وثائق سوريا
إنذار الجنرال غورو -تموز 1920
في الرابع عشر من تموز / يوليو 1920م، وجه الجنرال غورو إنذاراً إلى الملك فيصل بن الحسين يتضمن الشروط الآتية:
1-الاعتراف بالانتداب الفرنسي بلا قيد أو شرط.
2-إلغاء النفير العام وتخفيض عدد الجيش السوري.
3-قبول التعامل بورقة النقد السوري.
4-تسليم خط حديد رياق – حلب للقوات الفرنسية، والسماح لها باحتلال مدينة حلب.
5-معاقبة الأشخاص المناوئين للسلطة الفرنسية معاقبة زاجرة.
النص الكامل للإنذار:
المذكرة المرسلة في الرابع عشر من تموز 1920 من الجنرال غورو المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في سورية وكيليكيا والقائد العام لجيش الشرق إلى صاحب السمو الملكي الأمير فيصل.
باسم الحكومة الفرنسية، لي الشرف بأن أعرض على سموكم الملكي لآخر مرة موقف هذه الحكومة إزاء السلوك الذي سلكته حكومة دمشق منذ مطلع هذا العام.
سادت السكينة في سورية إبان الاحتلال الإنكليزي، ولم يتعكر صفو الأمن وتبدأ الاضطرابات فيها، إلا عندما حلّت جنودنا محل الجنود البريطانية . وقد أخذت هذه الاضطرابات تزداد من ذلك الحين.
ولقد أثرت هذه الاضطرابات في رقي سورية ونظامها السياسي والإداري والاقتصادي، أكثر من تأثيرها في سلامة جنودنا وفي الاحتلال الفرنسي للمنطقة الغربية. فحكومة دمشق تحمل كل التبعة إزاء أهالي سورية الذين غهد مؤتمر الصلح إلى فرنسا بأن تمتعهم بحسنات إدارة موسسة على الاستقلال والنظام والتساهل والثراء، إن الرغبة في الصداقة والتعاون التي أظهرتها فرنسة لسموكم بتأييدها “حقوق الأهالي الذين يتكلمون العربية، على اختلاف مذاهبهم، ويقطنون القطر العربي السوري، بحكم أنفسهم بأنفسهم كأمم مستقلة”. فقد أجبتهم عليها سموكم معترفين بأن للشعوب السورية مصلحة كبيرة في طلب المشورة والمساعدة من دولة كبيرة لتحقيق وحدتهم وتنظيم شؤون الأمة، نظراً للتضعضع الذي أهاب البلاد من الإرهاق التركي والأضرار التي نتجت عن الحرب، تلك المشورة والمساعدة التي ستسجلها عصبة الأمة عندما تتحقق بالفعل. وقد دعا سموكم الملكي فرنسة للقيام بهذه المهمة باسم الأمم السورية.
وعندما كنتم تفاوضون الحكومة الفرنسية في شهر كانون الثاني الماضي، وكانت العصابات الخارجة من دمشق تجتاح المنطقة الغربية، أرسل إلي السيد كليمنصو البرقية الآتية:
“عندما بلغني خبر هجوم البدو في جنوب سورية وشمالها، قلت للأمير فيصل أنني اتفقت معه مؤقتاً على بعض المبادئ، وإنني أحافظ على كلامي. ولكن يجب أن يقابل خطتي هذه بمثل ما فيها من الأخلاص وأن يجعل سلطته محترمة على أنصاره. فإذا لم ينفذ هذان الشرطان تنفيذاَ دقيقاً، فالحكومة الفرنسية تستأنف العمل بحرية وتستعمل القوة لفرض ما عهد به إليها المؤتمر في تأييد النظام واحترام الحقوق”.
والبيان الآتي يوضح جلياً كيف أن حكومة دمشق لم تنقطع عن انتهاج خطة معادية ومخالفة كل المخالفة لسياسة التعاون التي رمى إليها رئيس الوزراء وتعهدتم بتطبيقها.
