ولد محمد سليمان الأحمد الملقب ببدوي الجبل، في قرية ديفة قرب الحفة في محافظة اللاذقية عام 1896م.
نشأ في أسرة وثيقة الصلة بالأدب واللغة والعلوم الشرعية والتصوف، فوالده الشيخ سليمان الأحمد كان عالم لغوي وفقيه ديني كما عضواً في المجمّع الديني في دمشق ووالدته رائجة عجيب من قرية القويقة المجاورة لقرية ديفة والتي استقرت فيها عائلة بدوي الجبل قبل ولادة محمد سليمان الأحمد بنحو خمسة عشرة عاماً.
وكان جده الأكبر حسن بن مكزون السنجاري شاعراً متصوفاً، وترجع أسرته في أصل نسبها إلى قبيلة غسان التي كان لها سلطانها في بلاد الشام قبل الإسلام، وفي شعر بدوي الجبل اعتزاز بانتمائه إلى جده ابن مكزون وبأصله الغساني، نحو قوله يخاطب جده:
وغسان العلا قومي ولكن إلى آدابك الغر انتسابي
انتقل بدوي الجبل وهو في العاشرة من سنّه من القرية التي ولد فيها إلى قرية عين التينة، وقرأ على أحد المشايخ فيها، ثم انتقل إلى معهد إعدادي في اللاذقية، على أنه لم يطل عهده بالمدارس فقد انصرف في سن مبكرة إلى العمل السياسي ونظم الشعر، فنظم بواكير شعره منذ كان في الرابعة عشرة من سنّه، وقد اتجه منذ بدأ ينظم الشعر إلى الموضوعات الوطنية والقومية، وكان إعجاب الفتى بالثورة العربية التي تزعمها الشريف حسين والعهد الفيصلي يدفعه إلى النظم في هذه الموضوعات.
لفتت موهبته الأدبية نظر صديق والده رشيد طليع متصرف اللاذقية، فأظله برعايته وتشجيعه، وقد اصطحبه حين ذهب للقاء الملك فيصل ثم اصطحبه في الوفد الذي مضى للقاء صالح العلي .
في بداية عهد الانتداب الفرنسي في سورية، نشر في صحيفة (ألف باء) في العدد الصادر في السادس عشر من أيلول 1920م، بعنوان: (حكومة العلويين)، دعا في المقال الجنرال غورو الى تعيين الوزير المسيحي يوسف الحكيم رئيساً لمقاطعة جبل العلويين.
في عام 1922م، صار نائباً في المجلس التمثيلي لدولة العلويين، وعند تأسيس الكتلة الوطنية انتمى اليها وصار من أشهر المتحمسين لوحدة سورية بعد أن كان من دعاة الانفصال.
انتخب سنة 1937 نائباً في المجلس النيابي.
مع بداية الحرب العالمية الثانية، وسيطرة قوات فيشي على سورية، انتقل إلى العراق، وفي مقامه هناك أخذ ينظم الشعر يبث فيه حنينه إلى الوطن والأهل. وما كاد يشعر في مقامه هناك بشيء من الاطمئنان، وعند استعادة قوات فرنسا الحرة سورية، ودخول الجنرال كاترو دمشق في حزيران عام 1941م، عاد بدوي الجبل إلى دمشق.
ولما بلغه مرض والده انتقل إلى اللاذقية، وهناك سجن في قلعة كسب، ثم أطلق سراحه بعد ثمانية أشهر.
وفي سجنه قال الشاعر روائع من قصائده وصف فيها ما يختلج في نفسه من مشاعر.
انتخب بعد إطلاق سراحه نائبا في المجلس النيابي عام 1943م.
اختاره المجمع العلمي العربي بدمشق في عام 1945 ليكون عضواً مراسلاً.
أعيد انتخابه عام 1947م عضواً في البرلمان السوري عن محافظة اللاذقية.
تقلد منصب الوزارة في العهد الوطني أكثر من مرة أولاها سنة 1954 في وزارة صبري العسلي وتولى فيها وزارة الصحة، وتولى بعدها وزارة الدعاية والأنباء.
غادر سورية عم 1956م، واستقر في بيروت حتى عام 1961م، ثم أقام مدة من الزمن في استنبول وتونس وفيينة، واستقر أخيرا في جنيف.
كان شعره في هذه الحقبة صدى حنينه إلى الوطن وعواطفه الوطنية. ومن أحلى ما كتب في عتاب من تسببوا في هجرته قصيدته المشهورة «اللهب القدسي».
عاد بدوي الجبل إلى الوطن عام 1962، وأخذ يشارك بشعره في الأحداث التي عصفت بسورية والبلاد العربية آنئذ، ومنها نكسة حزيران 1967، وقد نزل به عام 1968 مصابان فادحان أولهما فقد ولده عدنان الذي ترك في نفسه جرحاً دامياً والثاني تعرضه للاختطاف والضرب وكاد يفقد حياته في ذلك الاعتداء.
كان الشاعر قد اعتاد منذ وقت مبكر نشر قصائده في جريدة «ألف باء» الدمشقية، ولم تكن شهرته قد ذاعت بعد، فأخذ يوسف العيسى صاحب الجريدة يذيل قصائد الشاعر بلقب «بدوي الجبل»، ولأنه لم يكن اسمه معروفا في ذلك الحين بهذا اللقب، وكذلك أطلق عليه لقب «شاعر العروبة».
تتجلى في شعر البدوي الجزالة وروعة الأداء، وجموح الخيال وسلامة التعبير، ومتانة اللغة، ورقة العاطفة، وهو يجري في أسلوبه على طرائق فحول الشعراء القدامى الذين تأثر بشعرهم، ومنهم المتنبي ومهيار الديلمي وأبو فراس الحمداني والشريف الرضي والبحتري. والغالب على موضوعات شعره المناسبات الوطنية، فله قصائد في معظم المناسبات الوطنية والقومية التي شهدها. وقد رثى طائفة من رجال السياسة والمناضلين الأحرار وشعراء العربية الفحول، ومنهم أحمد شوقي وإبراهيم هنانو، ويوسف العظمة وسعد الله الجابري، وكامل مروة. وتتجلى في شعره السياسي عاطفته الوطنية المتأججة ومشاعره القومية الصادقة.
لم يكن شعره كله مقولا في المناسبات الوطنية، وإنما كان لقلبه وحبه حظ وافر من هذا الشعر، فله غزل رقيق يعبر عن حسه المرهف وعاطفته المتوقدة، ومن ذلك رائعته «شقراء تغني» ومطلعها:
هدهد همومك عندي على حيائي وصدي
حور النعيم تمنت نعمى هواي ووجدي
على أنه لم يجنح فيه إلى التذلل للمعشوق وإنما يبدو فيه شموخ نفسه وإباؤها.
ومن روائع شعره قصيدته التي قالها إثر احتلال الألمان باريس، ومنها قوله:
ويلُ الشعوب التي لم تسق ِِمن دمها ثاراتها الحُمر أحقادا وأضغانا
ترنّح السوطُ في يُـمنى معذبِـها ريّان من دمها المسفوح سكرانا
تُفضي على الذلِّ غفرانا لظالمها تأنَّق الذُلُّ حتى صار غفرانـا
قل للألى استعبدوا الدنيا بسيفهـم من قَسَّم الناسَ أحرارا وعُبدانا
إني لأشمت بالجـبار يصرعـه طاغٍ ويُرهقُه ظُلما وطغيانـا
توفي عام 1981م.