ملفات

صراع الشقيقين على الحكم في سورية – محاولة إنقلاب رفعت الأسد

 بعد إنقلاب عام 1970، تصاعدت قوة رفعت الأسد، وترأس سرايا الدفاع.

في الثالث عشر من تشرين الثاني عام 1983 نقل حافظ الأسد إلى مستشفى الشامي.

تحركات رفعت:

أثناء مرض حافظ الأسد حاول السيطرة على السلطة في سورية، وعمل على تطويق العاصمة دمشق تمهيداً للسيطرة على العاصمة، وتصاعد الخلاف بينه وبين شقيقه حافظ الأسد.

في الثاني عشر من آذار عام 1984 أحضر حافظ الأسد أمه المريضة من القرداحة لتمضي فترة في منزل رفعت الأقرب إلى قلبها، وكان في ذهن الأسد أن يواصل معالجة الصراع الخافت مع أخيه ببطئ.

وفي الثالث عشر من آذار عام 1984 أمر رفعت الأسد سرايا الدفاع بالتحرك بقوة إلى وسط دمشق، واستلام السلطة. وجتاجت دبابات سرايا الدفاع رفعت الأسد عدة شوارع في دمشق، وأخذت كتيبة دبابات T-72 من “سرايا الدفاع” مواقع في محيط قيادة المخابرات العامة عند مفرق كفرسوسة المؤدي إلى المطار، ووجهوا فوهات مدافعهم باتجاه المدينة. واحتلت مجموعات دبابات أخرى الحدائق التي تفصل فندق الشيراتون عن قصر الضيافة الجديد، وزٌرعت الألغام، في حين طوقت وحدات ممكنة محيط فندق ميريديان ومجمع أبنية القيادة القطرية لـ “حزب البعث”. وحشدت القوات المدافعة الدبابات بقيادة شفيق فياض في الوسط، وقوات علي حيدر في ميدان معرض دمشق الدولي، وأخلى المواطنون المناطق التي انتشرت فيها القوى العسكرية فيما بدا أنه مؤشر اشتعال حرب أهلية مدمرة، وخافوا أن يبدأ إطلاق النار في أي لحظة.

حافظ في منزل رفعت:

عندما وجد حافظ الأسد أمامه قوات متقابلة واحتمال إشعال اقتتال قواته، فارتدى بزته العسكرية وركب سيارة جيب يرافقه ابنه باسل بدون أي مرافقين أو حرس، وقاد السيارة في شوارع دمشق الخالية من المارة والسيارات متجهاً، إلى بيت رفعت في المزة.

وكان رفعت قد أقام دفاعات حصينة حول مركز قيادة “سرايا الدفاع” الذي يقع في منزله إلى جواره،  ونشر دبابات في البساتين على الطرق الرئيسية، ونصب قطع مدفعية على جبل قاسيون.

عبر حافظ الأسد هذه الحشود حتى توقف عند حاجز كفرسوسة وأمر قائد الموقع أن يعود بدباباته إلى ثكنته ويخلي المنطقة، ثم وصل إلى بيت رفعت.

اجتمع مع رفعت وأثناء اللقاء دار النقاش غاضب استمر ساعة بحضور والدتهما التي كانت تضغط على رفعت للميل نحو الاعتدال في حين كان لفارق السن بين الشقيقين دور في النقاش. وأخيراً وصلا إلى حل يحفظ مصالح رفعت وأملاكه، ويبقيه نائباً للرئيس، وبعد هذا الاتفاق حال الأسد على وحدات “سرايا الدفاع” المنتشرة في المزة، وأمرها أن تعود إلى قواعدها.

اختفت الدبابات من الشوارع وعاد الجنود إلى ثكناتهم في صباح اليوم التالي الرابع عشر من آذار، وبدأت  عملية رفع الحواجز والتي أمر بوضعها رفعت على مداخل الشوارع.

معاودة الخلاف:

بعد أسبوعين عادت الأزمة الخافتة التي سبقت أحداث 13 آذار، وكان نفوذ رفعت قد بدأ يتراجع في قيادة “سرايا الدفاع”، أعلنت “رابطة الخريجين” التي يقودها رفعت عن مهرجان شعبي في 17 نيسان بمناسبة عيد الجلاء في جامعة دمشق، إلا أن السلطات منعت ذلك أيضاً، ما حدا برفعت إلى استبدال المهرجان عشاء في فندق “شيراتون” حضره نحو 500 عضو في الرابطة.

