You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

خفايا زيارة اللواء حافظ الأسد إلى لندن

تكشفها وثائق الأرشيف الوطني البريطاني

قام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، عندما كان برتبة لواء وقائدا للقوات الجوية السورية، بزيارة إلى المملكة المتحدة بهدف إجراء فحوصات طبية في ربيع عام 1965. إلا أن ما بني على تلك الزيارة من مغالطات وأكاذيب تجاوز الناحية الطبية بكثير.

حافظ الأسد
© SPUTNIK . EDUARD PESOV

حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد سوريا من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1970 حتى حزيران/ يونيو عام 2000، وخلفه في الحكم نجله، الرئيس الحالي بشار الأسد.

وفي آذار/ مارس 2011 شهدت البلاد حراكا شعبيا، بدا سلميا في أيامه الأولى، إلا أنه ما لبث أن تحول إلى حراك مسلح، مدعوم من قوى عربية وغربية بهدف إسقاط السلطة الشرعية في البلاد.

ترافق ذلك الحراك مع حملة سياسية وإعلامية مدروسة، قادتها حكومات ومنظمات ووسائل إعلام عربية وغربية، لاستهداف الرموز الوطنية السورية، وتشويه صورتها والإساءة إلى تاريخها، وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأمور في البلاد، عدا عن الاتهامات والروايات المستندة في الكثير منها إلى شهادات ليس من سبيل للتأكد من حيادها ومصداقيتها.

ولم يسلم الرئيس الراحل حافظ الأسد من هذه الحملة، فهو مؤسس الدولة الحديثة في سوريا، وباني جيشها القوي، الذي يعد آخر عقبه أمام الحلم الإسرائيلي — الإخواني في المنطقة. لقد كان من المهم لقادة هذه الحملة تشويه تلك الصورة والإساءة لرمزيتها.

فالرجل أتُهِمَ بمهادنة العدو الإسرائيلي واحتلاله لمرتفعات الجولان، كما أتهم بالتعاون مع أمريكا في ملفات لبنان والعراق وغيرهما، حتى وصلت تلك الاتهامات إلى درجة اتهامه بالعمالة لبريطانيا والقول إنها جاءت به على رأس السلطة في البلاد.

تأتي الوثائق التي بين أيدينا والتي تنشرها “سبوتنيك” للمرة الأولى، لتكشف الكثير مما حاولت تلك الحملة وصم الرئيس الراحل حافظ الأسد به.

تبدأ الوثيقة المؤرخة في الثالث من حزيران/ يونيو 1965، والصادرة عن السفارة البريطانية في دمشق، بشكر قدمه السيد ت. إي. إيفانز للسيد أ. سي. جوديسون (السكرتير الأول في السفارة البريطانية في دمشق) على رسالته ذات التسلسلEY 1224، والمؤرخة في التاسع عشر من أيار/ مايو، بما يخص زيارة اللواء حافظ الأسد، وامتنان السيد إيفانز للسيد جوديسون على ما قام به لأجل الأسد خلال وقت الزيارة القصير.

ويكمل إيفانز بالقول: “أنا آسف، لكنني لست متفاجئا تماما بأن الزيارة لم تكن مجدية كما توقعناه منها، وكما قلت، ربما الأسد ليس الهدف المثالي لنا”.

على كل حال ليس لدي أدنى شك بالترحيب الذي تلقّاه الأسد، وبالأخص الوقت الذي منحه إياه السيد تومسون، (وزير المستعمرات البريطاني)، والذي لا يمكن أن يكون قد جرى إلا بشكل جيد. وكما رأيتم من تقاريرنا، أجرى أعضاء البرلمان الأربعة الذين جاؤوا إلى هنا محادثات من الممكن أن يجري تطويرها لاحقاً”.

