قراءة في كتاب
قراءة في كتاب – وثائق تجارة السلاح الألماني في الجزيرة العربية
حلمي النمنم- ملحمة نضالية بالسياسة والسلاح
شقة القاهرة تعود إلى أحد أحفاد السيد محمد رشيد رضا، وبها مجموعة من الأوراق القديمة مودعة في عدة صناديق وكراتين، وأتيح للدكتور عمر رياض أن يطلع عليها مصادفة في تردده على ذلك الحفيد، وتبين فيها عدة رسائل خاصة واردة إلى رشيد رضا من شخص في ألمانيا يدعى زكي كرام، د. عمر يعمل في هولندا، لكنه سافر إلى ألمانيا وحاول البحث عن العنوان الذي كانت تحمله الرسائل الواردة من ألمانيا، وتوصل إليه من الدليل، فوجد أن نجل صاحب الرسائل يسكن هناك واتصل به وذهب إليه، فوجد كل الوثائق والرسائل التي نشر الكثير منها في هذا الكتاب.
عنوان الكتاب طويل جدا “وثائق تجارة السلاح الألماني في الجزيرة العربية.. قراءة في أرشيف زكي كرام”.
ولد زكي كرام في 25 مايو عام 1886 في مدينة دمشق، لعائلة من أصول فارسية وكان جده الطبيب الخاص لشاه إيران المتوفى عام 1834 ثم ترك الجد طهران وتوجه إلى دمشق ليستقر فيها هو وعائلته نهائيا.
بداية دمشقية
بدأ كرام دراسته الأولى في مدرسة عسكرية بدمشق ثم انتقل إلى اسطنبول ليكمل دراسته هناك، في الأكاديمية العسكرية العثمانية وعين ملازما في الجيش العثماني سنة 1894 وأرسل إلى البلقان لقيادة كتيبة عثمانية لمحاربة الميليشيات الصربية هناك، وفي أثناء الحرب العالمية الأولى عين قائدا لقوات البدو في العريش في شبه جزيرة سيناء، وتعرض لإصابة شديدة في ساقه اليسرى وهو على مقربة من قناة السويس في سنة 1916، نقل على إثرها إلى المستشفى في مدينة القدس ولم يتم علاجه فنقل إلى برلين للعلاج في أحد مستشفياتها الشهيرة في نوفمبر سنة 1917، وكانت العلاقات العثمانية الألمانية القوية أثناء الحرب تتيح للجرحى العثمانيين تلقي العلاج والرعاية على أعلى مستوى في أكبر المستشفيات الألمانية، وبعد سنتين من العلاج، قرر الأطباء ضرورة بتر ساقه اليسرى في أكتوبر 1919 من القدم وإلى ما فوق الركبة، وظل مقيما في برلين حتى وفاته سنة 1946 وكان يقضي وقته في التردد على القنصلية العثمانية في برلين ليقبض معاشه الشهري إلى جانب العديد من الأنشطة هناك، وتردد على الطلاب المصريين والعرب المقيمين في برلين ولاحظ الخلافات السياسية بين هؤلاء الطلاب أيام ثورة 1919 وكانت قضية الاستقلال تشغلهم، ثم أخذ يكاتب من ألمانيا بعض الصحف المصرية ومن بينها مجلة “المنار” التي يرأس تحريرها رشيد رضا، وكان زكي يرسل إلى رشيد ليحيطه علما بآراء بعض المستشرقين في الإسلام والمواقف المعادية له عموما، وقد أفاد منها رشيد رضا في العديد من دراساته بـ”المنار” وتعرف زكي كرام إلى شخصية مهمة، هي الأمير شكيب أرسلان والتقاه في ألمانيا ولعب زكي دورا مهما، فقد كتب على لسان أرسلان سنة 1925 إلى عصبة الأمم البيان الذي يطالب باستقلال سوريا، وعبر رشيد رضا وشكيب أرسلان تعرف زكي إلى العديد من الشخصيات العربية والإسلامية وكان زكي كرام عروبيا وإسلاميا بحق، يمكن إن نعتبره مصريا وشاميا وحجازيا ويمنيا وعراقيا، فقد اتصل بالعرب والمسلمين المقيمين في أوروبا وصار أحد الأعضاء المؤسسين للمؤتمر الإسلامي الأوروبي الذي عقد بجنيف في سبتمبر سنة 1935 تحت رئاسة الأمير شكيب أرسلان، وكان التحضير للمؤتمر قد بدأ قبله بعامين عن طريق صحفي وقانوني مصري هو محمود سالم بك، وكان يقيم في فرنسا وتربطه علاقة وثيقة بكل من رشيد رضا وشكيب أرسلان.
مقالات ألمانية
كتب زكي عدة مقالات بالألمانية في المجلات الألمانية المتخصصة حول الإسلام والدفاع عنه ضد هجمات بعض المستشرقين، وقد حاول أن يصدر مجلة باللغة العربية في ألمانيا يدافع فيها عن الإسلام وحقوق العرب سياسيا ودينيا، لكن حال دون ذلك ضعف إمكاناته المالية.
واستغل زكي كرام وجوده في ألمانيا وخبراته العسكرية فاطلع على الأسلحة الألمانية وتردد على مصانع تلك الأسلحة بها واتصل بالحكومة المتوكلية في عهد الإمام “يحيى إمام” اليمن وأمكنه توريد كميات من البنادق الألمانية إلى حكومة الإمام وحقق من ورائها أرباحا ضخمة وكانت الحكومة اليمنية في حاجة ماسة إلى سلاح ولم يكن لديها سوى بنادق قديمة تركها الجيش العثماني سنة 1918 إثر حروب على القبائل، وبعض أسلحة نمساوية استوردها وكيل شركة سلاح نمساوية وكان يهوديا يمنيا، لذا تمسكت حكومة اليمن بعرض زكي كرام الذي وفر الكميات والنوعيات التي كانوا يريدونها.
فتح ذلك شهية زكي كرام فراسل الأمير فيصل بن عبدالعزيز – الملك فيصل فيما بعد – ليرسل أسلحة إلى الملك عبدالعزيز في فترة قيامه بتوحيد المملكة العربية السعودية وتوجد مراسلات بينه وبين الأمير فيصل منشورة في الكتاب، لكن ليس هناك ما يشير إلى أن الأمير فيصل وافقه على شراء سلاح ألماني، ثم راسل الأمير جابر الصباح أمير الكويت لهذا الغرض ومن بعده حكومة العراق والملك فيصل – ملك العراق – وكان زكي من المعجبين به واتصل أيضا بقادة التحرير في شمال أفريقيا تحديدا في مراكش، وعاونهم في إرسال أسلحة ألمانية إليهم، ساعدتهم في مواجهة الاحتلال الفرنسي لبلادهم.
ولما انهارت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية ودخلت القوات الأميركية برلين، تم اعتقال زكي كرام لسبب ليس واضحا تماما، لكن يبدو أن تجارته في السلاح كانت سببا لذلك، وربما اعتبروه نازيا بسبب علاقاته الواسعة مع الألمان، خاصة أنه حارب إلى جوارهم في الحرب العالمية الأولى واعتقل في المستشفى الميداني العام للجيش الأميركي كأسير، وكان يعالج من سرطان البروستاتا، وتوفى عام 1946 وطويت صفحته، ولم يعرفه أحد من العرب، خاصة أنه كان متزوجا من ألمانية ودفن في مقابر المسلمين هناك، ولم يرد أي ذكر له من يومها، خاصة أن من كانوا يعرفونه مثل الأمير شكيب أرسلان ماتوا في الفترة نفسها.