ألقى رفعت خطاباً، استغرق ساعتين ونصف، هاجم فيه شقيقه حافظ، ومما قاله: (يبدو  أن أخي لم يعد يحبني، ويعبس عندما يراني، ولكني لستُ عميلاً أميركياً ولا سعودياً. لم أتآمر على وطني. هل نسيتم أن لقبي قبل عشر سنوات كان “الضباط الأحمر”.. عندما اتصلت بالأمير عبد الله ووافق السعوديون أن يساعدونا كان ذلك لأن سورية كانت في حاجة إلى المال. كنتُ أعمل لسورية واقتصادها وحكومتها. لماذا أدُعى الآن عميلاً سعودياً أو أميركياً؟ لو كنتُ مجنوناً لكنت دمرت المدينة ولكنّي أحب هذا البلد.. رجالي هنا منذ 18 سنة، والناس اعتادوا علينا ويحبوننا والآن هؤلاء الكوماندوس – رجال علي حيدر- يريدون أن يطردونا خارجاً.).

نشاطات مماثلة:

انطلق رفعت من خطابه في الشيراتون إلى نشاطات مماثلة في الأشهر التالية في قاعات عامة، واجتماعات شبه مغلقة أطلق فيها العنان لنقد سياسات الرئيس وتجربته، وتبلور النقد مع الوقت ليصبح طعناً بمسيرة الأسد، ويقدم رؤية مختلفة تماماً لما يجب أن يتكون سورية.

ومما قاله رفعت:

– لماذا تنفق سورية أموالاً طائلة على جيشها وعلى الفئات الموالية لها في لبنان، في حين أنها في حاجة ماسة إلى الاستثمارات في الداخل؟

– هل من الحكمة في شيئ أن تجازف سورية في خوض مواجهة مع أميركا والغرب “في لبنان” وأن تسوء سمعتها في الخارج.

– لماذا لا تقبل سورية بانسحاب إسرائيلي سوري متوازن من لبنان؟

– لماذا الاتكال الكامل على الاتحاد السوفيتي، وما هي عواقب سعي سورية إلى توازن عسكري استراتيجي مع إسرائيل ومنها أن تُبتلع سورية في المنظومة الدفاعية السوفياتية، وتفقد استقلالها؟

– لماذا تدعم سورية جماعات أبو نضال، أبو موسى في حربهما على ياسر عرفات؟ وما معنى الخلاف السوري مع عرفات، ولماذا تسعى سورية لطرد عرفات من طرابلس؟ أليس من حقه أن يبقى هناك في حين أن للإسرائيليين مازالوا في صور؟

– لماذا تعارض سورية بعنف اتفاق عرفات مع الملك حسين في مملكة عربية متحدة يمكن أن تسترجع الضفة الغربية يوماً من حكومة عمالية في إسرائيل؟ لماذا لا تترك سورية الفلسطيننيين يختارون الدرب الثاني الذي يجندونه مناسباً؟

– لماذا هذه العلاقة الوثيقة مع ملالي إيران الرجعيين المتعصبين دينياً؟ وكيف يختلف هؤلاء مع الإسلاميين الذين حاربناهم في الداخل؟ وكيف يسلك النظام السوري سياسة في حماة وسياسة أخرى مناقضة في طهران؟ وهل كان النضال ضد “الإخوان المسلمين” مزيفاً لا التزام عقائدياً من ورائه؟


كانت سرايا الدفاع تخضع لإعادة هيكيلية صارمة وحيث خُفض حجمها إلى مستوى لواء، وجرت حركة تنقلات وإعفاءات من الخدمة، واعتقل عدد من ضباط السرايا، فيما أصبح الثقل الأساسي لحماية النظام في “الحرس الجمهوري” بقيادة “عدنان مخلوف”، وفي القوات الخاصة بقيادة “علي حيدر”.

وطُرد موالوا رفعت من حي الفرسان في المزة، وأُعلم أعضاء “حزب البعث” بوجوب استقالتهم من رابطة الخريجيين التي تلاشى وجودها.

رفعت وجميل:

في أواخر نيسان من العام 1984 بدأ العميد رفعت يشعر بأن ميزان القوى قد مال لصالح شقيقه الرئيس حافظ الأسد لدرجة لم تعد تسمح له بالحركة إطلاقاً، فاتصل بشقيقه جميل ليمهد له المصالحة مع أخيه.

كان حافظ الأسد ينتظر بفارغ الصبر انهيار رفعت ورضوخه إلى السلطة، ونجح حافظ في لعبة عض الأصابع.

ومن هذا المنطلق أعلم شقيقه جميل بالموافقة على طلب رفعت، وبدأت المفاوضات.

وجرى الاتفاق بين الشقيقن، وتم حل الخلاف بتحويل رفعت الأسد إلى منصب مدني وتعيينه نائباً لرئيس الجمهورية، على أن يغادر سورية مؤقتاً.

كما نص إتفاق المصالحة على أن تعود سرايا الدفاع لتوضع بتصرف هيئة العمليات في وزارة الدفاع، وتم تشذيبها بحيث بقيت في حدود ملاك الفرقة المدرعة زائد كتيبة دبابات مستقلة.

كما كان الاتفاق على أن يبقى الفوج 555 بتصرف العميد رفعت كنائب لرئيس الجمهورية، مسؤولاً نظرياً عن شؤون الأمن.