1- عداء جلي على قواتنا
إن إصرار حكومة دمشق على رفض السماح للسلطة الفرنسية باستعمال سكة رياق- حلب الحديدية، هو عمل عدائي بحت. فالحكومة لا تجهل أن تلك السكة لابد منها لإعاشة إحدى فرقنا الفرنسية في الشمال وتمكينها من القتال.
وهذه الفرقة تقاتل قوات معادية تابعة لتركية التي انتزع الحلفاء الظافرون سورية من ربقتها، ودفاعاً عن حدود حكومة سورية الجديدة التي يجب أن تربطها بها روابط المصلحة وعرفان الجميل.
إن حكومة دمشق هي التي وضعت مبدأ تنظيم العصابات واستخدامها ضد جنودنا المحتلة. وهذا المبدأ أعلنه قائد الفرقة الثالثة في حلب صراحة يوم 13 نيسان بالقول الآتي:
“لما كنا لا نستطيع أن نعلن الحرب رسمياً على الفرنسيين، يجب أن نملأ البلاد بالعصابات التي تجهز عليهم تدريجياً، وسيقود ضباطنا هذه العصابات، فإذا استشهد أحدهم فستعيل الحكومة عائلته”.
وإليكم الأدلة الآتية على دقة تنفيذ هذه الخطة:
في 13 كانون الأول سنة 1919 هوجم موقعنا في تل كلخ تبحريض السلطة الشريفية في حمص. وفي أواخر ذلك الشهر ذبح بدو محمود الفاعور- الذين قلتم لي ياصاحب السمو أنه صديقكم الشخصي مسيحيي مرجعيون، حيث هوجم جنودنا في 4 كانون الثاني ورفع العلم الشريفي. وفي 5 منه سنة 1920 تحقق وجود الجنود الشريفيين بين الذين هاجموا جنودنا تحت قيادة ثريا بك في فريق خان ثم في الحمام.
وفي 25 منه هاجم الرئيس فؤاد سليم ومعه فرقة مؤلفة من جنود نظامييم موقعنا في حسر الليطاني.
وبعد حارم وأنطاكية المهاجمتين من قبل العصابات العربية هوجمت بابنا من 16 حتى 22 نيسان بلا انقطاع بقيادة الضابط الشريفي حسن بك.
وفي حزيران ثبت وجود أمير لواء، ورئيس وستة ملازمين و317 رجلاً من الجيش الشريفي بين العصابات التي كانت تعمل في ساحة مرجعيون، ثبت استعمال معدات مأخوذة من الجيش نفسه، وهي أربعة رشاشات ثقيلة وثلاثة خفيفة وخمسون صندوقاً من الذخيرة. وظهر أيضاً اشتراك محرضي المنطقة الشرقية في الاضطرابات التي اشتهرت بمذابح عين ابل، وفتنة الشيعة في شهر حزيران.
ثم إن منظمي العصابات يلاقون كل احترام وإكرام في دمشق، لاسيما صبحي بك بركات الذي لا يجهل أحد إساءته إليها.
وعندما لم تكن العصابات ترسل من المنطقة الشرقية، كانت الفتنة تثار في المنطقة الفرنسية نفسها.
وبهذه الأعمال وقعت اعتداءات عديدة على المسيحيين، لاسيما في جسر القوعون في 29 كانون أول، حيث تقع التبعة على الضابطين الشريفين وحيد بك وتحسين بك.
وقد سوعد الشيخ صالح، بطل الفوضى والبغضاء لنا، مساعدة فعلية مستمرة في جبال النصيرية.
ومن الممكن تعداد كثير من هذه الأسئلة، وقد عرضناها على سموكم الملكي في حينها.
2- سياسة حكومة دمشق المعادية
رأى سموكم إدخال أشخاص مشهورين بعدائهم لفرنسة، في حكومة دمشق. وكان تأثير المحيط شديداً فيكم. حتى أنكم لم تتمكنوا من السفر في الوقت المناسب تلبية لدعوة مؤتمر الصلح. وقد تألفت الوزارة من أناس من تلك الفئة التي لا تقتصر خطتها على إهانة فرنسا ورفض مساعدتها، بل تتناول المجلس الأعلى الذي منح فرنسة الانتداب على سورية.
إن رفض انتداب فرنسا رفضاً باتاً في 18 أيار المنصرم هو خطة عمياء، قد تجر نتائجها المصائب على سورية.
3- التدابية الإدارية الموجهة ضد فرنسة
إن المقاومة المالية الظاهرة في رفض ورق النقد السوري الجديد الذي أصدره البنك السوري لحساب فرنسة، ومنع جميع المعاملات التجارية والمالية مع فرع بنك سورية في المنطقة الشرقية، هو دليل جديد على عداء يضر بمصلحة البلاد أيضاً.
ويصح ذلك أيضاً على منع نقل الحبوب إلى المنطقة الفرنسية من حماة أولاً في شهر آذار من دمشق وحلب.
ثم إن السلطة الشريفية اجتازت حدود المنطقة الشرقية وتغلغلت تدريجياً في المنطقة الغربية لتظهر أنها توسعت بقصد اخراجنا. ففي شهر آذار أقيم في مخفر شريفي في “الخالصة”. وبعد ذلك رفع العلم الشريفي في “القدموس”، وفي نيسان جعلت حكومة حلب “القصير” قضاء شريفياً، وبعد ذلك بقليل نُصب قائم مقام شريفي في جسر الشغور.
4- أعمال عدائية مباشرة ضد فرنسة
إن من كان صديقاً لفرنسة أو موالياً لها في المنطقة الشرقية يكون مشتبهاً به من السلطة، ويعامل معاملة سيئة في أغلب الأحيان. ومن الأدلة الظاهرة على ذلك أن فارس غنطوس ونسيب غبرييل اللذين ضمنت حكومة دمشق رسمياً رجوعهما إلى راشيا، أسيئت معاملتهما ووضعا حال وصولهما في السجن.
وفي 22 كانون الثاني هوجم في وادي القرن وفد من دروز حوران، كان قد جاء للسلام عليّ أثناء عودته إلى مقره، وقتل عدد من رجاله.
ولدينا أمثلة عديدة على ذلك، ولاسيما في حلب. أما من كان عدواً لنا فإنه يحترم في المنطقة الشرقية ويحمى من كل شء، ويحل على الرحب والسعة في كل مكان. فقط احتقل بالدنادشة احتفالاً كبيراً في دمشق، بعد حوادث تل كلخ. ولم يمُس بسوء في دمشق أمين محيو الذي نسف مستودع العتاد الحربي في بيروت، ثم أن سموكم الملكي سعى موخراً لرجوع كامل بك الأسعد، الثائر المشهور في المنطقة الغربية، وكان قد نفي منها بسبب فتن بلاد الشيعة التي يعع عليه قسم عظيم من تبعتها.
وعدد سكان المنطقة الشرقية الذين أكسبهم عداؤهم لنا عطف الحكومة عظيم جداً.
إن بث الدعوة ضد فرنسا في المنطقة الغربية قد ألبسته حكومة دمشق أشكالاً خبيثة، أرادت السلطة الفرنسية أن تغمض عينها عنه، لأنها قررت اتباع سياسة التساهل حتى النهاية.
وآخر هذه الأعمال وأظهرها، شراء القسم الأعظم من أعضاء مجلس إدارة لبنان باثنين وأربعين الف جنيه مصري.
وقد ألقت مخافرنا القبض على هؤلاء الأعضاء في 10 تموز، بينما كانوا ذاهبون إلى دمشق لبيع بلادهم، منكرين الأماني التي اعرب عنها مواطنوهم بالاجماع تقريباً منذ عهد بعيد.
إن صحافة دمشق التي تفرط الحكومة في شد آزرها تواصل دائماً حملاتها على كل ما هو فرنسي، وتقبح السلطة المحتلة في المنطقة الغربية وترد كل مساعدة تعرضها فرنسة على سورية، وتهينني أقبح إهانة.
5- الإعتداء على الحقوق الدولية
بمقتضى هذه الحقوق بترتب على قائد جيش الحجاز المحتل للقطر العربي السوري، الذي لابد له أن يظل عثمانياً إلى أن تقضي معاهدة الصلح بخلاف ذلك، أن يعمل بغير هذه الصفة، وأن يحافظ على الحالة الراهنة وهو حارسها. ولكنه تصرف عكس ذلك متخذاً صفة السيادة العليا:
وقد تقرر التجنيد الإجباري ونفذ في كانون الأول سنة 1919م، مع أن البلاد لا تزال بلاد أجنبية. وهذا العبء الثقيل الذي لا يجدي نفعاً قد أكره عليه الشعب، حتى في المناطق التي لها شكل خاص، كالبقاع، ونفذ في أناس مستثنين منه، كالبنانيين والمغاربة المقيمين في المنطقة الشرقية. ولاقى هذا التجنيد الباطل مقاومة نزيهة أدت في بعض الأحيان إلى إراقة الدماء.
ثم إن المجلس الملقب بالمؤتمر السوري الذي تألف واجتمع بصورة غير قانونية، يسن القوانين، بل يحكم باسم حكومة ودولة لم يعترف بوجودها. وفضلاً عن ذلك، فقد قدم اللقب الملكي لسموكم بدون حق ولا وكالة، مما وضعكم، كما عبرتم عن ذلك، في موقع التمرد على مؤتمر الصلح.
ولم تحترم الامتيازات الأجنبية، فإن أحد رعايانا، الأمير مختار، الذي يمثل أسرة كبيرة اشتهرت منذ القديم باتصالها بفرنسة قد أوقف في حلب.
وليست الاتفاقات السياسية محترمة ايضاً. فإن لواء الجيش الشريفي أرسل إلى مجدل عنجر، رغم الاتفاق الذي تم في كانون الأول الماضي مع السيد كليمنصو، والذي يقضي أن لا تحل في البقاع قوة شريفية أو إفرنسية.
6- الأضرار التي أصابت فرنسا وسورية من ذلك
لم تستطع السلطة الفرنسية حتى الآن أن تنظم البلاد التنظيم الذي تنتظره منها. لأنها اضطرت إلى صرف قواها وجهودها لقمع القتن المتوالية ومواصلة المفاوضات السياسية العميقة مع حكومة دمشق. فهي والحالة هذه غير مسؤولة عن هذا التأخير، على أنها تتحمل العبء العسكري والمالي الذي تقضي به الحالة التي أوجدتها حكومة دمشق. ولابد للنفقات من أن تؤثر في الميزانية السورية، سواء عن طريق تنافض الدخل الذي ينشأ عن استمرار الفوضى، أو جراء الاشتراك في نفقات السيادة التي ستقع على عاتقها في المستقبل.
ولقد بلغت الفوضى التي أوجدها مثيرو الفتن في البلاد حداً دعا إلى استجلاب قوات كبيرة، أعظم عدداً مما يقتضيه مجرد استبدال الجنود الإنكليزية في حالة سكينة وسلام.
إن هذه الأسباب تدل دلالة كافية على أنه لا يمكن بعد الآن أن نعتمد على حكومة جاهرت بعداء فرنسة كل المجاهرة، وأخطأت نحو بلادها خطأ عظيماً بظهورها عاجزة عن تنظيمها وإدارتها.
ولذلك ترى فرنسة أنها مضطرة لأخذ الضمانات التي تكفل سلامة جنودها وسلامة السكان الذين نالت من مؤتمر السلم مهمة الانتداب عليهم.
أتشرف بإبلاغ سموكم الملكي أن هذه الضمانات هي كما يأتي:
1- التصرف بسكة رياق- حلب الحيديدة بصورة مطلقة، لإجراء النقليات التي تأمر بها السلطة الفرنسية. ويضمن هذا التصرف، بأن يراقب مفوضون عسكريون فرنسيون جميع ما ينقل في محطات رياق وبعلبك وحمص وحلب، تعضدهم قوة مسلحة مخصصة بالمحافظة على المحطة، وباحتلال مدينة حلب التي هي مركز مواصلات هامة، لا يسعنا تركها تسقط بيد الجيش التركي.
2- إلغاء التجنيد الإجباري.
يجب أن يقف التجنيد تماماً، وأن تسرح القوى، حتى يبلغ الجيش الشريفي العدد الذي كان عليه بتاريخ 1 كانون أول المنصرم.
3- قبول الانتداب الفرنسي.
إن الإنتداب يحترم استقلال سورية، ولا يناقض مبدأ الحكم بسلطة سورية تستمد قوتها من إرادة الشعب. ولا يتضمن سوى معاونة بشكل مساعدة من الدولة المنتدبة، دون أن ينتخذ مطلقاً شكل استعمار أو إلحاق أو إدارة مباشرة.
4-قبول العملة الورقية السورية.
تصبح هذه العملة عملة وطنية في المنطقة الشرقية. فتلغى جميع الأحكام المتعلقة بالبنك السوري في المنطقة الشرقية.
5-تأديب المجرمين.
الذين كانوا أشد عداء لفرنسا.
إن هذه الشروط تقدم جملة، ينبغي قبولها جملة أيضاً، فلا تجزأة، خلال أربعة أيام تبتدئ من منتصف ليل 15 تموز (أي 15 منه الساعة 12 ليلاً)، وتنتهي في 17 منه الساعة 24 (أي الساعة 12 ليلاً).
فإذا جاءني سموكم قبل إنقضاء هذا الموعد إعلان يشعر يُشعر بقبول هذه الشروط، فينبغي أن تكون أوامركم قد صدرت في الوقت نفسه إلى السلطات المختصة بعدم معارضة جنودي الزاحفة لاحتلال المواقع المشار إليها سابقاً. ثم إن قبول الشرط الثاني والثالث والرابع والخامس يجب أن يؤيد بنصوص رسمية قبل 18 منه، على أن يتم التنفيذ بكامله قبل 31 منه منذ الساعة 24 (نصف الليل).
وإذا لم يشعر سموكم في الموقت المحدد بقبول هذه الشروط، فأتشرف بأبلاغكم أن الحكومة الفرنسية ستكون مطلقة اليد في العمل. وفي هذه الحالة لا أستطيع أن أؤكد أن الحكومة الفرنسية ستكتفي بالضمانات المعتدلة المشار إليها أعلاه.
أما المصائب التي قد تحل بالبلاد، فلن تقع على عاتق فرنسة التي برهنت عل تساحلها منذ زمن طويل ولا تزال تبرهن عليه، فحكومة دمشق هي التي تتجمل مسؤولية الحلو المتطرفة، التي لا أنظر إليها إلا آسفاً، ولكني مستعد لها بعزم لا يتزعزع.
النص الذي نشر في صحيفة بريد اليوم الصادر في 27 تموز 1920م، وهو يختلف في بعض الموضع عن النص الذي نشره ساطع الحصري.
في النص الذي نشرته صحيفة بريد اليوم لم يدرج لقب سمو ملكي او سموكم، وخاطب فيصل بالأمير فقط وبقائد جيش الحجاز.
فيما يلي النص كاملاً:
أتشرف للمرة الأخيرة باسم الحكومة الفرنساوية أن ابلغكم ما يلي:
ساد الهدوء وحلت السكينة بسورية عند احتلال الجيش البريطاني لها في بداية السنة ولم يكد ويتبدل جيشها بجيشنا حتى بدأت القلاقل وشن الغارات في أكثر الجهات مما أضر بصالح الأهالي ورقي البلاد.
إن جيشنا الذي حارب ولم يزل يحارب العصاة لم تبد عليه مظاهر الضعف والوهن.
فالحكومة الدمشقية مسؤولة لدى شعبها الذي وعده مؤتمر السلام في الحياة ورغد العيش تحت وصاية حكومتنا الفرنساوية.
لقد اعترفتم باحتياج الأمة الشديد لاستشارة ومساعدة دولة عظيمة تنهض بها إلى الرقي بعد ما عانته من نير الأتراك وهذه الحرب العامة من التأخير، وعليه فقد أثبتت الحكومة الفرنساوية التي طلبتموها منتدبة عليكم باسم امتكم استعدادها للعالم بأسره عن امداد سوريا مادياً ومعنوياً بلا تفريق بين الملل والعناصر.
ولسوف يعلن المجلس السوري تفاصيل هذه المساعدة التي أخذتها حكومتنا على عاتقها.
فبينما كان الأخذ والرد جار في شهر يونيو بينكم وبين الحكومة الفرنساوية لم نشعر إلا وعصابات الأشقياء أخذت تشن الغارات في الجهات الغربية وعندها تلقيت من كليمنصو البرقية الآتية:
بلغني خبر اعتداء البدو فانبأت الأمير فيصل عن موافقتي المؤقتة لبعض الشروط التي لم أزل محافظاً عليها وطلبت منه إعادة الأمن إلى نصابه وإلا فالحكومة الفرنساوية تضطر لتوطيده باستعمالها جيوشها”.
هذا ولدي من البراهين ما يثبت تعمد الحكومة الدمشقية مقاومة قبول ومساعدة فرانسا التي كنتم وعدتم رئيس الوزارة في قبولها.
المقاومة الكلية لجيوشنا
لم تسمح حكومة دمشق لجيشنا بالمرور في السكة الحديدية عن طريق رياق وحلب لمقاومة عدوكم الذي كان قريباً من حدود سوريا فأضاعت علينا فرصة كبيرة بمخالفتها الشروط والمعاهدات التي بيننا وبينها ومع أننا نحارب وندافع عن سوريا فكان الأجدر بحكومتكم أن تسهل مرور جيشنا عملاً بنص الشروط والمعاهدات واسداء الشكر والامتنان لدول الحلفاء التي حررتكم ولم تزل تسعى لأجلكم.
إن حكومة الشام هي التي أوجدت العصات لتستعملها ضدنا كما صرح به زعيم الفرقة الثالثة العربية بحلب في 13 ابريل حيث قال: “بما اننا لسنا قادرين على محاربة فرنسا علنياً يجب علينا تدبير عصابات نرسلها لجميع أنحاء سوريا اقلاقاً لراحة الفرنساويين وإضعافاً لقوتهم ان قوادنا مدربة على الحروب والحكومة العربية متعهدة بإعطاء مكافأة شهرياً تكفي للقيام باود كل عائلة يموت رجلها”.
والدلائل الآتية تثبت ما قيل:
في 18 ديسمبر 1919 هجمت شرذمة من العربان على جيشنا المعسكر في تل كلخ. وبأواخر الشهر المذكور هجم البدو بقيادة محمود الفاعور أحد أصدقائكم المخلصين كما اعترفتم وشرعوا بذبح مسيحيي مرجعيون وفي تاريخ 4 كانون الثاني هجم المذكور على جيشنا وكان يحمل العلم العربي. وفي 5 منه ايضاً تحققنا ان المهاجمين من جهة الكرك وحمام كانوا جنود عربية يقودهم ثريا بك.
وفي شهر يونيو ثبت لدينا أن بين مهاجي مرجعيون يوزباشي وستة ضباط و317 جندي عربي أمدتهم الحكومة الدمشقية بأسلحة نارية منها 4 مدافع كبيرة و3 رشاشات و50 صندوق جبخانة.
كما وأن نفوذ المقلقين والمفسدين في دمشق أدى لمذبحة “عين ابل” وهم يسرحون ويمرحون في دمشق محاطين بالاحترام الزائد كأنهم لم يقترفوا اثماً وعلى الأخص صبحي بك بركات الذي اشتهر بمقاومته لنا.
فكل هذه الأفعال التي أدت لذبح النصارى الوطنيين والتي استدلينا عليها من الضابطين العربيين وحيد بك وتحسين بك الذين قبضنا عليهم في 29 ديسمبر وعلى غيرهم تؤكد لنا سوء قصد حكومتكم بنا ولقد اخبرناكم عنها في حينه.
سياسة حكومة دمشق
لقد ادخلتم في دوائر حكومتكم كثيرين من مقاوميننا الذين منهم تشكلت الوزارة المعارضة لفرنسا والحلفاء معاً فأجروا نفوذهم على أهالي سوريا إجمالاً وعليكم بنوع خاص حيث منعوكم عن السفر لأوربا إجابة لطلب مؤتمر السلام.
التدابير المتخذة ضد فرانسا
رفضت حكومة دمشق العملة السورية التي أصدرها البنك السوري لحساب فرانسا فأحدث هذا العمل ضرراً عظيماً بمصالح البلاد كما وأنها منعت اخراج الحنطة لبيروت وضواحيها ولم تكتف بما فعلت بل تعدت جيوشها مجتازة الحدود من الجهة الشرقية آملاً بطردنا ففي شهر مارس ارسلت عدة جنود إلى قرية الخالصة حيث رفعوا العلم العربي على قدموس وفي شهر أبريل ضمت حكومة حلب قضاء “قصير” للمنطقة العربية وتلاه تعيين موظف عربي لجسر الشغور. فلو كان ما أدعته حكومة دمشق من الصداقة الخالصة إلى الحكومة الفرنساوية حقيقياً لحذت حذوها وبرت بوعدها في تسريح وإعادة فارس غنطوس ونسيب غبريل الذين لم يزالا مسجونين براشيا.
غير أنها لم تفعل ذلك بل نراها تقيم الحفلات الشائقة لأعدائنا الدنادشة الذين هاجموا “تل كلخ” تاركتهم وأمثالهم يسرحون بدمشق كأنهم لم يرتكبوا إثماً وهذا هو هاشم أمين محيو الذي قذف قنبلة على مركز حكومة بيروت يمرح أيضاً في دمشق بارتياح تام.
كنتم تكلفتم بتسليم زعيم العصاة كامل بك الأسعد الذي تعددت مقاومته لنا وإيقاعه بأبناء البلاد فلم تفعلوا بل أصبحت حكومة الشام ملجأ للعصاة الفارين. لطخت حكومة دمشق اسمنا فتغاضينا عنها لأننا لا نقصد رداع أبناء سوريا بقوة السيف.
واخيراً رشت أعضاء مجلس إدارة لبنان باثنين وأربعين ألف جنيهاً مصرياً فألقينا القبض على عشرة منهم كانوا هاربين لدمشق كي يبيعوا وطنهم الذي طالما تاقت إليه نفوس اللبنانيين وطلبوا من زمن بعيد أن يتمتعوا به تحت رعاية فرانسا. ولقد شدت حكومة دمشق أيضاً ازر الجرائد التي ما فتئت تحقر وتهين فرانسا وشعبها بصورة مشينة بقدرها ومقامها ناسية مالها من المبادئ السامية.
مقاومة حقوق سائر الدول
كان من الواجب على قائد جيش الحجاز الذي احتل سوريا أن يبقى أهاليها “كعثمانيين” إلى أن تمضي تركيا معاهدة الصلح ويحافظ على الحالة كما هي دون إحداث تغيير طالما لم تمض تركيا المعاهدة.
فجنابكم جريتم على عكس ذلك بقبضكم زمام الإدارة العليا وتقريركم وجوب لتجنيد إعتباراً من شهر ديسمبر 1919 حتى على تبعة سائر الدول كالبنانيين والمغاربة الموجودين بدمشق وحمص وحلب في حين أنه لم يقرر مصير البلاد بعد.
عقدتم المجلس الملقب بالمؤتمر السوري المنتخب بصورة غير قانونية ليسن القوانين ويحكم باسم حكومته التي لم يعترف بها بصورة رسمية ولا قانونية. وفضلاً عن هذا كله فإنكم لم تراعوا حقوق الغير كالقائكم القبض بصورة فظة غير أدبية على أحد رعايانا في حلب ذلك هو الأمير سليل بيت عائلة عريقة في النسب.
وزد على ذلك الأمور السياسية الغير مرضية التي ارتكبتموها نقضاً لما عاهدتم به الموسيو كليمنصو بمعاهدة امضيتموها في ديسمبر 1919 حيث ارسلتم فرقة من الجيش العربي فاحتل المجدل.
ايقاع الضرر بسوريا وفرانسا
لقد حالت ما جريات الأحوال المار ذكرها دون إمكان الحكومة الفرنساوية من القيام بما يعود على ترقية شئون البلاد وحصرت مساعيها في تعزيز موقعها العسكري لتكون قادرة على قطع دابر الأشقياء والعصاة الذين لم يخضعوا أخيراً الا بقوة جنودنا.
أسباب كهذه اضطرتنا الا نثق بحكومة مضايدة لنا. ولا حاجة للاسهاب في ذكر الضرر الذي حل في البلاد من جراء سياستها الخرقاء.
لقد برهنت يدها في توطين الأمن في البلاد وتوفير أسباب رقيها وعمرانها مما أوجب فرنسا ان تتخذ جميع الوسائل لتضع حدا فاصلاً لهذه الحالة وتحافظ على عسكرها وسكان سوريا خصوصاً بعد ان القى مؤتمر الصلح على عاتقها عبء الانتداب الثقيل.
وعليه فإن الحكومة الفرنساوية خولتني الصلاحية التامة بأن أطلب منكم ما يلي:
1- تسليم الخط الحديدي ما بين الشم وحلب إلى فرانسا.
2- التعامل بالنقود السورية في الحكومة العربية.
3- تسليم العصاة الموجودين في دمشق.
4- قبول الانتداب الفرنساوي بدون قيد وشرط.
5- ابطال الجندية الجبرية.
فيجب عليكم أن تجاوبوني بوجوب القبول أو عدمه قبل فوات الأجل المضروب وأن تصدروا الأوامر اللازمة فيما اذا قبلتم للمحلات الإيجابية بعدم الوقوف بوجه جنودي عند احتلالها المواقع المار ذكرها وأن لا يتأخر جوابكم عن 18 يوليو ولا يتجاوز تطبيق المواد على 31 منه.
إما اذا انقضت المدة المعينة ولم يرد جوابكم فبكمال الاحترام اعرفكم ان الحكومة الفرنساوية تكون معذورة في اخراج المواد لحيز الفعل بقوة جنودها غير مسئولة عن الأضرار التي تلحق بسوريا وأمتها فالتبعة لاحقه ولا ريب بحكومة دمشق وحدها وأني لأسف جداً على اضطراري لهذا الانذار فالحالة هي التي أوجبتني اليه عاقد النية على السير إلى النهاية.
المراجع والهوامش:
(1). الحصري (ساطع)، يوم ميسلون، صفحة من تاريخ العرب الحديث،منشورات وزارة الثقافة، دمشق عام 2004م، صـ 291-296
المراجع والهوامش:
(1). الحصري (ساطع)، يوم ميسلون، صفحة من تاريخ العرب الحديث،منشورات وزارة الثقافة، دمشق عام 2004م، صـ 291-296