مفتي حلب الشيخ محمد الحكيم
(1323 ـ 1400هـ 1905 ـ 1980م)
ولد في حلب
الشيخ محمد أبو السعود بن الشيخ عبد القادر ابن الشيخ الطبيب محمد الحكيم الحلبي الحنفي. (جدّه هذا من أوائل الأطباء الحلبيين الذين درسوا علم الطب الحديث في مدينة حلب)
نشأ في حي (البياضة) برعاية أسرة عرفت بالعلم والتقى، قرأ القرآن الكريم، وتلقى مبادئ العلوم العربية والدينية في كتّاب الحي، ثم راح يحضر حلقات العلماء في المساجد، ولما افتتحت المدرسة (الخسروية) ـ بنظامها الجديد ـ أبوابها لطلاب العلم، كان الشيخ المفتي من أوائل المنتسبين إليها، وذلك سنة: 1338هـ.
في المدرسة (الخسروية) التقى كوكبة من علماء حلب الأجلاء ..فأخذ عنهم، وشرب عن منابع علومهم الثرة، فقرأ علم التلاوة والتجويد على الشيخ نور المصري، والشيخ محمد أسعد العبجي، والتفسير على الشيخ أحمد الشمّاع، وأخذ علم الفقه الحنفي على شيخه الشيخ أحمد الزرقا، ودرس علم الأصول على الشيخ أحمد الكردي، وتلقى علم التوحيد، والمنطق والتربية والأخلاق والفرائض على الشيخ فيض الله الأيوبي والشيخ عيسى البيانوني والشيخ محمد الحنيفي والشيخ عبد الله المعطي، ودرس النحو والصرف والبلاغة على شيخه الشيخ أحمد المكتبي والشيخ محمد الناشد، أما الحديث النبوي الشريف، فقد كان لشيخنا المفتي ولع خاص به، فقد لزم فيه شيوخه المحدثين الكبار كالشيخ محمد كامل الهبراوي، والشيخ محمد راغب الطباخ، وحصل على الإجازة العامة منهما في الحديث النبوي الشريف.
ولما وصل إلى الصف الخامس، سافر إلى مصر ليتم تعليمه في أزهرها الشريف، لكنه لم يطل المقام هناك، فما لبث أن غادرها بعد سنة ليعود إلى حلب، ويرجع إلى مدرسته (الخسروية) ورفاقه في الصف السادس، وتخرج فيها بعد عام بتفوق مع زملائه في الدفعة الأولى، سنة: 1345هـ.
انتسب إلى مدرسة الحقوق بدمشق، ودرس القانون والحقوق وتخرج فيها، سنة: 1360هـ.
خاض بعدها غمار الحياة، مشاركا أبناء وطنه في مقاومة الاحتلال الفرنسي، عاملاً على إيصال الحقوق لأصحابها، من خلال عمله في القضاء، ناشراً العلم والمعرفة في دروسه في المدارس العلمية والشرعية منبهاً إخوانه ومواطنيه إلى الأخطار المحدقة بهم في خطبه اللاهبة في الجامع الكبير، وفي مختلف المحافل السياسية والاجتماعية، داعياً إلى توحيد شمل الأمة الإسلامية والعربية، في كثير من المؤتمرات والندوات العربية والإسلامية التي حضرها.
شغل المفتي الشيخ محمد الحكيم عدداً من المناصب الإدارية والقضائية والشرعية منها:
1- قاضي الشرع في أعزاز.
2- قاضي الصلح في مدينة الباب.
3- قاضي المحكمة الشرعية في مدينة حلب.
4- مدرس المواد الشرعية والعربية في عدد من المدارس الحكومية والشرعية والأجنبية، ذلك لإتقانه اللغة الفرنسية، الذي كان يتحدث بها ويخطب كحديثه وخطبته باللغة العربية.
5- مدير الكلية الشرعية ـ الثانوية الشرعية الآن ـ
6- عضواً في مجلس الأوقاف المحلي.
7-عضواً في المجلس الإسلامي الأعلى.
8- عضواً في مجلس الإفتاء الأعلى بدمشق.
9- خطيباً في الجامع الأموي الكبير بحلب.
10- رئيساً لرابطة العلماء المسلمين بحلب.
11-مفتياً لمدينة حلب، اعتباراً من سنة: 1386هـ1967م.
12- نائباً معيناً عن مدينة حلب في مجلس الشعب السوري في دورته الأولى، عام: 1972م.
طيب القلب، عزيز النفس، خلوق، متواضع، لا يحمل غلاّ ولا حقداً حتى على خصومه، الذين يخالفونه في آرائه، ويوجهون إليه مختلف التهم فقد كان يرفض سماع مغيبتهم في مجلسه، ويدعو لهم بالهداية والصلاح.
امتاز شيخنا بالذكاء والتفتح على الحياة العصرية الجديدة، وكان يكره من طلابه الخضوع والتذلل والمسكنة، وينكر هذه المظاهر لدى بعض الشيوخ الذين يرون فيها تواضعاً وليناً.
جميل الطلعة، حليق اللحية، مربوع القامة، إلى الطول أقرب مع صحة تكاد تكون بدانة، أنيق في ملبسه، يرتدي البنطال والقميص الأبيض مع عقدة العنق، وفوفها الجبة الطويلة، ويزين رأسه بعمامة بيضاء، يلفها بإحكام فوق (طربوش) أحمر.
عندما تقدم به العمر، تخلى عن جل مناصبه، ولم يبق إلا على الإفتاء، والخطبة في الجامع الأموي، والتدريس في المدرسة (العثمانية) حيث بقي عليها إلى أن وافته المنية، بعد مرض ألم به، ليلة الجمعة في الحادي والعشرين من شهر ذي الحجة، سنة: أربعمائة وألف للهجرة وصُلي عليه في الجامع الكبير بعد صلاة الجمعة، وشيعته حلب بجنازة تليق بعلمائها إلى مثواه الأخير في مقبرة (الشيخ جاكير)(1).
المراجع والمصادر
1- تاريخ الإفتاء في حلب، لمحمد عدنان كاتبي.
2- حلب في مئة عام، لفؤاد العنتابي ونجوى عثمان.
3- سجلات دائرة الإفتاء في مدينة حلب.
4- سجلات الثانوية الشرعية – الخسرويه ـ.
5- مقابلة شفوية مع شيخنا الشيخ أحمد سردار، أطلعني فيها على مجموع فيه ترجمة للشيخ وصور إجازاته من شيوخه.
6- مقابلات وأحاديث مع عدد من أساتذتنا نذكر منهم شيخنا الشيخ محمد زين العابدين الجذبه، وشيخنا الشيخ محمد بلال، وغيرهم(1).
(1) باسل عمر حريري، الموسوعة التاريخية لأعلام حلب