غادر رفعت الأسد في طائرة  إلى موسكو واشترط ان يرافقه مجموعة من كبار القادة والمسؤولين العسكريين والمدنيين الذين وقفوا إلى جانب حافظ الأسد،وسبب هذا الشرط هو الخشية من تفجير الطائرة في الجو.

كما نقل معه مبلغ كبير من المال بحسب المصادر نحو 200 مليون دولار، وفي تلك الفترة لم يكن هذا المبلغ متواجد في مصرف سورية المركزي، ما دفع حافظ الأسد لطلب من المبلغ من العقيد معمر القذافي.

فأرسل حافظ الأسد اللواء محمد الخولي رئيس إدارة المخابرات الجوية إلى ليبيا حاملاً مع رسالة من الأسد إلى القذافي بهذا الخصوص.

ورداً على رسالة الأسد قام معمر القذافي بتحويل المبلغ بكامله إلى المصرف المركزي، وأعطى الأسد جزءاً منه إلى رفعت، وبقي جزء منه في المصرف.

في تلك الأثناء أعلن مصطفى طلاس في مقابلة له مع صحيفة دير شبيغل الألمانية أن رفعت الأسد شخص غبر مرغوب به في سورية إلى الأبد.

خروج رفعت:

في الثامن والعشرين من أيار عام 1984م غادر رفعت الأسد إلى روسيا برفقة عدد كبير من الضباط لفترة استجمام، ما وصفه راديو دمشق بأنه “زيارة عمل ودّية”.

وبعد خمسة أيام استقبل “تشرنينكز” رفعت الأسد بصفته نائب الرئيس، ثم عاد جميع الضباط إلى سورية باستثناء رفعت الذي فضل الذهاب إلى جنيف وبقي فيها.

وفي أول آب جُمدت عضوية قياديين بارزين في القيادة القطرية لـ “حزب البعث” للقربهم من رفعت، أحدهم “محمد حيدر” نائب رئيس مجلس الوزراء السابق للشؤون الاقتصادية والثاني “ناجي جميل”.

وكان “محمد حيدر” قد جمع ثروة ضخمة مستغلاً نفوذ منصبه بنى لنفسه قصراً في الزبداني في الجبل غرب العاصمة، وزوج ابنه من ابنة رفعت.

أما “ناجي جميل” فقد كان على خصام مع “رفعت الأسد” ما أدى إلى إزاحته  عن منصب قائد سلاح الطيران في آذار 1978م، ولكن تصالح لاحقاً مع رفعت، وتقرب منه عندما بدأت الأزمة الداخلية بمرض الأسد.

الانتقال إلى سويسرا:

انتقل “رفعت الأسد” إلى سويسرا ومعه نحو مائة شخص وعشرات أخرى مع عائلاتهم، وأقاموا جميعاً في افضل فنادق جنيف بكلفة ملايين الدولارات.

انتقل بعد ذلك مع عائلته وحاشية أصغر إلى فرنسا، وعاد الآخرون إلى سورية.

وشكل “رفعت الأسد” حتى من منفاه مصدر قلق لشقيقه “حافظ الأسد”، إذ في حزيران، نجا “عبد الحليم خدام” من محاولة اغتيال جراء انفجار سيارة مفخخة، وكان يعتقد أن “رفعت الأسد” يقف خلف المحاولة.

كما تناهت إلى السلطات في دمشق أنباء عن أن “رفعت الأسد” ينشط سياسياً حيث التقى “ياسر عرفات” في جنيف وأنه بصدد إطلاق مجلة ومحطة إذاعة معارضة.

انفراج الأزمة:

في مطلع تشرين الأول حصل انفراج بين الشقيقين،  وأصدر حافظ الأسد مرسوماً حدد فيه مهام شقيقه “رفعت الأسد” نائب رئيس الجمهورية.

العودة إلى سورية:

عاد “رفعت الأسد” إلى سورية، وحاول فتح صفحة جديدة مع شقيقه، ولكنه اكتشف أن الأمور قد تغيرت وأن منصبه صوري، ولم يعد بإمكانه تجديد صلاته بـ “سرايا الدفاع” التي تحجمت كثيراً، وكذلك لم يسمح له منصبه كمشرف عام أن يتدخل مباشرة في شؤون الأجهزة الأمنية.

غادر مرة ثانية إلى أوربا مجدداً، واستقر في باريس وكان يتردد على إسبانيا.

بعد بعد أعوام زار سورية في عام 1992م عند وفاته أمه.


اقرأ:

سامر الموسى: “تلاتماية ورقة ورز ومرقة” ..الوحدة 569 .. سرايا الدفاع

المراجع والهوامش:

(1). مرض حافظ الأسد 1983

(2). ديب (كمال)، الحرب السورية، دار النهار - بيروت 2015م، صـ 249

(3). ديب (كمال)، الحرب السورية، دار النهار - بيروت 2015م، صـ 251

(4). ديب (كمال)، الحرب السورية، دار النهار - بيروت 2015م، صـ 253

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى