You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

عماد بلان: مختارات من ذكريات .. مع فـهــد بــلان (2)

عماد بلان – التاريخ السوري المعاصر

على سفح تلة مرتفعة في منطقة جبل عمان، العاصمة الأردنية ، عرف الناس هناك حارة.. ولا كل الحارات ..!! حارة تقاطب إليها أفراد وتجمعت فيها عائلات ، أغلبهم من جبل العرب الذين هجروا وطنهم بحثاً عن فرص العمل . كانت عبارة عن تجمع عشوائي لبيوت متواضعة قوام جدرانها وأسقفها صفائح معدنية رقيقة مدعمة بأعمدة خشبية لصد الرياح واتقاء المطر الغزيز الذي كان يأبى إلا وأن يتسرب من الشقوق والثقوب ليشارك ساكنيها المساكين .. ويزيد في طينتهم بلــَّـة .. فيغرق فرشتهم و ملابسهم بالماء .. فوق ما هم فيه من هم و غم ..!!

في تلك الحارة ، وتحت سقف غرفة لا تتجاوز مساحتها ثلاثة في ثلاثة من الأمتار، استقرت الأم مع ولديها غالب وفهد .. هم كانوا ثلاثة ورابعهم كان البؤس.. رفيق دربهم الطويل ..!! .. افترشوا حصيرة ما كادت تغطي نصف أرضية الغرفة، والتحفوا غطاءً من نسيج الخيام، وعند زاوية الغرفة خزانة من خشب ” السحاحير” تتمايل من ضعف مفاصلها ، احتوت على بعض أواني الطبخ وإبريق صدئ مع عدة كاسات للشاي ، وأوعية بلاستيكية فيها حفنات من العدس والبرغل و الكشك .. وكل هذه النعم كانت من فضل المولى تعالى أولاً، وبفضل النظام ” الاشتراكي” الذي ساد في تلك ” الجمهورية الفاضلة ” أو الحارة الفاضلة بصحيح التعبير ..!! فقد كانوا وبكل الرضى والصدق والإيثار يقتسمون حتى رغيف الخبز فيما بينهم ..!!

 ربما أنها من مفارقات القدر أن يكتسب الشقيقان غالب وفهد من والدهما الصوت الجميل بحكم الوراثة ، فقد كان أبو هايل ذو صوت ينطوي على بحـَّـة متميزة ورقيقة ، بعكس شخصيته الصلبة القاسية ، كان يعزف الربابة

إلا أن الفهد وبطبيعته الفطرية ، ربما كان أكثر من شقيقه غالب انفتاحاً على المجتمع المحيط به من أصدقاء ومعارف ، الأمر الذي دفعه للانخراط بلا أدنى تردد في سهرات شبابية ومناسبات اجتماعية متنوعة مشاركاً في فعالياتها بكل نشاط وحماس. يقف على رأس حلقات الدبكة ، ويتحرك متمايلاً بجسده النحيف اليافع بكل قوة ومرونة وخفة دم وشجاعة ، منافساً أمهر الرجال في الدبكات الجبلية خاصة وما يتبعها من فنون معروفة ، وكما نعرف جميعاً ، فإن غناء الأهازيج الجبلية من جوفيات و هجينيات ومثيلاتها، كانت من متممات الدبكة ولوازمها الأساسية ، ومثلما كان للفهد حصة الأسد في الدبكة ، فإن له مثلها في الغناء، فكان يطرب الحضور بصوته الصدَّاح الجهوري الواسع : هي هي يللي راكبين على السلايل.. فوق ضمر يم طربا ناحرينا .. والشباب يرددون من بعده .. وهكذا حتى كشف القدر ستاراً عن كنز دفين انطوى في حنجرته الطروب القوية ، و كنز آخر تمثـَّـل في جرأته البالغة وقوة حضوره المتميز الآسر والأخاذ .

  ومن هنا ، من تلك المرحلة في حياته ، كانت البدايات الفنية للفهد . إلا أنه لم يسمح لنفسه أن تنطلق على هواها لإرضاء هوايته في الأعراس والمناسبات ، في وقت تلح عليه مسؤولية بالغة تجاه أسرته الصغيرة، فتذكر أمه التي ضحت بالكثير لاحتضانه وشقيقه رغم الفقر والبؤس، وتذكر شقيقه الأكبر غالب، رفيق طفولته وحياته في السراء و الضراء . فشمر عن سواعد الجد باحثاً عن عمل يكسب منه رزقه ، اشتغل عاملاً في البناء .. بائعاً في المحلات التجارية .. جابياً في حافلات النقل .. ويقينه راسخ بأنه لا عيب في أي عمل لطالما هو حلال و مشروع .

 بقي الفهد لفترة في الأردن ، قرر بعدها الانتقال إلى وطنه سوريا ، لعل الفرصة تتاح له لتنمية وإبراز مواهبه الفنية انطلاقاً من دمشق . وبالفعل بدأت مرحلة الفتوة من حياته والتي اتسمت بتنقلاته المتكررة بين الشام وعمان ، حتى آن أوانه لأداء خدمة العلم في جيش وطنه .. الجيش العربي السوري ..

اقرأ:

عماد بلان: مختارات من ذكريات .. مع فـهــد بــلان (1)



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى