You dont have javascript enabled! Please enable it!
من الصحافة

الفنان ناجي العبيد.. صاحب البطاقة رقم أربعة

بطرس المعري

يمثّل الفنان السوري محمد ناجي العبيد فئة من الفنانين نصفهم بأنهم “فنانون شعبيون حديثون”. ويستلهم هؤلاء، الذين اكتسبوا تأهيلاً أكاديمياً أو خبرة احترافية في مجال الفن، مواضيع أعمالهم من مختلف جوانب أو مظاهر الحياة في الأحياء القديمة من المدن أو الأرياف والبوادي. وهم يميلون دائماً نحو الرسم الزخرفي الفولكلوري، ونحو التصوير الشعبي. وربما يستدعي بلوغ الفنان محمد ناجي العبيد في هذه السنة المئة من العمر، مناسبة للحديث عنه قليلاً، مشيرين إلى نقاط علاقته بالفنون المحلية والشعبية.

ولد العبيد في دير الزور عام 1918 لعائلة يعود نسبها إلى قبيلة شمر المعروفة، التي هربت من شبه الجزيرة مع غيرها بمجيء آل سعود إلى الحكم كما يقول. بدأ الفنان بالرسم مبكراً في سن السابعة، لكن اهتماماته الأخرى جعلته يلتحق بسلك الشرطة الجنائية في الأربعينيات في حلب ومن ثم جاء إلى دمشق بعد الاستقلال عام 1946 ليلتحق بالأركان. وخلال فترة “الجمهورية العربية المتحدة”، أقام في مصر لدراسة الصحافة والفن في القاهرة نحو عام 1958.

عند عودته إلى دمشق، درّس الفن في ثانوياتها كما أصبح رسّام كتب وخطاطاً، لكن هذه التجربة تعود إلى ما قبل هذه الفترة وتحديداً إلى سنة 1952، عندما عمل في جرائد يومية ومجلات منها مجلة “الجندي”. كذلك شارك في أوائل المعارض السنوية التي بدأت في الخمسينيات من القرن الماضي.

منذ عقود، يحجز فناننا لنفسه مكاناً في سوق المهن اليدوية في دمشق، أحد أهم معالمها وأعرقها ربما. يزور العشرات هذا المكان يومياً ليستمتعوا بأعمال الفنان الذي يرتدي نظارات سوداء لا يخلعها عن عينيه أبداً وبحديثه الشيّق. فلدى العبيد في هذا السوق الذي يقع قرب التكية السليمانية مخزن متواضع المساحة، يعرض فيه أعماله كما يرسم أحياناً.

على واجهته نقرأ اسمه وتحت اسمه رقم عضويته في نقابة الفنانين (4) في إشارة منه لريادته في هذا المجال. وعندما ندخل إلى هذا المكان يصدمنا ذلك الكم من اللوحات المكدّس فيه، المعلّق على الجدران والملقى على الأرض أو المعلّق مثل الغسيل على حبل مشدود. ووسط الحجرة، يضع “مكتبه” المكوّن من كرسي وطاولة ضيقة مغطاة بالأعمال ومواد العمل.

نكاد لا نجد مكاناً لنتحرّك، لكن هذا الفضاء يبدو له كافياً لكي يبدع ويسوّق أعماله بعيداً عن صالات العرض، مكتفياً بتواضع المكان والسعر. عن هذا يقول العبيد في أحد اللقاءات الصحافية: “هذا الإبداع أبيعه بشكل رخيص نسبياً ليكون في متناول المتلقي، الذي سيحافظ عليها (أي اللوحة) لأنه أحبها”.

وعن علاقته بدمشق، تحدّث العبيد في حديث مسجّل يعود إلى سنة 1999 عن تعلقه الكبير بالمدينة وببيئتها وأجوائها الحميمة، لا سيما خلال فترة شبابه: “كنت مسحوراً بها، أسترسل في الحلم وأنا أتنزه في أزقتها، لامساً جدران قلعتها. كنت أشعر فيها بخطى الفرسان العرب المارين تحت أبوابها […] والصبايا يلقين عليهم نظرات خجولة من خلف الستائر. في دمشق رأيت صندوق العجائب وحضرت مشاهد الكركوز والحكواتية في المقاهي لكي أنجز رسوماً أولية حول انعكاسات هؤلاء الذين كانوا يحيون هذه العروض على الجمهور المستمع”.

يمارس العبيد فن التصوير الزيتي، ويميل أسلوبه حيناً إلى التكعيبية، وحيناً إلى الرمزية وأحياناً إلى الواقعية بأسلوب أقرب إلى الأعمال الشعبية وأحياناً ينسخ أو يستلهم من اللوحات الاستشراقية. وتُحدّ أعماله ببضعة مواضيع، أكثرها شيوعاً وخصوصيةً هو لصورة وجه أنثوي يرتاح على خلفية تشتمل على أشياء مما يستعمله البدو أو سكان القرى أو على زخارف هندسية.

ويلغي الفنان البعد الثالث فيسطح العناصر ويحيطها بخط أسود، كما يلجأ أحياناً إلى الخط العربي ليغني لوحته، ويصوّر أحياناً الأيقونات المسيحية أو يخط أقوالاً وجملاً يستقيها من الكتب الدينية ومن أقوال الشعراء. ويتباهى العبيد بأنه “اختصاصي” الرسم على الزجاج لعنترة وعبلة.

ويروي من خبرته: “فكرت بأن أنجز عملاً محلياً أصيلاً، وبهذا فقد وصلت إلى شهرة عالمية. ففي مصر، اكتشفت الفن الشعبي. وفي الواقع، لدى المصريين والسوريين الموروث الشعبي نفسه، ويتجلى الاختلاف بينهم في طرق المعالجة والتناول. ولقد رسمت صورة عنترة وعبلة، على الرغم من أنني رسام محترف متأثر بمحلية واعية…”.

وفي ما يخص رسومات عنترة وعبلة هذه، التي كان يرسمها على الزجاج، لم يجر عليها أي تغيّر مهم منذ بدايات مسيرته، إلا لجوءه إلى طباعتها في ما بعد على القماش باللون الأسود بدءاً من عام 1963 ومن ثم توشيحها بالألوان تبعاً لرغبة الزبائن، كما قام بطباعة بطاقات بريدية منها لتصبح في متناول جمهور واسع من السيّاح والمهتمين.

في كل مقابلاته الصحافية، يذكّر العبيد بأنه واحد من أغنى الفنانين في العالم، بامتلاكه مجموعة أو ثروة من الأعمال الفنية والتحف التي تتجاوز قيمتها ملايين الدولارات، منها لوحات عالمية وأخرى نادرة لملوك وأشراف عرب. ولا نريد هنا التشكيك في ما يقوله الفنان، لكننا لم نرَ حتى الآن شيئاً من هذه الأعمال، وإن كانت الصور والفيديوهات التي تصوّر في منزله تشي بوجود ثروة لا نعرف مدى أهميتها الحقيقية، وربما كان من الجميل لو يُقام معرض لها ولأعماله التي فاقت على حد قوله الخمسة آلاف عمل.

المصدر
بطرس المعري، صحيفة العربي الجديد، عدد 26 شباط 2018



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى