دراسات وترجمات
الموقف العربي والدولي من إنقلاب عام آذار 1963
اختلفت مواقع الصحف وإعلامها من إنقلاب الثامن من آذار، حيث عدَّت صحيفة السياسة اللبنانية أن (ثورة دمشق) التي جاءت في أعقاب ثورات بغداد وصنعاء والجزائر، تمثل دعامة جديدة من دعائم الاستقرار في المنطقة العربية، وأن اكتمال عقد الدول المتحررة الموحدة الأهداف والقلوب على النحو الذي نشاهده اليوم لَيَدْفَعُ بالركب العربي المتوثب إلى آفاق جديدة رائعة. وتحت عنوان القدر العربي المحتوم قالت جريدة الكفاح العربي : (الذين يتجاهلون الحقيقة ويقاومونها، هم الذين يحاولون أن يطفئوا نور الشمس بأيديهم. والحقيقة في سورية وفي بلاد العرب هي في إيمان الشعب بالوحدة، لأنه يعرف أن التجزئة أدت إلى إضعاف العرب وخضوعهم للاستعمار وتخاذلهم أمام الصهيونية. إن زحف الأمة العربية نحو هدفها لا يمكن أن تعترضه أية قوة مهما كانت، وها هي طلائع الزحف، تجرف من اعترضوا طريقها في دمشق بعد أن فعلت ذلك في القاهرة، والجزائر وصنعاء وبغداد([1]).
وتحت عنوان (الحمد لله) قالت بيروت المساء : لقد كانت الفرحة الكبرى أن تعود سورية، وهي التي احتلت المقام المرموق في دنيا الجهاد العربي طوال أجيال وأجيال إلى دورها الفعال. فلقد شردها الانفصاليون المتآمرون وفرضوا عليها الرجعية والانتهازية، والعمالة للأجنبي، فصبرت طويلاً، ولكنها انفجرت أروع انفجار حين تعاون الشعب مع الجيش في تطهير تربة الوطن من رجس العملاء والمرتدين. لقد التقى الأحرار العرب أربعة لقاءات خلال عام، التقوا في الجزائر،والتقوا في صنعاء، والتقوا في بغداد، والتقوا في دمشق،لقاء الأبطال المؤمنين بوحدة الهدف، وصاروا الآن خمسة أقطار متحررة يؤلفون جبهة موحدة)([2]).
أما صحيفة الشعب اللبنانية، وتحت عنوان كلمة الشعب فقد أوردت أن الثورة العربية التي قامت في دمشق واجهة جديدة للثورة العربية الشاملة التي تهز الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وتحت شعارها الوحدة والحرية والاشتراكية التي تمثل المضامين الحقيقية لرسالة الإنسان العربي. كما اعتبرت أن الثورة التي توجت سورية جاءت لتصحح الانحراف الذي قامت به حفنة من العملاء والرجعيين الذين قاموا في الظلام ليطعنوا الأمة العربية، ويعلنوا الانفصال،وكانت مقومات هذا الانحراف كلها منذ البداية تشير إلى أنه مجرد مرحلة عرضية لا تمثل روح الشعب العربي في سورية([3]).
كما رحبت الصحف الصادرة في القاهرة بالوضع الجديد في سورية، وتحت عنوان دروس التجربة قالت صحيفة الجمهورية القاهرية:(ما حدث في سورية من إسقاط للتحالف الرجعي الانفصالي، وما حدث قبله في العراق يؤكد من جديد حقيقة كبرى يجب الاهتداء بها في تقدير التطورات الحاسمة في المنطقة العربية([4]). وأضافت الصحيفة قائلة لقد كان الظن عند الملك سعود والملك حسين وبن غوريون، وأسيادهم الاستعماريين والصهاينة والرأسماليين والإقطاعيين أن حركة الانفصال الرجعي قد تخلصت نهائياً من الاتجاهات والتحركات والقوى الثورية في الأوطان العربية، وعزلت الجمهورية العربية المتحدة عن هذه الأوطان، ولكن عاماً ونصف العام كان مدة كافية كي تتكشف الأمور، وتتضح، وتبين أن أي وضع لا يتلاقى مع اتجاهات القومية العربية واتجاهات التحرر الوطني في المنطقة العربية لا يمكن أن يستقر أو يبقى([5]).
كما ذكرت صحيفة الأخبار في القاهرة : ( كان صدى ثورة سورية عميقاً بعيد الأثر في الدوائر العالمية عامة أما في المنطقة العربية فقد كانت هزة عميقة للرجعية في داخل سورية، وفي الأردن وفي السعودية، وفي كل مكان. وأحست أنها تفقد أرضاً قوية، وأن الحوادث تقف لها بالمرصاد، وأن مستقبلها آخذ في الانهيار السريع)([6]). وقد عقد الملك حسين مجلس وزرائه لبحث الموقف، أما السعودية فلاذت بالصمت بينما انطلقت المظاهرات في العواصم العربية المتحررة في صنعاء وبغداد والقاهرة، وأضافت : ( إن الثورة السورية ستكون حتماً بعيدة الأثر وإذا أضيفت إليها ثورة العراق واليمن، واتحاد العواصم العربية المتحررة في سياسة واحدة وأهداف واحدة، فإن شكل المنطقة سيتغير، والميزان سيتحول أيضا([7]).
أما موقف الجمهورية العربية المتحدة، فكان موقفاً إيجابياً في بداية الأمر، حيث رحب بالحدث السوري منذ اليوم الأول، وكلف الرئيس جمال عبد الناصر قد كلف الدكتور عبد القادر حاتم وزير الثقافة والإرشاد القومي في الجمهورية العربية المتحدة، بنقل ترحيب القاهرة حكومة وشعباً بقيام الثورة، الذي ذكر أن رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر يريد أن يكون موقف القاهرة هو التأييد الخالص لدمشق أمام جميع الأطراف لكيلا يحدث خطأ في الحساب يؤدي إلى أخطر النتائج. كما صرح: ( أن القوات المسلحة للجمهورية العربية المتحدة قد وضعت على أهبة الاستعداد منذ الصباح الباكر)([8]).
وعلى أثر ذلك فإن القيادة العامة للقوات المسلحة العربية بعثت عن طريق مطار دمشق برسالة تحمل هذا المعنى وتؤكده بتاريخ التاسع من آذار حيث جاء في الرسالة أن قوات الجمهورية العربية المتحدة تضع كل إمكانياتها تحت تصرفكم لرد أي اعتداء، وأي عدوان خارجي على سورية الشقيقة([9]). وفي اليوم التالي لتصريح وزير الثقافة المصري، وإعلانه تأييد قيادة الثورة في سورية، أرسل الرئيس جمال عبد الناصر برسالة إلى المجلس الوطني لقيادة الثورة السوري نشرته الأهرام في العاشر من آذار، تضمنت الرسالة : ( إنه لشرف لي،وأنا أقدم التهنئة القلبية إلى شعب سورية، وجيشها بنجاح الثورة، أن أنقل اعتراف الجمهورية العربية المتحدة، بنظام الحكم الوطني الجديد في سورية)(*). وقام أيضاً في اليوم نفسه السيد علي صبري، رئيس المجلس التنفيذي، وعضو مجلس الرئاسة في الجمهورية العربية المتحدة، بإرسال برقية إلى السيد صلاح الدين البيطار ورئيس مجلس الوزراء السوري، جاء فيها : (لست أظنني في حاجة إلى أن أؤكد أن حكومة الجمهورية العربية المتحدة على استعداد للتعاون في جميع المجالات، وإلى غير ما حد ومن دون قيد أو شرط مع حكومة الجمهورية العربية المتحدة).
