قضايا
انتخاب شكري القوتلي رئيساً عام 1955
انتخاب شكري القوتلي رئيساً في عام 1955م
تحديد موعد الانتخابات:
بعد الإنقلاب على أديب الشيشكلي في شباط عام 1954م عاد هاشم الأتاسي رئيساً لاستكمال ولايته الدستورية التي انتهت في شهر أيلول عام 1955م.
ولانتخاب رئيس جديد حدد مجلس النواب يوم الخامس عشر من آب 1955م، موعداً لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد خلفاً للرئيس الأتاسي.
وحتى يتضمن الجيش سير الانتخابات حسب الأصول، أعلن اللواء شوكت شقير بأنه ليس للجيش مرشح لرئاسة الجمهورية، بينما عاد القوتلي من الاسكندرية إلى دمشق لبدء حملته الانتخابية بسلسلة من التصريحات طالب فيها بالإسراع بتوقيع المثاق الثلاثي وفي ذلك مؤشر كاف على تأييد مصر والسعودية لترشيحه.
وأعلن خالد العظم ترشيحه لرئاسة الجمهورية وبدأ سلسلة من الاتصالات مع أعضاء الحزب الوطني مثل صبري العسلي وميخائيل اليان.
في السادس من آب 1955م، إجتمع مجلس الحزب الوطني وأعلن بالإجماع تأييده لترشيح شكري القوتلي، بينما أعلن رشدي الكيخيا بأن حزب الشعب لن يقدم مرشحاً إلى الرئاسة وسيترك لأعضائه حرية التصويت.
وفي العاشر من آب أقام التجار والصناعيون في دمشق حفلاً في فندق سمير اميس في دمشق، وأعلنوا فيها تأييدهم لترشيح شكري القوتلي. حضر الحفل المئات من رجالات البلاد وكبار رجال الدولة وأعضاء مجلس النواب من مختلف الأحزاب والكتل وبعض الممثلين السياسيين للدولة العربية من سفراء ووزراء مفوضين، وألقى القوتلى في الحفل كلمة تناولت موضوعات عديدة أبرزها دعمه لتسليح الجيش ولتدعيم العلاقات مع الدولة العربية(1).
في العشرين من آب، أعلنت الكتلة الدستورية (منير العجلاني وسهيل الخوري) تأييدهما لترشيح القوتلي بينما أعلن حزب الشعب، والشيوعي وأعضاء الكتلة الديمقراطية ( 28 نائباً) تأييدهم لترشيح خالد العظم.
وفي 25 آب 1955م، وبعد ثلاث عمليات للتصويت ( حسب الدستور) فاز شكري القوتلي بأغلبية الأوصوات 91 صوتاً، مقابل 41 صوتاً حصل عليها خالد العظم، على أن يباشر مهام منصبه الجديد إعتباراً من السادس من أيلول 1955م.
الوشاح الأكير من وسام أمية:
في الأول من أيلول أهدى الرئيس هاشم الأتاسي الوشاح الأكبر من وسام أمية للرئيس شكري القوتلي بموجب المرسوم رقم 2682 الصادر في الأول من أيلول عام 1955م(2).
الموقف الأهلي من انتخاب القوتلي:
موقف خالد العظم والحكومة:
إثر فشله في الانتخابات مقابل نجاح القوتلي في الانتخاب قدم خالد العظم استقالته في يوم الجمعة التاسع عشر من آب، إلا أن الرئيس هاشم الأتاسي رفض قبول الاستقالة بحجة أنها لم تقدم بموجب التقاليد الدستورية، ولكن العظم أصر على الاستقالة.
وفي الرابع والعشرين من آب قدم صبري العسلي رئيس الحكومة استقالة حكومته إلى الرئيس هاشم الأتاسي، الذي رفض قبول الاستقالة، وطلب من الحكومة أن تواصل عملها، ومن ثم تقدم استقالتها إلى شكري القوتلي رئيس الجمهورية الجديد. وأشارت مصادر قريبة من الحزب الشيوعي السوري حينها إلا أن سبب الاستقالة يعود إلى انتخاب القوتلي رئيساً(3).
موقف حزب البعث:
كان حزب البعث ينتقد باستمرار السياسة الداخلية والخارجية للقوتلي، وتحالف مع المرشح خالد العظم منعاً لوصول شكري القوتلي، وقد في إحدى نشرات الحزب الداخلية ما يؤكد ويوضج ذلك: ( بدأت المعركة الانتخابية، وحزبنا يرى أن مركز الرئاسة في الظرف التاريخي الذي تمر به البلاد مركز خطير. صحيح أن رئيس الجمهورية ذو صلاحية ضيقة محددة في الدستور، ولكنه يستطيع، والمجلس على ما هو عليه من انقسام، أن يلعب دوراً كبيراً في السياسة، فيؤلف الحكومات التي يريدها ويضرب الأحزاب بعضها ببعض ويزيد الانقسام أكثر مما هو قائم. وحزبنا لم يجد من الممكن ولا من الجائز أن يرشح أحداً منه. كما أنه بطبيعته ضد ترشيح القوتلي للرئاسة لما يعلم عن سيئات ماضيه في الحكم وبصورة خاصة عن عبثه بالدستور. وبقي أمام حزبنا أن يختار بين خالد العظم ومرشح حيادي ومرشح شعبي، ومن بين هؤلاء وجد الحزب في خالد العظم ضمانة أكبر مما يجدها في الآخرين. ولكنه لم يتخذ قراراً بذلك ولم يغلق الباب أمام البحث مع الفئات الأخرى ولاسيما مع حزب الشعب في اختيار المرشح الأنسب. وفيما يتعلق بالقوتلي صرح دوماً بأنه أمام هذا الخطر لا يتأخر حزبنا من أن يصوت للمرشح الشعبي، غير أن حزب الشعب كان يصم آذانه ولم يبادرنا في بحث هذا الموضوع، بل كان كبار أعضائه الذين طبخوا موضوع الرئاسة بصورة سرية يوهمون نوابهم الشباب بأننا”أي البعثيون” لا نحيد عن خالد العظم ولا نقبل إلا به، خلافاً لتصريحاتنا الشخصية والرسمية)(4).
الموقف العربي والدولي من انتخاب القوتلي:
الموقف المصري:
كان في وصول شكري القوتلي إلى رئاسة الجمهورية صدى كبير في مصر لأن وصوله هذا يدعم إقامة الحلف الثلاثي ما بين مصر والسعودية وسورية.
ورحب الرئيس جمال عبد الناصر بانتخاب القوتلي رئيساً للجمهورية، وأرسل للقوتلي برقية تهنئة بانتخابه رئيساً للجمهورية، وعير فيها عن فرحة الشعب المصري بهذا الفوز الذي يدل على تقدير الشعوب العربي عامة والشعب السوري خاصة.
كما نشرت صحيفة الأهرام مقالاً افتتاحياً لها بعنوان “روح العروبة” وصفت فيه الرئيس شكري القوتلي بـ “رجل الساعة”، وأضافت الصحيفة أن أي عربي لا يرى إلا في نجاح القوتلي بشيراً بالخير للعروبة، لأن الوحدة التي يطلبها شكري القوتلي هي التي عاهد مصر على نهجها، وعاهد مواطنيه في جميع البلاد العربية والقائمة على تنسيق الغايات العليا للسياسة التي تشد الأفكار العربية بعضها إلى بعض شداً محكماً”.
الموقف السعودي:
بارك المملكة العربية السعودية وصول شكري القوتلي إلى سدة الرئاسة في سورية، واعتبرت أن نجاحه يحمل جواً ملائماً لتنسيق السياسة بين الدول العربية.
وأرسل الملك سعود بن العزيزبرقية إلى القوتلي برقية تهنئة قال فيها :”نحن إذ نهنئ فخامتكم بهذا الفوز نحنئ سوريا الشقيقة على نضوج الوعي القومي فيها، وتقديرها للأحرار المخلصين الذين شيدوا صرح حريتها بتفانيهم وإخلاصهم سائلين المولى عز وجل أن يوفقكم في توجيه البلاد إلى ما فيه عزها وخيرها، وأن يجعل في توليكم للرئاسة في سورية عهداً جديداً موفقاً يمضي في الخطط القويمة التي تتطلبها نهضة العرب”.
كما أرسل الملك سعود وفداً برئاسة نجله محمد لتهنئة القوتلي في دمشق، حيث شارك الوفد بجلسة استلام المهام الدستورية والتي جرت في مجلس النواب.
الموقف الليبي:
وبعث مصطفى بن حليم رئيس وزراء ليبيا ببرقية تهنئة إلى شكري القوتلي يهنئه فيها بانتخابه رئيساً للجمهورية، جاء فيها: (يطيب لي أن أهنئكم باسمي واسم الحكومة الليبية بالثقة الغالية التي ظفرتم بها، كما أهنئ سوريا الشقيقة بتقلدكم منصب رئاستها راجياً لنا جميعاً التوفيق في خدمة وطننا العربي الكريم”(5).
(1) كلمة شكري القوتلي في فندق سمير اميس قبيل انتخابه رئيساً
(2) الجريدة الرسمية- دمشق، العدد 44 الصادر في الخامس عشر من أيلول عام 1955م، صـ 5362.
(3) صحيفة الإتحاد- حيفا، العدد الصادر يوم الجمعة السادس والعشرين من آب عام 1955م.
(5) مروان حبش: البعث وانتخاب القوتلي لرئاسة الجمهورية عام 1955
(4) صحيفة البلاد السعودية – الرياض، العدد الصادر في الحادي والعشرين من آب عام 1955م.
انظر:
كلمة شكري القوتلي في مجلس النواب بمناسبة انتخابه رئيساً