ملفات
حملة سامي الفاروقي على جبل حوران – السويداء عام 1910
اندلعت أحداث السويداء في عام 1910 ضد سياسة السلطات التركية.
كان من أسبابها سوء أوضاع المعيشة، وارتفاع اثمان البضائع الأجنبية ما انعكس على أسعار المواد المحلية، وارتفاع الضرائب الباهظة التي كانت تثقل كاهل الأهالي وخاصة في السويداء وحوران، فضلاً عن تذمر الأهالي ولاسيما رجال القبائل من التجنيد. بالإضافة الى حالة التوتر العام التي ظهرت بعد الإنقلاب جمعية الاتحاد والترقي في الأوساط العربية.
ويستبعد الدكتور توفيق برو حصول تحريض للدروز على مقاومة الأتراك وعدم الخضوع لهم من قبل بعض الأطراف ولاسيما الدمشقيين. وبالتالي لا يتبنى “برو” الرواية التركية التي نشرت في بعض الصحف حينها والتي تشير الى تعرض الدروز إلى تحريض من الدمشقيين للتمرد على السلطات التركية. وكانت الرواية تفيد بأن الجيش التركي عثر على كتاب في منزل “مصطفى الأطرش” مرسل من أطراف في دمشق يدعونه في الكتاب او الرسالة إلى المقاومة.
اندلعت شرارة الفتنة في عام 1910م، بحادث قتل تلته إعتداءات متبادلة بين الحوارنة والدروز. وكان سبب حادثة القتل أن شخصاً درزياً كان ينقل تجارة له على جمل، وبينما كان يسير ليلاً في منطقة حوران هاجمه بعض العربان وقتلوه، فلما وصل الخبر إلى السويداء ظنوا أن المعتدين من “بصرى أسكى شام” التي كانت بينهم وبينها عداوة قديمة، فهاجموها وقطعوا خط التلغراف ما بين صلخد وبصرى، وتصاعد القتال بينهم، وازدادت الأحقاد.
أخذت السلطات التركية تعد العدة لضرب الدروز حتى شهر آب 1910م، فلما شعر الدروز بذلك كتبوا عرائض تشعر بخضوعهم وإذعانهم لأوامر السلطات التركية إذا تركتهم وشأنهم، لكنها لم تأبه لعروضهم، واستمرت في اعداد حملة عسكرية بقيادة اللواء سامي باشا الفاروقي لتأديبهم وتجريدهم من السلاح مع تخويله صلاحية إجراء الاصلاحات الأساسية في تلك المنطقة، وإعلان الإدارة العرفية في المناطق التي تتطلب فيها الحالة.
اعتبر الدروز موقع السلطات التركية موقفاً منحازاً إلى الحوارنة، ولاسيما بعد تسوية الخلاف بينهم وبين العشائر المتخاصمة بدفع ديات متقابلة حسب التقاليد القبلية المحلية السائدة، ساهم فيها يحيى الأطرش ومحمود الأطرش بمبلغ 330 ليرة عثمانية ذهب. وحاول متعب بك الأطرش استمالة الرأي العام وتوضيح حقيقة الأحداث من خلال الصحف.
يقول الدكتور توفيق برو أن حكومة الأتراك الاتحاديين أرادت من إرسال سامي باشار الفاروقي بالذات إلى جبل حوران والدروز، باعتباره قائداً عربياً، إلى تطين نفوس العرب بأنها لا تضمر لهم شراً، لكنها من جهة أخرى أحاطته بضباط معظهم من غلاة الترك، وهذا ما يوضح السبب الرئيس للحملة وهي تجريد الدروز من السلاح وليس بسبب النزاع الذي توقف بين الأطراف بعد دفع تسوية الخلافات بينهم.
سارت الحملة إلى السويداء وكان عدد العسكر التركي عشرة أضعاف عدد الدروز، ورغم ذلك صمم الدروز على الصمود، والوقوف في وجه الحملة التركية، ودارت عدة مواقع بينهم قبل ان تصل الحملة إلى درعا. فلما رأى سامي باشا اصرار الدروز على الصمود، وما ينتظره من مصاعب في إخضاع الجبل دون إراقة الدماء أرسل إلى الزعيم يحيى باشا الأطرش يطلب مقابلته ووعده بتأمينه على حياته وحياة ذويه وأموالهم، إلا أن يحيى الأطرش امتنع عن تلبية الطلب في البداية ثم تحت وساطة المطران كيروس ذهب يحيى الأطرش برفقة المطران على الفاروقي الذي أخل في وعده وألقى القيض على يحيى الأطرش، ثم طلب منه ان يكتب إلى وجهاء السويداء ان يحسنوا استقبال القوات التركية التي سوف تصل إلى السويداء. وزحفت تلك القوات علي الجبل من خلال ثلاثة فرق، وكانت احدى تلك الفرق بقيادة الفاروقي والزعيم المعتقل يحيى الأطرش الذي كان لتواجده مع الفاروقي درواً كبيراً في منع إهراق الدماء بين الجانبين.
النتائج:
أعلن سامي باشا الفاروقي في الجبل الأحكام العرفية التي شملت منطقة حوران، وبدأ يجمع السلاح حتى بلغ ما جمعه منها (10) آلاف بندقية، وبدأ بتسجيل الأهالي في السجلات الحكومية من أجل تطبيق الخدمة الإلزامية، ثم شرع في عمليات التجنيد فوراً ، وطلب من الحكومة تخصيص مبلغ من المال لإنشاء المدارس بمعدل مدرسة واحدة في كل قرية يلغ عدد بيوتها 400 مسكناً، وقدم مشروعاً لإنشاء الطرق.
كما قدم يحيى الأطرش ومجموعة من رجالات الجبل إلى المحكمة العرفية التي حكمت على ستة زعماء بالاعدام، وتم تنفيذ الحكم واعدامهم في ساحة المرجة في آذار 1911م، الا انه تم استثناء الشيخ أحمد الهجري الذي صدر عفوا عنه نظراً لموقعه الديني..
وكان من الذين تم اعدامهم ذوقان الأطرش والد سلطان الأطرش.
وتم أيضا إطلاق سراح يحيى الأطرش بعد شهرين من الحادثة.
عاود التذمر يتصاعد بين الأهالي الذين صدمتهم تدابير جمع الأسلحة والتجنيد، ومالبث التذمر المحلي ان انقلب إلى سخط عام في الأوساط السوري بأجمعها بسبب الممارسات التركية(1).
الفاروقي وشيوخ الرولة:
في عام 1912 أصدر الفاروقي بياناً أعطى فيه الآمان إلى شيخ مشايخ الرولة النوري بن شعلان والشيخ دحام بن معجل والشيخ سعود بن مجيد، جاء فيه:
“وإني متعهد بإجراء هذه المقاصد الخيرية النافعة للجميع فأعطيكم الوجه، وإنكم بأمان الله والسلطان، وبأماننا، فاحضروا إلينا لندبر إعتمادا على معونة الله شؤونكم، ونرى ما يقتضي لكم ونأمر من يلزم لتأمين راحتكم، ورفاه عيشكم بظل مولانا السلطان الأعظم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”(2).
(1) برو (توفيق)، العرب والترك صـ 210-216
(2) بيان سامي الفاروقي إلى مشايخ الرولة
انظر:
كتاب سعد الدين المقداد إلى مجلس المبعوثان حول تدخلات عسكر حملة الفاروقي في حوران عام 1912