارة وأن تؤخذ بالمظاهر والزخارف، ولا تؤثر في أعصابها بأن لها رسالة حقيقية طويلة، ولئن تباطأت في بعض الظروف وأعوزتها بعض الأشياء، فما ذلك الا لأنه من المحتم عليها أن توجد لنفسها التنظيم والوسائل الاصلية المنسجمة مع طبيعتها والمشتقة من لحمها ودمها.

ان حال حركتنا هي حال أمتنا، فالامة العربية في هذا الدور التاريخي تبحث عن الحل الملائم لها المتكافئ مع عظمة قدرها. فتأخرها عن السير في طريق التقدم والوحدة والانسجام مع أجزاء العالم الراقي لا يفهم منه دوما أنه عجز فيها ونقص وجمود، بل يجب أن يفهم منه أيضا أنها ليست كالأمم الثانوية في التاريخ، فهي تذكر بأنها حملت رسالة الى العالم، وتعرف كيف تمزق كل الأثواب الكاذبة التي يحاولون الباسها إياها.

وكذلك حركتنا، كانت مهددة في الماضي بأن تصغي الى ايحاءات الوسط والبيئة وتسري اليها عدوى التقليد، وتنتقل اليها شهوة الاستعجال والتشبه بالحركات الرائجة التي تنشد النجاح الرخيص. غير ان ذلك الجوهر السليم الذي تحتويه، وهو أنها حركة تاريخية، وتلك الثقة بالنفس والعقيدة الداخلية التي قلما يحسن اللسان الافصاح عنها لأن الضمير هو الذي يحتويها، كل هذا هو سر قوة البعث العربي، ومانسميه بالايمان.

في حركة البعث العربي يلتقي الوعي على أحسن أشكاله بالايمان في أعمق صوره. فحركتنا واعية لأنها تتطلع الى المستقبل، الى الامام، الى أعلى مستوى يمكن أن يبلغه خيرة المفكرين والمثقفين من أبناء الشعب العربي، وتقوم على الروح العلمية والتفكير المنظم، وهي تجمع الى جانب هذا ايمانا عميقا خصبا يمدها بالقوة الحيوية التي تجعلها تظفر على شتى المصاعب. وأبسط مقارنة نقيمها بين هذه الحركة ووسائلها المحدودة ونشأتها المتواضعة وبين الاحزاب والفئات التي تحشد الألوف وتقوم على النفوذ الاجتماعي الزائف والوجاهات وكل ما يستطيع الوسط النفعي أن يبتكره من وسائل الاغراء، تجعلنا نرى ان حركتنا قد استغنت عن طوع واختيار عن كل هذه القوى الكاذبة وزهدت فيها وآثرت طريق البساطة، وبهذا كانت قادرة على التغلب على أعدائها.

وانني أكرر ما قلته مراراً بأن الانقلاب هو محور حركتنا الذي يميزها عن سائر الحركات الاخرى، ويجب أن يفهمه البعثيون فهما داخليا عميقا، قبل أن بفهموا منه على أنه مجرد خطة لتنظيم المجتمع في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالانقلاب الذي يدعو اليه البعث العربي لا يستطيع أن يدعو اليه أي حزب آخر، انه اوسع من أن يكون برنامجا أو خطة سياسية او اجتماعية، وأكثر من أن يكون اسلوبا او وسيلة لتحقيق مبادئ الحزب. ان الانقلاب هو سر هذه النفسية الجديدة في حياة العرب، وهو يعني بصورة خاصة ان العرب لا يمكن أن يصلوا الى أهدافهم الا اذا ساروا في ذلك مدة طويلة، في طريق طويلة، وفي اتجاه معاكس لهذا الواقع الذي نعيش فيه. فعليهم قبل أن يقدموا أنفسهم كأطباء لهذا الواقع المريض ان يسلكوا الطريق الذي يربي شخصيتهم من جديد.

ان الانقلاب هو قبل كل شيء في هذه الحركة النفسية المكافحة، المعارضة، انه الدأب المشبع بالأيمان الذي يخلق في العرب نفوسا جديدة وأخلاقا جديدة وتفكيرا جديدا.

26 شباط 1950


(1) حديث القي في مكتب الحزب في دمشق بمناسبة زيارة بعض شباب البعث الجامعيين من بيروت.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى