You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

د. سامي مبيض: قاطفة البرتقال المر…

في شمال شرق الولايات المتحدة، في “جامعة براون” العريقة في ولاية رود أيلاند، يتم العمل حالياً على جمع وتصنيف أوراق الأديبة والشاعرة السورية الراحلة سلمى الحفار الكزبري (1922-2006).

تتميز هذه الأوراق بدقتها وبلاغتها، وما بقي فيها من روح صاحبتها، التي أمضت عمراً بأكمله في خدمة التأليف والبحث، متنقلة بين سورية ولبنان واسبانيا، حيث تعرفت على الشاعر الكبير نزار قباني، الذي كان يعمل في السفارة السورية في مدريد مطلع الستينيات. قبل وفاتها بخمس سنوات، جمعت مراسلاتها مع نزار، وعددها ستة عشر رسالة مكتوبة بخط يده المنمنم والمعروف، صارت كلها اليوم ملكاً لجامعة براون. وكذلك مقالاتها وأبحاثها ومحاضراتها، وكل ما جمعته من مراسلات بين مي زيادة وجبران خليل جبران، التي وبموجبها نالت جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي عام 1995.

في هذا الكنز الثمين قد نجد مخطوط كتابها الأول “يوميات هالة” الذي قدمته لروح الزعيم سعد الله الجابري، وكتاب “نساء متفوقات” الذي قدم له العلامة قسطنطين زريق، إضافة إلى رائعتها الأدبية “البرتقال المر” الذي تتحدث فيها سلمى الحفار عن مأساة الشعب الفلسطيني.

من يُبحر في أوراق سلمى الحفار يستطيع معرفة الكثير الكثير عن تفاصيل تلك الأديبة الدمشقية وعن عالمها الجميل الذي بات لا يشبه حاضرنا بشيئ. فبعض تلك الأوراق مُعطر برائحة الهيل، وهو ما كانت تكتبه سلمى وهي تشرب قهوة الصباح الباكر، من غُرفة مطلة على أرض ديار منزل اسرتها الكبير في سوق الصوف، داخل حارات دمشق القديمة. وبعض الأوراق تفوح منها رائحة صابون الغار، التي كانت أمها “مسرة السقطي” تغسل بها وسادتها وشراشف سريرها، قبل أن تنتقل سلمى للعيش في طرابلس الشام عند زواجها الأول من شقيق الرئيس عبد الحميد كرامي. أما عن الياسمين، الذي كان يُعرش على شباك غرفتها، والفل، الذي كانت تقطفه سلمى وتضعه في فنجانٍ صغيرٍ من الماء، لتؤنس به ليالي سهرها في دمشق، فكلاهما موجود في تلك الأوراق، مع رائحة البرتقال المر، والذي يعرف بدمشق بالنارنج.

لم تتصور سلمى في حياتها أن هذه الأوراق سوف ينتهي بها المطاف في مكان غريب وبعيد عن جذورها الدمشقية. فبعد وفاة والدها المرحوم لطفي الحفار قامت باهداء مكتبته النفيسة إلى مكتبة الأسد وسط العاصمة السورية، إكراماً لما أوصى به، أن تكون في متداول يد الباحثين والطلاب السوريين من بعده. فالكثير من المكتبات السورية الخاصة وجدت مكاناً لنفسها داخل المكتبات العامة أو الجامعية، مثل مكتبة الدكتور عزيز شكري، عميد كلية الحقوق في جامعة دمشق، التي باتت موزعة اليوم بين جامعة القلمون الخاصة ومعهد الفتح، ومكتبة سعد الله ونوس التي أهديت مؤخراً إلى الجامعة الأميركية في بيروت، او مكتبة صاحب “الأيام” نصوح بابيل، التي باتت أيضا في مكتبة الأسد.

ولكن أوراق سلمى الحفار نُقلت بعيداً بطلب من إحدى أقدم وأعرق الجامعات في العالم، بعد ثلاثة عشر سنة من رحيلها، وعدم اكتراث أي من الجامعات أو المدارس العربية لإرثها الأدبي والفكري، ولا حتى الجامعة اليسوعية في بيروت، حيث درست في شبابها، أو مدرسة الفرانسيسكان في دمشق التي كانت سلمى من أولى طالباتها.

لم تتذكرها جامعة دمشق، وعندما ينسى أهل الدار مبدعيه، يتولى الغرباء جمع ارثهم وتخليد ذكراهم. مع الأسف، لا يوجد شارع في دمشق يحمل اسم “سلمى الحفار” أو اسم أبيها المناضل “لطفي الحفار،” الذي جلب مياه الفيجة إلى العاصمة السورية وكان رئيساً للوزراء وأحد الأباء المؤسسين للجمهورية السورية. لا شارع لهما ولا زقاق في “مدينة الفيجة،” ولا حتى قبر لسلمى في دمشق، كونها توفيت في بيروت خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006.

دعونا نأخذ العبر من اوراق سلمى الحفار، لانقاذ ما يمكن إنقاذه من إرث أدبائنا الكبار، بعد تدمير الكثير من أوراق الأديب والطبيب عبد السلام العجيلي في الرقة، على يد تنظيم “داعش،” أو بعد نهب مكتبة عباس محمود العقاد في مصر، وكذلك، مكتبة الدكتور طه حسين، التي تمّ بيع معظم كنوزها في شوارع القاهرة.

أكاد أن أجزم أن أوراق “سلمى الحفار،”ولو كانت بعيدة عن دمشق، ستكون بخير وبأيدي علمية أمينة. عند تحويلها الاكترونياً، ستكون بمتداول الباحثين العرب والطلاب السوريين، وكل قارئ بتاريخ سورية المعاصر. ستكون محمية من نيران هذا المشرق، بكل ما فيه من توحش، والذي بات سكانه يحرقون الكتب بدلاً من قراءتها، ويقطعون رؤوس مؤلفيها، بدلاً من تقبيلها أو نحت تماثيل لها.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

سامي مروان مبيض

الدكتور سامي مروان مبيض تولد دمشق عام 1978 ، كاتب ومؤرخ ورئيس مجلس أمناء مؤسسة تاريخ دمشق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى