مقالات
سلمان البدعيش: تاريخ السينما في السويداء.. البدايات (1)
سلمان البدعيش – التاريخ السوري المعاصر
في الواقع الفني الذي تعيشه محافظة السويداء من غنى في الثقافة والفنون ، من موسيقا وتمثيل وفن تشكيلي أن يكون لها تاريخ لائق في الفن السابع . لأن المجتمع في هذه المحافظة يقبل على كل ما له علاقة بالفن ويشجعه ويمارسه . وتاريخ السينما في محافظة السويداء فيه من المشوقات والغرابة والأحداث ، ما يجعلنا نتوقف عنده متأملين ومتذكرين ومندهشين ومفتخرين .
تعرف جمهور السويداء على السينما لأول مرة من خلال شاشة كانت تنصب في(الميدان) مكان ساحة الأسد اليوم . إذ كان يحيط بالميدان من الجهتين الشرقية والجنوبية مدرج من الحجر يتألف من خمس أو ست طبقات ، وكانت الأرض خالية تماماً بينه وبين مستوعب الماء الواقع إلى الغرب منه والذي كان يسمى المطخ
( مكان سوق الخضرة اليوم ) وكان المطخ يستخدم لسقاية الحيوانات وأخذ الماء منه لاستخدامها في أغراض وحاجات غير الشرب كما كان الكثيرون يمارسون السباحة فيه وبخاصة من الناحيتين الغربية والجنوبية لأنهما أكثر عمقاً .
كان الميدان مخصصاً للاحتفالات والعروض والاجتماعات العامة , والمهرجانات الخطابية وفيه كان يقام عيد استقلال الجبل في الخامس من نيسان من كل عام ، حيث تأتي إلى السويداء وفود من جميع قرى الجبل وينصبون خياماً في المنطقة المحيطة بالسرايا وقصر المندوب السامي والميدان وبركة الحج ويقومون باستعراضات الخيول والدبكة والأهازيج في الميدان وحوله .
كانت مشاهدة العروض السينمائية في ذلك المكان تتم وقوفاً أو جلوساً على الأرض ، واقتصرت في البداية على الأفلام الدعائية لمختلف نواحي الحياة في فرنسا ، وكذلك بعض الأفلام التي تتضمن إرشادات حول الزراعة ، كانت السينما صامتة ويرافقها الشرح الصوتي (قبل أن يستخدم نظام التسجيل المغناطيسي على جانب الشريط السينمائي) وكان ذلك في عشرينات القرن الماضي .
وفي بداية الثلاثينيات اعتمد أول مكان للعروض السينمائية وهو القاعة الموجودة في الزاوية الشمالية الشرقية من دار الحكومة (السرايا) والتي حولت فيما بعد في عهد الانتداب الفرنسي إلى متحف وهي الآن قاعة للاجتماعات . كان صاحب مشروع إقامة سينما في ذلك المكان شاب لبناني يدعى عبدو سعادة ، وهو نفسه الذي كان يمتلك مطعماً في الجهة المقابلة لدار الحكومة تحت فندق الأحرار إلى الشرق تقدم فيه المأكولات الخفيفة والمشروبات .
عبدو هذا أحضر آلة عرض ونصب سيبة أمام الجدار الشرقي لتلك القاعة وثبت عليها شاشة للعرض، وزود بمقاعد متحركة ، باستثناء الصف الأمامي الذي ثبتت مقاعده على الأرض وكانت من نوع وثير وأفضل من المقاعد الأخرى ، وكان يجلس عليها الضباط الفرنسيون وعائلاتهم . وأخبرني الأستاذ يوسف الدبيسي الذي كان يعمل مترجماً في ذلك الوقت إنه حضر عرض أول فيلم في تلك القاعة وكان اسمه : (الحاج مراد) وهو فيلم أجنبي ناطق باللغة العربية وتدور أحداثه في القوقاز ويمثل صراعاً بين شعب تلك المنطقة والسلطة المتمثلة بالقيصر ، وقد أخذ الفيلم اسمه من اسم بطله الذي لاقى كل الإعجاب والحب والتقدير لجرأته وشجاعته وبطولته . وأول فيلم عربي يعرض في ذلك المكان كان (الوردة البيضاء) بطولة محمد عبد الوهاب ونجاة علي . وبما أن عبد الوهاب كان يضع على رأسه في الفيلم الطربوش المصري (وهو أقصر من الطربوش الشامي ) فقد قلده لابسو الطرابيش في السويداء ووضعوا الطربوش المصري ، وبعضهم لم يكن يستعمل الطربوش من قبل . كما حفظ البعض أغاني الفيلم .
بطلة الفيلم نجاة علي زارت السويداء فيما بعد بصحبة فؤاد الأطرش وأخيه فريد وقد أمضت وقتاً ممتعاً لها ولبعض شباب الأسرة الطرشانية الذين أحاطوها بالرعاية والاهتمام خلال وجودها في السويداء ، وقد التقطت لها صورة وهي ترتدي الزي الشعبي الجبلي ، بما فيها الفوطة والطربوش ،وبجانبها فؤاد الأطرش بالزي الشعبي أيضاً وبالعباءة. الصورة التقطت من قبل مصور أرمني كان يفتتح محلاً للتصوير في شارع الشعراني واسم المصور ( بروانت) وهذا المصور ترك محله بعد الاستقلال وخروج الفرنسيين وسلمه لشاب هو سلمان أبوراس ، وترك فيه أرشيفاً هاماً من الصور منها هذا الصورة التي بقيت معروضة في الواجهة لمدة طويلة بعد أن سمي المحل (ستوديو الجبل) وهو أول ستوديو للتصوير في السويداء ، وكان التصوير فيه يتم بالاعتماد على الإنارة الطبيعية التي كانت تدخله من واجهته الزجاجية التي كانت بلون (حليبي) والواقعة في الجهة الجنوبية للمحل أي من الخلف . بروانت ترك أرشيفاً ثميناً من الصور ، وزاد عليه سلمان أبوراس أرشيفاً مهماً.
في تلك الزيارة التي قام بها فريد الأطرش إلى السويداء مع شقيقه فؤاد ونجاة علي غنى أغنية (يا ريتني طير لطير حواليك) في حفلة أقيمت في الحديقة التابعة للسرايا والواقعة أمام القسم الغربي منها ، وكانت عبارة عن مقهى صيفي يديره أحد اللبنانيين ، وكان يرتاده الموظفون من خارج المحافظة الذين يعملون في السويداء بالإضافة إلى بعض الفرنسيين وعائلاتهم .