أما موقف المملكة الأردنية والمملكة العربية السعودية، فقد أذاع راديو عمان أن الملك حسين في الأردن دعا مجلس وزرائه إلى جلسة طارئة عقدت في مكتبه لبحث الموقف في سورية، وأذاع الراديو تلخيصاً للبيانات التي أذاعها راديو دمشق ووصف الثورة بالانقلاب العسكري([11]). وأذاعت وكالات الأنباء أن القلق الشديد سيطر على عمان والرياض إثر قيام الثورة في سورية، وقالت وكالة (اليونايتد برس) أن هذا القلق يزيد انزعاج كل من الملك سعود والملك حسين من قيام الجمهورية في اليمن على الحدود الجنوبية للسعودية، وأضافت قائلة : (كما أن التجاء الطيارين الأحرار من السعودية والأردن إلى القاهرة،زاد من حرج موقف الملكين في الوقت الذي يتردد فيه أن العناصر القومية في كل من البلدين تستعد للقيام بحركة ).
وكان المشير عبد الله السلال قد بعث ببرقية إلى قادة الإنقلاب في دمشق، هنأه فيها باسم الجيش والشعب في جمهورية اليمن بالثورة التي أعادت للشعب العربي سموه ومجده وكرامته وعزته، وقال : ( إنا نؤيد ثورتكم، ونقف بجانبكم، ونشعلها حرباً شعواء ضد كل من تحدثه نفسه أن يمس ثورتكم أو يحاول الدس والخداع). وكذلك استقبلت الجزائر حكومة وشعباً قيام الثورة في سورية بالتأييد والترحيب، وصرح المسؤولون على الفور : ( إننا نعد لإعلان اعترافنا بحكومة الثورة في أية لحظة). وأعلن بعدها مباشرة راديو الجزائر تأييد الجزائر للثورة من خلال برامجه على طول النهار، وقال الراديو إن تطورات الحالة في سورية تشير إلى أن : (كل شيء يسير في انتظام لدعم الثورة)([12]).
موقف الأردن من إنقلاب الثامن من آذار 1963 |
موقف العراق من إنقلاب الثامن من آذار 1963 |
(1) حشاد وعبد الجواد، سقوط الانفصال، مصدر سابق، ص 172.
(2) الحوراني، مذكرات أكرم الحوراني، مصدر سابق، الجزء الرابع، ص 408.
(3) البغدادي ، مذكرات عبد اللطيف البغدادي، مصدر سابق، ص 210.
(4) عصاصة ، أسرار الانفصال، مصدر سابق، ص 162.
(5) حشاد وعطية ، سقوط الانفصال، مصدر سابق، ص 54.
(6) الحوراني، مذكرات أكرم الحوراني، المصدر السابق، الجزء الرابع، ص 431.
(7) حشاد والجواد، سقوط الانفصال، مصدر سابق، ص 162.
(8) نص تصريح الدكتور عبد القادر حاتم، وزير الثقافة والإرشاد القومي في الجمهورية العربية المتحدة، بتاريخ الثامن من آذار 1963 نقلاً عن الحصري وخوري، الوثائق العربية، مرجع سابق، الجزء الثاني، ص 41.
(9) البغدادي ، مذكرات عبد اللطيف البغدادي، مصدر سابق، ص 231.
(*) كما جاء في الرسالة أيضاً : ( أحمد الله الذي نصر شعب سورية، وجيشها على كل باطل وأزاح بهما كل ضلال، وأيد بهما الحق، ونصر بثورتهما حركة النضال الشامل، من أجل الحرية والاشتراكية والوحدة. …) .
(10) نص بيان قيادة المجلس الوطني لقيادة الثورة في العراق بمناسبة قيام ثورة الثامن من آذار في سورية، نقلاً عن الحصري وخوري، الوثائق العربية، مرجع سابق، الجزء الثاني ، ص 42.
(11) Telegram from the department of state to the Embassy in Sudi Arabia,
Washinton , October 19,1963.
(12) نص برقية المشير عبد الله السلال إلى مجلس قيادة الثورة في سورية، نقلاً عن الحصري وخوري، الوثائق العربية، مرجع سابق، الجزء الثاني، ص 44.