عمرو الملاّح – التاريخ السّوري المعاصر
توطئة
بدأ عام 1919 بعقد مؤتمر الصلح في باريس، واشترك الأمير فيصل في أعماله جنباً إلى جنب مع ممثلي كل من الدول المتحالفة والمؤتلفة. وقد طرحت المسألة السورية على بساط البحث؛ فطالب الأمير بإنجاز وعود الحلفاء المعلنة والمتعلقة بوحدة البلاد السورية واستقلالها. وفي مسعى للتوفيق بين مطالب فرنسا وبريطانيا المنتصرتين في الحرب العالمية الأولى ومبدأ حق تقرير المصير الذي طرحه وودرو ويلسون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أقر المؤتمر في 21 آذار من عام 1919 إرسال لجنة تحقيق دولية بعدد متساو من الأعضاء يمثلون الدول الكبرى لاستقصاء رغبات السكان في المنطقة والتحقق من الوضع، وعلى أساس الوقائع المكتشفة يمكن إرساء العدالة وتأمين السلام.
لم ترغب فرنسا لأي لجنة بالدخول إلى البلاد من أجل التحقيق إلا إذا ما شمل العراق وفلسطين كما سيشمل سوريا. ووقفت بريطانيا موقف الفتور من إرسال اللجنة نظراً لخلافها الدائر مع فرنسا حول حدود الموصل وبسبب من الضغط الصهيوني. فقرر الرئيس الأمريكي ويلسون الذي تبنى فكرة التحقيق، أن تتولى الولايات المتحدة وحدها الأمر، وقد دعيت هذه اللجنة (الهيئة الأمريكية من اللجنة الدولية حول الانتداب في تركيا) وعرفت اختصاراً باسم (لجنة كينغ _كراين).
عودة الأمير فيصل إلى البلاد وتهيئة السوريين أمام لجنة كينغ – كراين
أشار الأمير فيصل في خطابه الذي ألقاه في دمشق بعد عودته من رحلته الأولى إلى أوروبا في الرابع عشر من أيار عام 1919 إلى تأسيس مجلس منتخب من كافة المناطق السورية يكون الوسيلة الوحيدة لإقناع “لجنة كينغ-كراين” التي أقر مؤتمر الصلح إرسالها بشرعية المطالب العربية. وكانت الحركة الوطنية تسير في الاتجاه ذاته من أجل تزويد نظام الحكم بقاعدة دستورية تبين للجنة القادمة رأي الشعب في مصير البلاد، ثم تعين شكل الحكومة ونص قانونها الأساسي (الدستور). وتقدم عدد من المسؤولين من أعضاء حزب “الاستقلال العربي”، الواجهة العلنية لجمعية “العربية الفتاة”، وكان بمثابة الحزب الحاكم في الدولة العربية الوليدة، بمقترح تشكيل مجلس نيابي وطني سيطلق عليه اسم “المؤتمر السوري العام”يتكلم باسم الشعب السوري، وذلك عن طريق إجراء انتخابات شرعية تجمع ممثلين عن المناطق السورية الثلاث- الشرقية والغربية والجنوبية (دون الشمالية أي كيليكيا)- على قدم المساواة. واتفق زعماء البلاد مع الأمير على إجراء الانتخابات بسرعة اعتقاداً بأن لجنة التحقيق سوف تصل سوريا قريباً ويتعين أن يقابلها مجلس نيابي يمثل الشعب بمطالبه(1).
وهكذا، فقد جرت الانتخابات على عجل في المنطقة الشرقية (سوريا الداخلية) حيث كان التشريع العثماني ما يزال سائداً وفقاً لقانون الانتخاب العثماني، الذي كان ينص على أن تجري الانتخاب النيابية باقتراع سري علـى درجتين أو مرحلتين ينتخب في الأولى الناخبون الذكور ممن أتموا الخامسـة والعشريـن من العمـر الناخبين الثانويين الذين ينتخبون بدورهم النواب، وذلك على أساس أن يمثل كل عضو خمسين ألفاً من السكان. والواقع أن انتخابات المؤتمر السوري العام كانت أول انتخابات نيابية تجري في سوريا الداخلية في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وانهيار الدولة العثمانية، بينما لم تسمح سلطات الاحتلال الفرنسية والبريطانية بإجراء مثل هذه الانتخابات في المنطقتين الغربية والجنوبية على التوالي، فشارك ممثلو هاتين المنطقتين في المؤتمر بمضابط توكيل من الأعيان والزعماء. وكان عدد النواب المنتخبين للمؤتمر (85) نائباً يضاف إليهم (35) من رؤساء العشائر والطوائف الدينية أي (120) عضواً، من بينهم عدد من المندوبين المسيحيين يفوق في نسبة التمثيل عدد السكان المسيحيين في البلاد. بيد أن بعض من تم انتخابه في المنطقة الغربية منعته السلطات الفرنسية من السفر إلى دمشق؛ فكان عدد الذين حضروا جلسة الافتتاح التي عقدت في 3 حزيران من عام 1919 – (69) نائباً منتخباً.
عقد المؤتمر خلال فترة انعقاده الممتدة بين 3 حزيران من عام 1919 و19 تموز من عام 1920 ثلاث دورات ترافقت مع مناسبات ثلاث:
أولها عند مجيء لجنة الاستفتاء في حزيران من عام 1919، وهي الدورة الأولى التي أقر فيها المؤتمر مطالب الشعب السوري أمام لجنة (كينغ-كراين) في 7 حزيران من عام 1919 وفقاً لما سيطلق عليه اسم “برنامج دمشق”، وهو ما سوف نُعنى بإبرازه في هذه المقالة.
وثانيها عند حدوث أزمة استبدال الحاميات البريطانية بالفرنسية في تشرين الثاني من العام نفسه وفق اتفاق لويد جورج-كليمنصو الذي تم التوصل إليه في الثالث عشر من أيلول عام 1919 وكرّس اتفاقية سايكس –بيكو المعدّلة في الاتفاق الشفوي بين لويد جورج وكليمنصو في كانون الأول من عام 1918. وتلخص مضمون الاتفاق في انسحاب القوات البريطانية من سوريا وكيليكيا وحلول قوات فرنسية مكانها بدءًا من أوائل تشرين الأول من عام 1919، وأن ينتهي جلاء القوات البريطانية عن سوريا في الأول من تشرين الثاني من عام 1919، وقد اعترض الأمير فيصل بشدة على هذا الاتفاق، ولكن الحلفاء في محاولة لخداع فيصل اعتبروه “إجراءً عسكريًا مؤقتًا” إلى أن يبت مؤتمر الصلح بالوضع النهائي، بيد أنه لم تنطل هذه الخدعة لا على فيصل ولا على نواب المؤتمر السوري العاملين في القضية العربية، الذين” اعتبروه- كما هو الأمر المنتظر- تمهيدًا لتسليم لبنان والمناطق الساحلية في شماله إلى فرنسا لتحتلها احتلالًا دائمًا.
وثالثها قبيل إعلان الاستقلال ومبايعة فيصل الأول ملكاً دستورياً في آذار من عام 1920، وهي إحدى أهم مراحل تحوله من مجلس نيابي تمثيلي سياسي إلى مجلس نيابي يضطلع بوظيفتي الجمعية التأسيسية لوضع أول دستور للبلاد يقوم بموجبه الحكم المستقل المنشود والمجلس النيابي في وقت واحد، وبقي منعقداً طوال المدة التي أعقبت إعلان الاستقلال حتى أواخر تموز من عام 1920، حيث تعطلت جلساته وتم حله بفعل الأمر الواقع الذي فرضته فرنسا بعد فاجعة ميسلون ودخولها دمشق في 24 تموز من العام نفسه (2).
انتخاب نواب حلب للمؤتمر
وجهت حكومة الفريق علي رضا باشا الركابي الدعوة للناخبين الثانويين، وهم الذين قاموا بانتخاب النواب في الدورة الأخيرة لمجلس النواب العثماني المسمى (مجلس المبعوثان) مطالع الحرب العالمية الأولى في ولاية حلب لانتخاب ممثلي تلك الولاية للمؤتمر السوري العام المنعقد في دمشق، الذي كان النائب فيه يسمى (مندوب)(3).
وقد انتهت تلك الانتخابات التي تم إجراؤها في أيار من عام 1919 إلى فوز قائمة ضمت مجموعة من الساسة المخضرمين وعناصر قومية شابة بعضوية المؤتمر(4). ومما هو جدير بالذكر أن انعقاد المؤتمر السوري العام – وهو بمثابة أول مجلس نيابي تشريعي عرفته البلاد- كان الحدث الأهم عقب الانهيار العثماني وبدء عهد الاستقلال الأول، وقد اضطلع بدور محوري في توجيه السياسة السورية مدة سنة كاملة.
وفيما يلي لائحة متكاملة بأسماء نواب ولاية حلب للمؤتمر السوري العام، ويلحظ بعد كل اسم الدائرة الانتخابية التي يمثلها(5):
1 | مرعي باشا الملاّح | حلب |
2 | الشيخ رضا الرفاعي | حلب |
3 | سعد الله الجابري | حلب |
4 | الدكتور عبد الرحمن الكيالي | حلب |
5 | المحامي محمد المدرس | حلب |
6 | حكمت النيال | حلب |
7 | رشيد المدرس | حلب |
8 | الشيخ نوري الجسري | حلب |
9 | سليم جنبرت | حلب |
10 | تيودور أنطاكي | حلب |
11 | جلال القدسي | اعزاز |
12 | الحاج فاتح المرعشي | اعزاز |
13 | صبحي بركات | أنطاكية |
14 | مصطفى لطفي الرفاعي | أنطاكية |
15 | حكمت الحراكي | معرة النعمان |
16 | الشيخ عبد الحميد الجابري | جبل سمعان |
17 | إبراهيم هنانو | حارم |
18 | يوسف الكيالي | حارم |
19 | شريف الدرويش | الباب |
20 | محمود نديم | منبج |
21 | أحمد العياشي | إدلب |
22 | زكي يحيى | إدلب |
23 | فؤاد عبد الكريم | إدلب |
الإحالات المرجعية:
- قاسمية، د.خيرية، الحكومة العربية في دمشق 1918-1920، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 1982، ص 108-109.
- للاستزادة عن المؤتمر السوري ودوراته. انظر الماظ شهرستان، ماري، المؤتمر السوري العام 1919-1920، بيروت، دار أمواج، 2000.
- الحكيم، يوسف، سورية والعهد الفيصلي، بيروت، دار النهار، ط2، 1980، ص 90-91؛ الغزي، كامل، نهر الذهب في تاريخ حلب، تحقيق د. شوقي شعث ومحمود فاخوري، حلب، دار القلم العربي، ط2، 1993، ص 568.
- الحكيم، ص 92؛ الماظ شهرستان، ص41؛ بشور، د. وديع، سوريا: صنع دولة وولادة أمة، دمشق، 1996، ص 273.
- الحكيم، ص 92؛ دروزة، محمد عزة، مذكرات وتسجيلات، دمشق، الجمعية الفلسطينية للتاريخ والآثار، 1986، ص 63؛ الماظ شهرستان، ص 38؛ بشور، ص 273؛ Fournie, Pierre et Jean Louis Riccioli, La France et Le Proche-Orient 1916-1946, Paris, Casterman, p 66-67.