حافظ الأسد
© SPUTNIK . SIRAJ SAEED حافظ الأسد

“وفي الصفحة الثانية من الوثيقة، وتحت حاشية وزارة الخارجية، والمؤرخة في التاسع عشر من أيار/مايو 1965، يتحدث إيفانز لجوديسون عن استقبال اللواء (حافظ) الأسد، ويقول “بذلنا قصارى جهدنا للرد على طلبكم الوارد في البرقية رقم 218 بتاريخ 28 نيسان/ أبريل، لبذل جهدنا بالترحيب بقائد القوات الجوية السورية، اللواء حافظ الأسد، لقد التقى به تيري كلارك في المطار، ورتبت له وزارة الدفاع برنامجا كان من ضمنه دعوة رئيس الأركان الجوية البريطاني.

لقد منحه السيد تومسون ثلاثة أرباع الساعة من النقاش المحتدم في فترة بعد الظهر، يمكنك أن تتخيل كم كان من الصعب أن تتلاءم الترتيبات مع الجدول الزمني الضيق، لزيارة مصممة أساسا للفحوصات الطبية. على كل حال، أعتقد أنه كان قادرا على القيام بكل ما يريده”.

الوثيقة هنا لا تشير من قريب أو بعيد إلى مدة الزيارة، لكنها تؤكد ضيق وقت الأسد خلالها، مما يفند الإدعاءات السابقة التي تحدثت عن بقائه هناك ثلاثة أشهر، وعقده لاجتماعات ولقاءات مع عدة أطراف.

نتابع قراءة الوثيقة:

” كانت دعوة السيد تومسون من وجهة نظرنا، الميزة الرئيسية للزيارة. وقد كان برفقة اللواء الأسد القائم بالأعمال السوري الذي قام بدور المترجم.

خلال المقابلة أمضى السيد تومسون وقتا ليس بالقليل ليؤكد أنه كان يتحدث كرفيق اشتراكي، وليؤكد اهتمام حزب العمال البريطاني بحزب البعث، والصلات الأيديولوجية التي تربط بينهما.

كما تحدث عن أهمية الاتصالات المباشرة في تعزيز التفاهم المتبادل، وأشار إلى الزيارة التي قامت بها السيدة ماكاي مؤخرا، وإلى الزيارة القادمة التي سيقوم بها أعضاء البرلمان إلى سوريا.

حافظ الأسد
© SPUTNIK . EDUARD PESOV

وأعرب اللواء الأسد عن سعادته بالزيارة المقبلة لأعضاء البرلمان، لكنه أوضح عدم استعداده لنقاش الأيديولوجية الاشتراكية. كان مهتما بالسياسة وبالدرجة الأولى فلسطين، حيث خاطبنا بالكلمات المعتادة “.

الكلام هذا يعني أن الرئيس الأسد لم يناقش مع البريطانيين حينها الأمور السياسية الخاصة بالحكم في سوريا، ولا الأمور الحزبية، لكن اهتمامه كان منصبا نحو فلسطين،  فهو كان يرى دائما أن العائق في  تطوير أي علاقة مع المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة كان الخلاف حول القضية الفلسطينية، ودعم هذه الدول المباشر لإسرائيل.

وتتابع الوثيقة بالقول:

حافظ الأسد
© SPUTNIK . SIRAJ SAEED حافظ الأسد

” قال السيد تومسون أننا نعتبر إسرائيل الآن حقيقة من حقائق التاريخ، ولسنا مستعدين لأن نكون طرفا في النزاع العربي الإسرائيلي.

وفي حديثه كاشتراكي، كان مهتما بالتجارب الاجتماعية التي أجراها حزب ماباي (حزب العمل الإسرائيلي) كما هو الحال في تطلعات البعث.

واستغرق تومسون في نقطة ذكرها اللواء الأسد الذي قال أن اللاجئين الفلسطينيين يجب ألا يعانوا بسبب ما فعله هتلر بيهود أوروبا. قائلا (تومسون) إنه على الرغم من أن البريطانيين حكومة وشعبا كانوا مدركين تماماً للاضطهاد النازي لليهود فإن لديهم بالتساوي تعاطف كبير مع معاناة اللاجئين الفلسطينيين.

وقال أنه يعتقد أن هذا لم يتضح فقط من المساهمات الكبيرة التي قدمتها حكومة جلالة الملكة لعمل “الأونروا”، بل من الجهود الواسعة للمنظمات الخيرية البريطانية الخاصة للاجئين.

أكد السيد تومسون للواء الأسد تطلع حزب العمال البريطاني لمنطقة الشرق الأوسط ضمن إطار السلام والأمن، ودعم هذه التطلعات من خلال تدابير الحد من التسلح، وبذل جهود تعاونية كبيرة من أجل رفع مستوى المعيشة.

دائما ما كانت إقامة ما يشبه سلطة وادي فينيسي(1) في الشرق الأوسط واحدة من الأفكار العظيمة للسيد أنورين بيفان(2)، ولا تزال من ضمن آمال حزب العمال.

وقال السيد تومسون أيضا إنه يريد أن يغتنم هذه الفرصة لتوضيح موقف جلالة الملكة من الاستعمار.

كان يعلم أن هناك قدرا كبيرا من سوء الفهم في الشرق الأوسط فيما يخص سياستنا في اتحاد الجنوب العربي(3). أراد أن يؤكد للواء الأسد أن حزب العمال الذي كان في فترة ولايته السابقة قد أعطى أكثر من 400 مليون شخص في آسيا استقلالهم، وكان متحمسا لمنحها لمليونين أو ثلاثة من الجنوب العربي.

أجاب اللواء متعاطفا، وكان الدكتور العلوني بارعا بما فيه الكفاية لعدم ترجمة عبارة تشير إلى جنوب اليمن.

أعرب السيد تومسون عن استعداده الكبير لوضع اللواء في اتصال مع مكتب النقل(4)، دون إثارة الكثير من الردود. تم الاتفاق أخيرا على أن يلتقي بنا في حال وجد لديه الوقت لإجراء مثل هذه الاتصالات، ولكنه لم يقم بذلك، واختتمت المقابلة بتعبيرات متبادلة من التقدير “.

هنا دليل آخر على عدم وجود لقاءات أخرى للأسد مع البريطانيين، حتى أن لقاءه بالوزير تومسون لم يحمل حينها صفة الرسمية.

تختتم الوثيقة بالقول:

حافظ الأسد
© SPUTNIK . SIRAJ SAEED حافظ الأسد

” أخشى أن الاجتماع لم يعطِ أي تشجيع في أن نجد من خلال الاتصالات السياسية الحزبية طريقة تفكير تمكننا من التواصل مع حكام سوريا الحاليين.

ربما لم يكن اللواء الأسد ضالتنا المنشودة لهذه العملية (التواصل). وعلى رغم كونه لطيفا بما فيه الكفاية، لكنه في هذا الاجتماع القصير لم يعط انطباعا بكونه ضابطا صغيرا برز نجمه في الجيش السياسي.

فهو يتكلم عبارات نمطية، ولم يقدم دليل على أفكاره الشخصية حول المشاكل السياسية، أو رغبة خاصة في علاقات جيدة مع المملكة المتحدة، ولم يبد دينامية شخصية حيال ذلك”.

ولكنني آمل أن يكون جهد السيد تومسون  قد حقق  بعض الخير، وأن يقوم أعضاء البرلمان الزائرين باتصالات أكثر استجابه “.

طوال الخمس وثلاثين عاما اللاحقة، بقي الرئيس حافظ الأسد وفياً لمبادئه وسياساته، لم يحد عنها، ولم يتنازل أمام أعتى الضغوط والمواقف، لقد كانت فلسطين على الدوام قضيته الكبرى، ومعها قضايا سوريا والعرب جميعا.

هوامش……………

1- إحدى المشاريع الإنمائية خلال فترة الكساد الكبير الذي مرت به الولايات المتحدة خلال عشرينيات القرن الماضي.

2- وزير الصحة لثلاث سنوات خلال فترة الخمسينيات، وينتمي إلى حزب العمال البريطاني.

3- اتحاد ضم 12 سلطنة عام 1963 في اليمن برعاية بريطانية، انتهى عام 1967 بقيام جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية.

4- مكتب النقل: اتحاد عمال النقل البريطاني.

المصدر
تقرير سراج سعيد - سبوتنيك 3 - 2 - 2018



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى