مختارات من الكتب
هل تعاطف شكيب أرسلان مع الفاشية؟
من كتاب الصراع الإيطالي - الفرنسي على بلاد الشام 1860 - 1941
شعرت إيطاليا الفاشية بأهمية مكانتها في أوربا بعد السلام مع الكنيسة الكاثوليكية والتوافق بين موسوليني وهتلر في لقاء فيينا في الرابع من حزيران 1934م، وكان قيام عدد من المنظمات الفاشية في دول أوربا بمسعى وتمويل من روما أن زاد من ثقلها السياسي على الصعيد العالمي.
وحسم “بير لافال” التردد الفرنسي لصالح علاقات جيدة مع موسوليني وذلك عند توليه منصب وزير الخارجية. إذ اعتبر التحالف مع الطليان شرطاً ضرورياً للتهدئة في أوربا وعامل ضغط على هتلر كي يظهر كثيراً من المرونة في سياسته الخارجية.
في مطلع كانون الثاني 1935م، التقى لافال بموسوليني خلال زيارته إلى روما. وفي وقت كان الدوق ينهي استعدادته للاستيلاء على الحبشة في ظل توافق دولي لن يجد موسوليني صعوبة في التوصل مع الوزير الفرنسي إلى إتفاق يضمن تنازلات لصالح روما في ارتيريا وجنوب تونس. لكن المهم كان إطلاق يد موسوليني في الحبشة.
ما حصل من تغيرات في كل من إيطاليا وألمانيا وبقيادي موسوليني وهتلر كانت تصل أخباره إلى العالم العربي فاستساغها بعقليته التقليدية وتمناها لنفسه.
ولم يكن غريباً أن يتناقل العرب بإعجب أخبار هذه الدول وبروزها على المسرح العالمي ويتابعوا ما حققته من إنجازات ويعطوها تمنياتهم ومحبتهم نكاية بأعدائهم في فرنسا وبريطانيا.
ولم تجد النخب العربية حرجاً في تنمية العلاقات الودية مع زعماء مع زعماء الفاشية والنازية من أجل الدفاع عن قضاياهم الوطنية وإقناع أصحاب الرأي والنفوذ بعدالة قضاياهم.
وتداولت الصحف المحلية والأجنبية أخباراً عن مدى التواصل العربي مع روما الفاشية وبرلين النازية ولاسيما الدور المميز للأمير شكيب أرسلان الذي تعرض لهجوم عنيف بهدف تشويه ممارساته السياسية أمام الجمهور العربي وذلك بإيعاز من مصادر فرنسية وبريطانية.
وقد أثارت علاقاته بإيطاليا تحفظاً لدى عدد من الصحف الفلسطينية مثل صحيفة فلسطين. وقد نشرت صحيفة “لسان الحال” في تواريخ مختلفة من عام 1935م، ما تعرض له الأمير من افتراءات بشأن علاقته بموسوليني وردوده عن حقيقة هذه العلاقة:
-19 نيسان 1935: نشرت الزميلة “ألف باء” تحت عنوان كبير ” وثيقة خطيرة” كتاباً زعمت أن مراسلها في فلسطين قد أرسله إليها بالهاتف. الكتاب مرسل من الأمير شكيب أرسلان إلى الحاج أمين الحسيني يطلب إليه فيه توسيع الدعاية الإيطالية في البلاد العربية وبثها بمختلف الوسائل، ويقول الأمير في آخر كتابه إنه قد كتب إلى رياض الصلح ليتولى تنشيط الدعاية الإيطالية في البلاد السورية كما أنه قد كلفه بأن يقابل الحاج أمين الحسيني ليعطيه التعليمات اللازمة.
وقد ذهب الناس في تفسير هذه الوثيقة الخطيرة مذاهب شتى وأكثرهم ذهب إلى إبعاد رياض الصلح إلى القامشلي ربما كان تحت تأثير هذا الكتاب الذي أخذته “ألف باء” من مرجع قد لا يكون من مراسلها في فلسطين.
-24 نيسان 1935: انقسم الرأي العام العربي حول رسالة الأمير شكيب أرسلان:
-تجزم صحيفة “الجامعة الإسلامية” بأن الكتاب مصدره خط الأمير وتوقيعه، فيما تقول صحيفة “الجامعة العربية” بوجود تزوير.
-26نيسان 1935: بعث شكيب أرسلان برسالة يكذب خبر الوثيقة، وأنه عازم على إقامة دعوى ضد المزورين.
