وثائق سوريا
كلمة شكري القوتلي في حفل افتتاح مؤتمر المحامين العرب عام 1944
كلمة الرئيس شكري القوتلي في حفل افتتاح مؤتمر المحامين العرب في الثاني عشر من آب عام 1944م
نص الكلمة:
أيها السادة:
هذا يوم من غرر الأيام تحتفل فيه دمشق بانعقاد المؤتمر الأول للمحامين العرب، وتسبغ عليه من حلل التكريم ما يعرب عن شعورها نحو غايته الجليلة فيسرني أن أفتتحه متيمناً باسم الله، ويسرني أن ينتظم عقده في عاصمة الدولة العربية الأولى التي خلفت من المفاخر والمآثر ما يزدان به جيد التاريخ، وهي تبتغي أن تستعيد ما كانت عليه من عز وحضارة وسلطان.
وإني لأشعر باغتباط يملأ جوانحي حينما أقلب الطرف فيه وارى وجوهاً كريمة من جهابذة الرأي وعلماء الشرع ورجال القانون، وقادة الفكر الذين نذروا نفوسهم لخدمة الشرائع فاجتمعوا من مختلف الأقطار العربية العزيزة في صعيد واحد ليبحثوا في أجدى الوسائل التي تنير سبل الحق وسبل الدفاع عنه وهم في عملهم هذا يجرون على أعراق شريفة ويحيون تقاليد أمة عظيمة ذهبت في عنايتها بالشرائع كل مذهب فدونت قواعدها وهذبت أصولها وفروعها حتى غدت من أقدر الأمم في التشريع والقضاء.
وما الشرائع إلا شرط الإخاء الإنساني وعنوانه وترجمانه، تتوقف عليها رعاية الحقوق وحماية الحريات، وهي في أغراضها الخاصة والعامة تعين على تقارب الأفراد والجماعات وإزالة ما بينها من جفاء،ولذلك كانت تعقد المؤتمرات لتوحيد القوانين فلا بدع أن تسعى مثل هذا السعي لتوحيد قوانينها بلاد تتفرع عن نبعة واحدة حتى تزداد صلاتها وثوقا وعلائقها ارتباطاً، وتعمل متحدة متضامنة في سبيل تحقيق غاياتها العليا وأمانيها الكبرى.
وإذا كان مؤتمركم يعيد الأثر في هذه الناحية وفاتحة لمؤتمرات أخرى تعمل لخير الأمة العربية وإعلاء شأنها فهو كذلك مظهر من مظاهر اتحاد العرب واتجاهه إلى غاية واحدة، وأملهم بأن ينعموا بعزة الحرية والاستقلال والكرامة وأن يوثقوا بينهم عرى التعاون والتضامن حتى يصونوا ميراثهم المشترك الذي تنطوي فيه ذكريات ماض عظيم وآمال مستقبل كبير، ويسموا بأمتهم إلى المستوى الرفيع الذي يعود بها سيرتها الأولى في أيام عزها وسالف مجدها.
نعم إن أمامنا طريقاً صعبة فالمبادئ الشريفة والقواعد السامية التي نودي بها كثيراً ستمتحن عندما تضع الحرب أوزارها وحينئذ يشهد العالم ميلاد عهد جديد ويرى إذا كانت حقوق الشعوب كبيرة أم صغيرة، قوية أو ضعيفة، هي مقدسة على السواء؟
هذا ما يكشف المستقبل قناعه، ويزيل حجابه أما مهمتنا الآن فهي أن يكون على أهبة للقيام بواجبنا كله في الدفاع عن حقنا كله، وأن نرمي بأبصارنا إلى غاية واحدة: استقلال البلاد العربية واتحاد كلمتها. وهل أجدر من رجال الشرائع الذين يجدون ويدأبون في خدمة الحق ان تشرب قلوبهم هذه الدعوة والتمسك بأهدابها؟
وإني لأغتنم هذه المناسبة السعيدة فأبعث إلى الأقطار العربية الشقيقة بتحية الإخاء الذي لن تنفصم عراه مؤملاً أن يشرق في سماء الوطن العربي ذلك اليوم الزاهي الذي تخفق قلوبنا لرؤيته كما تخفق رؤوسنا أعلامه.
أخذ الله بأيديكم وبارك أعمالكم.
المراجع والهوامش:
(1). المؤتمر الأول للمحامين العرب، نقابة المحامين بدمشق، مطبعة ابن زيدون - دمشق 1945م، صـ 2-3
