مفتي حلب الشيخ محمد بلنكو
ولد في حلب (حي الباشا) عام 1897م.
الشيخ محمد بن الحاج عمر بلنكو الحنفي الحلبي.
مفتي حلب، عالم فقيه، له مشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية.
نشأ في أسرة موسرة، برعاية والده الذي اعتنى بتعليمه، وأرسله إلى كتاب الحي، فختم تلاوة القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والحساب، ولما يتجاوز العاشرة من عمره. وأراد والده أن يعلمه مهنته في صناعة (النشاء)، لكنه انصرف عنها إلىحضور حلقات النحو والصرف التي كان يقيمها الشيخ محمد الناشد في جامع (بانقوسا).
تلقى علوم القرآن الكريم والفقه والحديث والتفسير والفرائض والسيرة والتاريخ وسائر العلوم العربية المدرسة (الخسروية) على شيوخها الكبار أمثال: الشيخ أحمد الكردي، والشيخ إبراهيم السلقيني، والشيخ محمد الزرقا، والشيخ أحمد الشمّاع، والشيخ أحمد الإدلبي، والشيخ محمد أسعد العبجي، والشيخ محمد نجيب سراج الدين، والشيخ عيسى البيانوني والشيخ محمد راغب الطباخ، وغيرهم.
في المدرسة (الخسروية) أكبّ المترجم له على الدرس والتحصيل حتى تخرج فيها مع الدفعة الأولى، وحاز على شهادتها التي كانت تعتبر مجموعة إجازات من شيوخه، الذين مهروها بتوقيعاتهم، وذلك سنة: 1345هـ 1926م.
انتقل إلى مصر وتتلمذ على شيوخ الأزهر الكبار، وعاد إلى حلب ليقوم بالتدريس في الفقه الحنفي في المدرسة (الخسروية)، كما كانت له دروس خاصة للطلاب المتخرجين من (الكلية الشرعية)، بالإضافة إلى دروسه في المساجد، وخطبة الجمعة في الجامع الأموي الكبير.
انضم إلى صفوف الحركة الوطنية، التي كانت تقاوم الاحتلال الفرنسي تحت اسم (الكتلة الوطنية)، وشارك في العديد من المواقف الوطنية، يلقي الخطب الحماسية ويلهب مشاعر الجماهير، ويسير على رأس المظاهرات التي كانت تندد بالاستعمار وأعماله، مما عرضه للسجن والنفي إلى جزيرة (أرواد)، وظل في منفاه مع صديقه الأستاذ إحسان الجابري ثلاثة أشهر، وفي عهد الاستقلال، كان الشيخ من أوائل الداعين للوحدة العربية، والمناصرين لها.
شغل الشيخ عدداً من المناصب الإدارية والشرعية منها:
1- مفتشاً للمعاهد الدينية في وزارة الأوقاف.
2- نائباً لرئيس رابطة العلماء في حلب.
3- رئيساً لرابطة العلماء، وذلك بعد وفاة مؤسسها ورئيسها الشيخ محمد راغب الطباخ.
4- عضواً في مجلس أوقاف حلب.
5- عضواً في المجلس الإسلامي الأعلى في دمشق.
6- مستشاراً لرابطة العالم الإسلامي في الفقه الحنفي، في مكة المكرمة.
7- مفتياً لمدينة حلب، وذلك منذ عام: 1957م، وقد جدد انتخابه لهذا المنصب عدة مرات، إلى أن تركه بسبب كبر سنه، عام: 1967م.
كانت له يد على دائرة الإفتاء، حيث أعاد تنظيمها وتأسيسها، وجدد فرشها، وعمل على تخصيص سيارة خاصة توضع تحت تصرف المفتي إلى غير ذلك من الإصلاحات، كما كانت له مشاركة كبيرة في الأمور الاجتماعية، والمشاريع الخيرية.
شارك بإنشاء عدد من الجمعيات الخيرية ورأس بعضها، أو كان عضواً في إدارتها منها:
1- جمعية المبرة الإسلامية ورئسها مدة طويلة.
2- جمعية البر والأخلاق الإسلامية.
3- جمعية رعاية المتسولين.
4- جمعية المقاصد الخيرية، وعمل فيها على إنشاء مشفى (المقاصد الخيرية) – مشفى شيحان العمالي الآن-
شارك في إنشاء المكتبة الوقفية، وتنظيمها ونقل الكتب إليها من المدارس الشرعية.
انصرف في آخر أيامه إلى العبادة، وقراءة القرآن، وتلاوة أذكار وأوراد السادة (النقشبندية)، وكان قد أخذ طريقتهم عن شيخه الشيخ محمد أبي النصر الحمصي، وصحب ابنه الشيخ عبد الباسط، كما كان صديقاً للشيخ محمد النبهان، الذي كان يحبه ويثني عليه بقوله: (أبو عمر رجل).
غير أنه حافظ على مجالسه بعد صلاة الجمعة في جامع (عمر سالم) يرد فيه على أسئلة المستفتين والسائلين.
كان منهجه في الحياة وفي الإفتاء. الأخذ بالأيسر والأسهل في كل ما يسأل عنه، يردد كلمته المشهورة: (الوقت لا يساعد إلا أن نيسر على المسلمين أمور دينهم، والله من وراء القصد) ( )، وقد أخذ عليه بعض علماء عصره هذا التيسير، وعدوه تساهلاً ورقة في دينه.
لم يترك المترجم أي أثر علمي، وذلك لانشغاله في الأمور السياسية والاجتماعية، وأعمال البر والخير، والفتوى، غير أنه ترك في دائرة الإفتاء في حلب سجلا كبيراً فيه الكثير من الفتاوى.
أصيب أواخر أيامه بمرض عضال أقعده في بيته، وتوفي يوم الأربعاء الثامن عشر من كانون الأول 1991م (1) .
(1) باسل عمر حريري، الموسوعة التاريخية لأعلام حلب / محمد عدنان كاتبي
1- كتاب علماء من حلب في القرن الرابع عشر، للمؤلف.
2- كتاب الإعلام بمن تولى إفتاء حلب من الأعلام للمؤلف
3- ترجمة خطية بيد نجل المترجم، السيد عبد الغني بلنكو.
4- سجلات المدرسة الخسروية.
5- سجلات دائرة الإفتاء في حلب.
6- مقابلات شفهية مع عدد من شيوخنا إخوان المترجم، منهم الشيخ محمد زين العابدين الجذبة، والشيخ محمد عثمان بلال، والشيخ أحمد قلاش، وغيرهم.