-27 نيسان 1935: جاء في العدد الأخير من مجلة “الأندلس الجديدة” الصادرة في البرازيل نقلاً عن نجيب العسراوي يقول :”وصلني من الأمير أن الحكومة الإيطالية التي صلحت أغلاطها مع العرب مؤخراً وعزلت صاحب فظائع طرابلس الغرب، وأعادت بقية عرب الجبل الأخضر إلى أراضيهم بعد أن كانت أبعدتهم إلى وادي سرت. كما أوعزت صاحب فظائع طرابلس الغرب، وأعادت بقية عرب الجبل الأخضر إلى أراضيهم بعد أن كانت أبعدتهم إلى وادي سرت.
كما أوعزت إلى سفرائها أن يكرموا العرب ويساعدوا المسلمين على إشادة المعابد، ودعت إلى روما كثيراً من الشباب العربي لتعليمهم على نفقاتها، وعقدت صلحاً مع الوفد السوري بطلب من زعيمها موسوليني.
-11 أيار 1935: نفى المفتي أمين الحسيني وعادل أرسلان الأخبار المتعلقة بكتاب الأمير شكيب أرسلان.
– في 21، 22، 23 أيار 1935 نشرت صحيفة “لسان الحال” :” نص كتاب الأمير إلى جميل بيهم يفند فيه مزاعم التهم الموجه إليه فيقول: ” اجتمعت بموسوليني في 12 شباط 1934 لمدة عشر دقائق – وقابلته في 15 شباط لمدة نصف ساعة قدمت له ثلاث مذكرات بشأن القضية السورية والفلسطينية والطرابلسية. وإن ذهابه إلى عواصم القرار ليس معنا الدعاية لهم. فإن إيطاليا لها مواقف عديدة في جمعية الأمم تطالب باستقلال سورية كما أنه لم يسمع عن إيطاليا كلمة واحدة تدل أنها مشتركة في مشروع تهويد فلسطين. ومعلوم عند كل الناس أنه لما حصل ما حصل من فظائع في طرابلس هاجمنا إيطاليا وبدون أي تبجح وتبنينا موقف المعارضة من موسوليني في مجلة “Le nation arabe” .
ويستطرد الأمير، أنه هاجم موسوليني شخصياً عندما هاجمت القوات الإيطالية الثوار الليبيين وعذبتهم مما أدى إلى قيام مندوب الدوق بزيارة إلى الأمير يستعلم عن سبب هذه الهجمات. وفي مكان آخر يقول الأمير : “إن ذهابه إلى إيطاليا كان من أجل سورية وفلسطين، وقطع العلاقة مع موسوليني بسبب الأحداث الطرابلسية. وأن نتيجة تدخله لدى موسوليني مجدداً كانت عودة القبائل العربية إلى أرضهم التي كان الجنرال غراسياني قد أخرجهم من موطنهم في الجبل الأخضر ووضعهم ضمن الأسلاك الشائكة في صحراء سرت وفي ختام رسالته لا ينكر الأمير إعادة تجديد العلاقة مع موسوليني فيقول :” على الأقل وجدنا زعيماً يريد أن يدخل في طريق الوئام وينسى المسلمين ما مضى من العداوة. وأتى بأفعال بارزة للعيان تدل على هذه الإرادة..” ويبرر الأمير عمله بأنه جاء رغبة من زعماء طرابلس الذين كانوا يبعثون برسائل إليه لإيصالها إلى روما وكذلك بناء على رسائل مسلمي الحبشة التي تطالب بالمساعدة”.
يلاحظ أن العلومات التي وردت في كتاب شكيب أرسلان إلى جميل بيهم تصيب الحقيقة لأنها تتقاطع مع ما كتبه الأمير في مجلته باللغة الفرنسية ” Le nation arabe” مع إضافة أن تلفيق التهمة له بالنسبة لعلاقته مع إيطاليا هي من صنع الصهاينة الذين “مولوا هذه البذاءة”.
هذا ولم يكن الأمير يستسيغ هجوم البلشفيين في سورية ولبنان على الفاشية، وقد أدرجها في سياق إسقاطها بهدف الثأر للشيوعيين الذين وجه إليهم موسوليني صفعة قوية في إيطاليا.
في هذا الظرف لم يكن تعاطف شكيب أرسلان مع الحالتين النازية والفاشية حالة معزولة في الوطن العربي بل شملت معظم القوى السياسية والنخب الفكرية.
اقرأ:
شكيب أرسلان |
حسن الشامي : شكيب أرسلان.. مثقف جبلي بين “العثمانية” والعروبة.. |
سورية عربية أولاً وآخراً للأمير شكيب أرسلان |
صورة نادرة للأمير شكيب أرسلان وهو قائمقام الشوف في لبنان |