سيرة اللواء صلاح الضللي مواليد دير الزور 1928 حافلة، فبعد سنتين من تخرجه في الكلية العسكرية في حمص في العام 1952 “شارك” في الانقلاب العسكري ضد أديب الشيشكلي. كما اشترك مع جاسم علوان في العام 1962 في عصيان حلب المناوئ لانفصال سورية عن مصر وفك عرى “الجمهورية العربية المتحدة”. كما اشترك في العملية التي أدت الى تسلم “البعث” الحكم في العام 1963 قبل ان يسرح من الخدمة العسكرية، ثم عودته الى الخدمة في العام 1969 بقرار من الرئيس الراحل حافظ الأسد عندما كان وزيراً للدفاع. وتسلم قيادة الجبهة الشرقية التي كانت تضم العراق وسورية والأردن.
وخلال مسيرته العسكرية التي انتهت في العام 1981 ترأس اللواء الضللي المحكمة الاستثنائية التي تشكلت بعد الانفصال عام 1961 لمحاكمة الجواسيس والتي حاكمت الجاسوس الاسرائيلي ايلي كوهين.
في هذا اللقاء يسترجع اللواء الضللي ذكرياته عن محاكمة كوهين.
< أعيد فتح ملف الجاسوس ايلي كوهين وهناك ضغوط وحملات اسرائيلية لإعادة رفاته، أين تعتقدون ان هذه الرفات موجودة؟
– كان مدفونا في كهف على طريق الديماس قرب دمشق. لكن بعد فترة اخذت الرفات ودفنت في مكان آخر غير معروف.
< هل صدرت توجيهات محددة منذ ذلك لحفظ الجثة في مكان معين باعتبار انه جاسوس خطر وأثيرت ضجة حوله؟
– كل معلوماتي انه دفن لاحقاً في مكان غير معروف، ويجوز ان الذين ساهموا في دفنه يعرفون. لكن أين هم الآن؟ لا أحد يعرف. أتصور ان أغلبهم تسرح من الجيش أو ذهب أو ترك لأنه مضى مدة طويلة على هذه الحادثة.
< عندما يتم طرح اعادة رفات كوهين، ما هو موقفك باعتبارك رئيس المحكمة التي حكمت بالإعدام عليه؟
– بالنسبة اليه، نحن دفناه، وجاء رجال الشرطة بعد ذلك وأخذوا الجثة. أين راحوا لا أعرف.
< قضية كوهين مثارة منذ وقت إعدامه، فهل تعتقد بأن هذا الرجل يستحق هذه الضجة الكبيرة؟ هل كان جاسوساً كبيراً؟
– المعلومات التي كان يأخذها كوهين معلومات مستقاة من شخصين لا أكثر كانا قريبين منه: جورج سيف ومعزز زهرالدين. جورج سيف كان مسؤولاً عن الدعاية والأنباء في زمن الانفصال، وكان هناك حوالى 80 جريدة كان يصدر عنها موجز ويطلع عليها كوهين الذي كان ينتقي من هذا الموجز المعلومات التي تهم اسرائيل ويرسلها اليها، يعني كان هذا المصدر الاساسي الذي يغذيه بالمعلومات. المصدر الآخر كان ضابط احتياط اسمه معزز زهرالدين قريبه ابن شقيق عبدالكريم زهرالدين ويمكن انه كان احياناً يسمع منه كلاماً.
< من هو عبدالكريم زهرالدين؟
– كان رئيس أركان الجيش سابقاً، ومن الممكن ان كوهين كان يسمع منه اخباراً عن الجيش أو شيئاً ما، الخبر المهم الذي أثار ضجة يومها هو استقالة عمران.
< محمد عمران؟
– نعم، عندما استقال نائب رئيس الوزراء اللواء محمد عمران في عام 1964، كما أذكر، يومها كانت اسرائيل أول من أذاع الخبر، علماً ان الجهاز الحزبي لم يكن على علم الموضوع، الأمر الذي أحدث ضجة كبرى. تصور ان الجهاز الحزبي كله لم يكن على علم بينما اسرائيل تذيع الخبر. لقد سمع كوهين الخبر من معزز زهرالدين وقام بإرساله الى اسرائيل.
< يقال ان كوهين نفسه تعرف على ميشال عفلق وصلاح الدين البيطار وانه زار الجبهة مع عبدالحكيم عامر.
– هذا الكلام غير صحيح وهو من نسج خيال الاستخبارات الاسرائيلية. عندما قالوا انه يعرف أمين الحافظ في الأرجنتين قمت بجلب جواز سفره وجواز سفر أمين الحافظ فوجدت ان الأخير وصل الى الارجنتين ليلة رأس السنة في 1/1/1961 وأمضى الليلة في فندق هناك، علماً ان كوهين كان يستقل باخرة في طريقه الى لبنان، وهذه أول كذبة. الشيء الآخر قالوا انه ذهب الى الأردن كي يراضي صلاح الدين البيطار، فجلبنا جواز سفر كوهين ووجدنا أنه لم يدخل ولا مرة الى الأردن، فكيف ذهب للقاء البيطار وإرضائه، هذه أيضاً كذبة ثانية.
الحقيقة الوحيدة المطلقة هي انه عرف بخبر استقالة عمران وسربه الى اسرائيل قبل ان يعلم الجهاز الحزبي؟
< قيل انه زار الجبهة وأرسل معلومات الى اسرائيل؟
– هذا غير صحيح. لقد ذهب الى الحمة مرتين. ومن غير المعقول ان يعتمد الاسرائيليون على معلومات كوهين عن الجبهة لأنه كان لديهم عملاء داخل سورية يعرفون مناطق الحدود. كان لهم ضابط استخبارات من سنة 1948 موجود على الحدود بيننا وبين اسرائيل ويعرف المخاتير وأولادهم وزوجاتهم.
< سوري عربي أم يهودي؟
– يهودي، كان موجوداً على الجبهة يعرف اسماء المخاتير، واعطوه اسماً مستعاراً هو “أبو علي”، على ما اعتقد، ولم يغيروه لأنه كانت لديه معلومات كافية ووافية، وهذه من المبادئ الاساسية لدى الاستخبارات بعدم تغييره. غير ذلك كانوا يستخدمون اشخاصاً من الفلسطينيين الأميين، مثل عبدالرزاق أبو عدل الذي استخدموه ايضاً بـ500 ليرة سورية، وكان أهله في الجولان وهو في اسرائيل، وفي كل مرة كانوا يقولون له ألا تريد ان تزور أهلك، خذ 500 ليرة فيأخذها ويرافقونه حتى الحدود. المهم ان الاسرائيليين كانوا يعرفون مناطق الأسلحة بواسطة طائرة اسمها “أم كامل” اسم أطلقه عليها سكان المنطقة تحلق فوق الجبهة وتأخذ مسحاً كاملاً لها كل يوم.
< أنت تعتقد ان كوهين يستحق كل هذه الأهمية؟
– أولاً، المعلومات التي كان يستقيها لم تكن لها قيمة، لأنه لم يكن يستطيع طرح اسئلة لها قيمة كي لا يكشف نفسه. كان يسمع حديثاً عادياً.
< إذا لماذا أعدم طالما لم يكن ذا اهمية؟
– على اساس انه زار الجبهة وهذا محظور عليه.
< من الواضح انك كنت تعرف الملف بدقة عندما صدر حكم الإعدام، هل تذكر آخر دقائق بينك وبينه؟
– طبعاً، جلبوه من السجن الى الحاخام اليهودي ولقنه، ثم نقل الى ساحة المرجة بدمشق حيث يوجد قسم للشرطة.
< من كان موجوداً هناك؟
– أنا ومدير مكتب الرئيس أمين الحافظ منذر موصلي وحشد من المواطنين ورجال الشرطة، وكان متوازناً وطبيعياً.
< ماذا حصل عندما أبلغته بحكم الاعدام؟
– عندما جئنا به الى ساحة المرجة كان تبلغ الحكم من قبل وكان يعرف انه جاء الآن وقت تنفيذ الحكم.
< هل سألته اذا كانت له وصية؟
– نعم، طلبت منه ان يبعث رسالة الى زوجته وكتب الرسالة وهناك صورة عنها.
< بأي لغة كتب الرسالة؟
– باللغة العبرية على ما اعتقد. واستغرقت العملية كلها حوالى ربع ساعة بين اجراءات وصلاة أقامها الحاخام.
< كيف كان يتوجه من سورية الى اسرائيل؟
– كان يذهب الى المانيا ومنها الى اسرائيل. كان يضع جواز سفره الاسرائيلي لدى شخص اسمه سالنجر قبل ان يعود الى سورية.
< هل كانت زوجته تعلم انه جاسوس؟
– نعم، كانت تعلم انه جاسوس في الشام ونصحته في المرة الأخيرة التي توجه فيها الى اسرائيل بعدم العودة الى الشام، فقال لها انها المرة الأخيرة، وخلال ستة اشهر تنتهي المهمة، فقالت له زوجته انها فترة طويلة، فقال أوزعها على فترتين أو ثلاث فترات>
للإطلاع على تسلسل أحداث التاريخ السوري المعاصر بحسب الأيام
انظر أيضاً :
أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات