وثائق سوريا
رسالة الملك فيصل إلى الرئيس الأميركي ولسن 1920
رسالة الملك فيصل إلى الرئيس الأميركي ولسن
عندما عقد الاتفاق الفرنسي الإنكليزي الذي وقعه لويد جورج وكليمنصو والقاضي بتطبيق اتفاقية سايكس بيكو التي طرحت نفسها مجدداً بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الساحة الدولية بعد مؤتمر السلم في باريس نتيجة رفض الكونغرس الأميركي ذو الأغلبية الجمهورية على مشروع الرئيس ولسن الديمقراطي المتضمن انتداب الولايات المتحدة الأميركية على سورية. انعقد المؤتمر السوري العام وأعلن عدة مقررات أهمها إعلان استقلال سورية وتتويج الأمير فيصل ملكاً على سورية في صباح الثامن من آذار عام 1920م. وبعد تتويجه ملكاً أرسل رسالة إلى الرئيس الأميركي ولسن،هذا نصها:
رسالة الملك فيصل إلى الرئيس ويلسن
يا فخامة الرئيس:
إن البلاد العربية المحررة من النير التركي (سورية وضمنها فلسطين- والحجاز والعراق) قد رزحت عدة قرون تحت الضغط وسوء الإدارة، وحال التوازن الدولي في أوربا دون نجاح مساعي العرب التي كانت ولا تزال ترمي إلى إعادة كيانهم القومي، والتمتع برغيد العدل. وعندما نشبت الحرب الكبرى وأخذت الأمم تخوض غمارها الواحدة تلو الأخرى، هب العرب وانحازوا إلى الحلفاء، بعد أن أعلنوا الحرب على الترك، وشقوا عصا الطاعة لخليفة المسلمين، الأمر الذي نجم عنه عدم انتشار دعوة الخليفة وجعلها هباء منثوراً. ولم تقف المسألة عند هذا الحد بل نشط المسلمون، بعدما رأوا منا ما رأوه من صدق العزيمة، وانضموا إلى الحلفاء بعد أن ناضلوا بحماسة وإخلاص وساعدوهم على إحراز الظفر الباهر.
وكان العرب يتوخون من قيامهم أن يصلوا إلى تحقيق أمانيهم التي اعترف بصوابها جميع الحلفاء، وأخص بالذكر منهم دولة بريطانيا العظمى، وقد قبل الحلفاء بارتياح مبادئكم السامية التي وضعتوها وبينتم فيها أن القصد من هذه الحرب هو تحرير الشعوب لا السعي وراء الظفر، وذكرتم أن لكل أمة الحق في اختيار مصيرها ونوع الحكومة التي تتوسم بها الخير لبلادها، سيما سورية، فإنه سيكون لها الحق في اختيار الشكل الذي تريده. وبعد أن استوثق العرب من هذه المواعيد، خاضوا غمار الحرب، وقلوبهم ملأى ثقة واطمئناناً بأن حلفائهم لابد أن ينجزوا مواعيدهم للأمة العربية، عندما تلقى الحرب أوزارها.
وقد انقسمت سورية عقب الهدنة إلى أربع مناطق إدارية، وذلك وفقاً لمعاهدة سرية لا نعلم من حقيقتها شيئاً. فحنق الشعب عندما رأى ما آلت إليه حالة بلاده، ولم يسكن جأشه إلا بعد التأكيدات العديدة بأن هذه التقسيمات وقتية لابد أن تضمحل مع الحكم العسكري. ولم يطل هذا الأمر حتى ذاع خبر اتفاق عقد بين بريطانيا العظمى وفرنسا يؤول إلى فرط عقد البلاد وتقسيمها. فكان لهذا النبأ وقع سيء في النفوس، حتى أن الشعب عيل صبراً، ورجع بعضه إلى امتشاق الحسام للذود عن وحدة سورية التي أصبح أمرها مبهماً. وبما أن القسم الشمالي من سورية يتاخم بلاداً لا تزال تتأجج فيها نيران الثورات، أوجسنا خيفة من أن يتشرب ذلك الاضطراب إلى سورية بأجمعها.
ولم يُرَ دواء لتلافي الأمر أنجع من جمع المؤتمر السوري المنتخب من الشعب، وإعلان استقلال سورية، والمناداة بي ملكاً عليها، مما أدى إلى إرجاع الأمن إلى نصابه في البلاد- وكل هذا يتفق مع مواعيد الحلفاء وتصريحاتهم. بما أننا لا نطلب إلا حقاً منحتنا إياه الطبيعة، وزكته دماؤنا في الحرب، وأيده تاريخنا، فإننا نتوقع أن يتلقى الحلفاء حكومتنا الجديدة بارتياح، ويمهدوا ما يعترضنا من العقبات في سبيل التقدم.
وإننا لا نرغب سوى أن نعيش بكل طمأنينة وسلام، تحت راية السلم العام، ونحترم منافع الحلفاء في بلادنا، ونحافظ على حقوق الغرباء كافة.
إن تقسيم سوريا الحاضر هو حجر عثرة في سبيل رقيها الاقتصادي والسياسي، ولا يمكن أن يخيم السلام فوق ربوعها إلا بعد أ، تؤمن وحدنها ويضمن استقلالها.
ولي وطيد الأمل بأن فخامتكم تستفيدون بما لكم من السلطة والنفوذ للذود عن قضيتنا هذه، وفقاً لمنطوق مبادئكم الحق.
وأقبلوا فائق احترامي الخالصة.
دمشق في آذار/ 1920م
المخلص لكم
فيصل
المصدر:يوم ميسلون- صفحة من تاريخ العرب الحديث، ساطع الحصري، منشورات وزارة الثقافة، دمشق 2004.