أكرم الحوراني: تصفیة الجیش السوري ھل كانت مطلباً أمیركياً؟
كان أھم ما كشفت عنه مباحثات الوحدة الثلاثیة ھو اعتراف الوفد السوري بالتصفیات الكبیرة التي بدأت في الجیش السوري فور انقلاب الثامن من آذار، ومحاولة الباس ھذه التصفیة لبوسا قومیا الى غیر ذلك من الادعاءات الواھیة.
فخلال الايام الاولى لانقلاب الثامن من آذار 1963 تم تسريح اكثر من 500 ضابط من مختلف الرتب من كوادر الجیش المدربة والمحترفة، وحل محلھم ضباط الاحتیاط من معلمین وموظفین، وكان تسريح ھؤلاء الضباط يتم تحت ذرائع مختلفة بحجة ان بعضھم انفصالي، او ان بعضھم الآخر من البورجوازيین او الشعوبیین او الحورانیین.
يقول لؤي الأتاسي عضو الوفد والضابط الذي نصب رئیسا للدولة السورية بعد انقلاب الثامن من آذار في محادثات الوحدة التي بدأت في الرابع عشر من آذار 1963م، اي بعد سبعة ايام من الانقلاب :
“حتى الان صار “عندي” 300 ضابط مسرح من مختلف الرتب، وماشیین بالتسريح، واي انسان لو أشك انه “ممكن” الا يمشي مع الاتجاه على طول يخرج” كما يقول :”يعني لواء قد يكون المدى بتاعه او المیزانیة بتاعه %25 مؤمنة، احسن من بالماية ماية (اي عدد الضباط اللازم لقیادة لواء) يكون تناقضات ومشلول ودي سیاستنا ( دلوقت” (الطبعة الاولى، دار الاھرام ص 57).
كما جاء على لسان الضابط فھد الشاعر عضو الوفد ما يلي : “ان التجانس العسكري والمدني سیكون دائما العامل المحرك لدفع القومیة العربیة الى الامام وحمايتھا من أي خطر، وانا لا يمكنني ان اتصور وجود ضابط سوري قومي في كتیبة مشاة، وضابط كردي يريد دولة كردية، وضابط شیوعي يدين بلنین وستالین وماركس، وضابط انفصالي يسیطر علیه عامل الدين” ثم يضیف : “ان الاسلوب الذي اشار الیه الفريق الاتاسي ھو المتبع حالیا في الجیش، اي الابقاء على العناصر التي تؤمن بالعروبة والقومیة“.
بعد ذلك يوسع فھد الشاعر مدى التصفیة من المجال العسكري الى المجال المدني، كما يعطیھا معنى التصفیة الجسدية، عندما يقارن الوضع بما حدث في الاتحاد السوفیتي وان “تصفیة سبعة ملايین من الروس لیست امرا مھما بالنسبة للتجانس الذي حققته روسیا،.( وبالنسبة لعدد سكانھا” (المصدر نفسه ص 75)
لقد تعرفت على المقدم صبحي يعقوب وزوجته الحموية في نیسان 1966 في مدينة ستراسبورغ، وكانا منتسبین الى جامعتھا، وذلك بعد الافراج عني من سجن المزة وسفري الى فرنسا للتداوي، فسألت المقدم يعقوب عن سبب تسريحه من الجیش فقال : لأنني من اصل شركسي.
ثم ذكر الدورات المتعددة التي حضرھا في مجال ھندسة المیكانیك ولا بد من الاشارة الى ان القرى الشركسیة الواقعة بین حمص وحماه والتي يقطنھا الشركس منذ العھد العثماني قد انتسب معظم افرادھا للحزب العربي الاشتراكي منذ تأسیسه.
ان عدد المسرحین من الجیش السوري بعد الثامن من آذار من الضباط وصف الضابط قد بلغ الآلاف وامتدت التصفیة الى ضباط الامن (وزارة الداخلیة) وحتى الى طلاب الكلیة العسكرية عندما صرفت دورة كاملة بحجة ان طلابھا جمیعا انفصالیون، ولقد نشرت جريدة الحیاة اللبنانیة بعض قوائم التسريح.
ان ما يلفت النظر الى طبیعة تصفیة الجیش السوري التي بدت وكأنھا نتیجة للصراع عل السلطة، ھو المرسوم الصادر عن مجلس قیادة الثورة في اوائل شھر حزيران 1963 الذي يحدد صلاحیات واختصاصات ھذا المجلس.
لقد اعطى المجلس لنفسه عدا عن السلطات التأسیسیة والتشريعیة والتنفیذية حق تصفیة الجیش وحله كما ورد في
المادة الثامنة من ھذا المرسوم:
“لمجلس قیادة الثورة مناقشة واقرار تسلیح الجیش العامل والاحتیاطي وتكوينه وتخفیضه وحله بناء على اقتراح مجلس الدفاع“.
عندما سمعت بھذا المرسوم وانا في مخبأي اعتبرت ان الحديث عن تخفیض الجیش او حله او تكوينه من جديد ھو رسالة موجھة الى الولايات المتحدة واسرائیل تعلن امتناع سورية عن اي عمل عسكري لمنع اتمام مشروع
تحويل نھر الاردن، وكان المشروع في مراحله الاخیرة، التي سیبدأ الاسرائیلیون بعدھا باستجرار المیاه. وقد جرى الاحتفال باتمام المشروع بعد ما يقرب من العام( خلال الاحتلال العسكري لمدينة حماة (اوائل عام 1964
والقصف الاول لھذه المدينة.
وھنا يحق لنا ان نتساءل :
ھل كانت تصفیة الجیش السوري بعد انقلاب آذار مطلبا امريكیا؟
ھذا الجیش الذي وقف بثبات قبل الوحدة وبعدھا امام اتمام اسرائیل تحويل نھر الاردن ورد الاعتداءات الاسرائیلیة بشجاعة؟