بطاقات بحث
أوضاع سورية قبيل الوحدة السورية – المصرية
قبيل الوحدة المصرية – السورية، كان من الصعب العثور على من يحكم سورية فعلاً.فالضباط كانوا يتمتعون بتفوق معنوي سياسي. وبدأ عدد من الضباط بالبروز على المسرح السياسي بشكل تدريجي وتسلموا مراكز سياسية معينة، وكان معظم هؤلاء الضباط ينتمون إلى جيل ما بعد الحرب الذي تخرج من كلية حمص العسكرية في عام 1947-1948. وكثير من هؤلاء كانوا من المفضلين لدى الشيشكلي وأرسلوا إلى فرنسا في فترة الخمسينيات بهدف التدريب. وقد جرى على هذا النسق عبد الحميد السراج.
أما الأحزاب السياسية فكان لحزب البعث بشكل خاص مؤيدون يتعاطفون معه في الجيش من أمثال مصطفى حمدون وعبد الغني قنوت وبشير صادق وحسن حدة وجمال الصوفي، وربما كان هؤلاء من أبرز المؤيدين.
ومقابل جناح البعث كانت هنالك جماعة الضباط المستقلين تحت قيادة أمين النفوري وهو من الذين سبق أن كانت لهم علاقتهم بأديب الشيشكلي، كانت هذه الجماعة تعرف باسم جماعة التحريريين ، وبين هاتين الجماعتين البعث والنفوري تتراوح جماعة ثالثة ضمت طعمة العودة الله وأحمد الحنيدي، وقد شغل هذان مناصب وزارية في الوزارة التنفيذية في عهد الوحدة، وترأس زميل معاصر للسراج في كلية حمص العسكرية وهو أكرم الديري جماعة تدعى (بجماعة دمشق).
وأخيراً في عام 1957 برز ذئب فريد آخر، وهو عفيف البزري كرئيس للأركان العامة، وتعاطف مع الشيوعيين، وكضابط ذكي له تاريخ جيد في حرب فلسطين توصل إلى القيادة والسيطرة على الجيش السوري. هؤلاء إذن هم الرجال الذين سيطروا على الجيش في السنوات التي سبقت الوحدة. وقد أدت منازعاتهم إلى وضع الجيش على شفير الانحلال حتى أصبح عبد الناصر الشخص الوحيد الذي يمكنه من أن يجمع شملهم ويقضي على خلافاتهم.
وكذلك مثَّل سفير عبد الناصر في دمشق دوراً مركزياً. واستطاع محمود رياض أن يشغل مركزاً في قلب الحياة السياسية في سورية، ولا يضارعه في ذلك أي مبعوث أجنبي. وبالفعل بدأت علاقات الصداقة بين الجيشين السوري والمصري تشتد لتوثق عراها فيما بعد. وهذا ما بدا واضحاً من الموقف السوري الشعبي والرسمي أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وكان قد رافق هذا العدوان على مصر محاولة فاشلة لإنقلاب بريطاني – عراقي على سورية، أعلن عن اكتشافه عبد الحميد السراج رئيس المكتب الثاني الذي نشر فيما بعد قائمة الاتهام التي تضمنت أسماء 47 متهماً على رأسهم الرئيس السوري المستقيل أديب الشيشكلي.
كانت محاولة الإنقلاب الفاشلة فرصة الى الداعين للتقارب مع مصر لإزاحة أشد معارضيهم خطراً على المسرح السياسي، وقوي بذلك نفوذ الداعيين إلى التقارب المصري مثل أكرم الحوراني رئيس مجلس النواب السوري وعبد الحميد السراج رئيس المكتب الثاني، والذي كان المنتصر الحقيقي الوحيد في الصراع.
أما حزب البعث فقد حاول الاستفادة من المحاولة الفاشلة، ونادى على أثرها بإقامة جبهة وطنية برلمانية لتقف في وجه الدسائس الإمبريالية وبحكومة جديدة أكثر ملائمة للدفاع عن سيادة الأمة، وقد هلل الشيوعيون بتلك الخطوة، وأعلنوا موافقتهم السريعة المتلهفة، وضمن هذا الإطار جاءت عملية تشكيل حكومة صبري العسلي الوزارة في الحادي والثلاثين من كانـون الأول عام 1956، مقصياً حزب الشعب وجبهة منير العجـلاني الدستوريـة تحت ذريعة تورطهم في محاولة الإنقلاب الفاشلة التي جرت في تشرين الأول 1956.
كما ساعدت زيارة بعثة برلمانية مصرية إلى دمشق في أواخر تشرين الثاني في بلورة هذا الشعور. وعلى هذا الأساس قدم البعث في كانون الأول مشروعاً يقضي بإقامة اتحاد فيدرالي بين البلدين.
أعرب الشيوعيون بدورهم أيضاً عن تأييدهم لفكرة إقامة الاتحاد الفيدرالي مؤمنين بأن وجود صيغة فيدرالية مائعة ستمنع الاتحاد من أن يصبح فعالاً وتسمح لهم بأن يستمروا في نشاطاتهم الحزبية في سورية.غير أنه في نهاية عام 1957 أدت بهم منازعاتهم مع البعث إلى إعادة النظر في تكتيكهم، وأصبحت الأوراق كلها في يد عبد الناصر في الوقت الذي تسابق فيه المسؤولون السوريون بشوق واضح إلى تسليمه البلاد.
إذا كان التنافس البعثي الشيوعي قد شكل عاملاً عجل بالاتحاد فإن الخصومات والمطامح بين صفوف الضباط السوريين قد شكلت عاملاً آخر.فقد تأثر كثير من الضباط تأثراً عميقاً بالتيار المعادي للعراق في فترة 1949-1956،مما جعل منهم مقاومين ومعارضين أشداء (للرجعية والإمبريالية في العراق)،وكانوا كلهم اندفاعاً وتفانياً في إبداء حماسهم الثوري لمصر وزعيمها، فقاموا بتمتين العلاقات مع مصر ضمن إطار القيادة المشتركة التي أسست عام 1955، وأيضاً من خلال السفارة المصرية في دمشق التي كان أحد أهدافها الرئيسية تشجيع وتقوية مثل هذه الروابط، وذلك على الصعيد الرسمي .
كان الاتحاد مع مصر، يبدو بنظرهم أفضل ضمانة لاستمرار حكمهم للبلاد، وبات كثيرون منهم يؤمنون بأن الاتحاد سوف يخلصهم من السياسيين المدنيين إلى الأبد وأن الرئيس جمال عبد الناصر سوف يشجعهم على تأسيس مجلس للثورة على النسق المصري، وعندما قام الاتحاد كان في جانب من جوانبه حصيلة صراع طويل بين الجيش والسياسيين،وهو صراع شغل السياسة السورية منذ عام 1949. غير أن الضباط اضطروا إلى التوجه للقاهرة بسبب فشلهم في الاتفاق فيما بينهم.
وفي أوائل كانون الثاني 1957 جرت حادثة كان لها أثرها الفعلي، فقد تضارب ضابطان كبيران وشهر كل منهما سلاحه على الآخر، ولم تطلق أية طلقة أو يصاب أحد بأذى. غير أن القادة العسكريين قرروا الذهاب إلى مصر طالبين تحكيم عبد الحكيم عامر القائد العام المصري للقوات المسلحة ورئيسهم الأسمى في القيادة السورية- المصرية المشتركة.[1]
[1] العظم (خالد)، مذكرات خالد العظم ، الدار المتحدة للنشر ، بيروت ، 1973م ، الجزء الرابع، ص 61، و الحوراني، مذكرات أكرم الحوراني، مصدر سابق، الجزء الرابع، ص 192، و نصر (صلاح)، عبد الناصر وتجربة الوحدة ، الوطن العربي للنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية بيروت 1986م، ص 139.