مقالات
د. عزة علي آقبيق: فخري البارودي .. شخصية وطنية ثائرة.. ودعابة حاضرة
إعداد د. عزة علي آقبيق – التاريخ السوري المعاصر
وقف فخري البارودي عندما أصابت قذيفة داره في حي الروضة وفقد مكتبته القيمة التي حوت نفائس الكتب والمخطوطات والتحف ومجموعات موسقية قديمة وقال بأعلى صوته ياريتني مارميت حجر على القوات الفرنسية ياريت ضلت فرنسا.
فخري البارودي
في حي القنوات بدمشق ولد فخري البارودي العام 1886 م، ختم القرآن وهو في السادسة من عمره، تعلم القراءة والكتابة على شيخ في الكتاب ثم نال الابتدائية من مدرسة الياغوشية والإعدادية ومن ومكتب عنبر حاول الدراسة في الخارج لكنه جوبه بمعارضة والده ولم يحقق حلمه بالشهادة العليا.
ضمن سلسلة «أعلام خالدون» عقدت ندوة عن فخري البارودي في المركز الثقافي «أبو رمانة» بمشاركة الباحثين أحمد بوبس ومروان مراد.
وطنية ثائرة.. ودعابة حاضرة
بدأ الندوة الباحث مروان مراد بالوقوف عند أهم المحطات في مسيرة فخري البارودي فقال: أصدر البارودي جريدة ساخرة باللغة العامية سماها «حط بالخرج» وحارب الانكليز في فلسطين ووقع في الأسر في معركة بئر السبع وبعد أن أفرج عنه تطوع في جيش الثورة العربية ضد الأتراك في العام 1916 وعين ضابطاً تحت إمرة الملك فيصل الأول ولكن الأمر لم يدم طويلاً إذ مالبثت أن وقعت سورية تحت الاحتلال الفرنسي وهنا وجد البارودي نفسه في خضم الثورة الوطنية فأصبح في طليعة المقاومين الذين تصدوا للاحتلال بالسلاح والمال والرجال فاعتقل في قلعة دمشق لشهور عديدة ثم أفرج عنه تحت الضغط الشعبي.
وبعد ذلك أشرع البارودي قلمه لبث روح التمرد في نفوس أبناء البلاد لإجراء انتخابات حرة فرضخ المحتلون لذلك وانعقد مجلس نيابي جديد في العام 1932 كان هو أحد أعضائه وانتخب محمد علي العابد أول رئيس للجمهورية السورية.
افتتح البارودي «مكتباً لخدمة القوميين العرب» وارتفع من خلاله النداء بإلغاء المعاهدة مع فرنسا وإعلان الاستقلال التام وأصدر المكتب ميثاق الأمة المتضمن حق الشعب المشروع في الوحدة والاستقلال.
شعر البارودي
مثل الشعر عند البارودي وسيلة للبوح بعواطفه ونقل مشاعره للآخرين تميز شعره بالبساطة والسهولة والوضوح والعفوية في التعبير ودقة الوصف وحرارة المشاعر وقد لانجد عنده إبداعاً فنياً ولكننا نجد صدق المشاعر.
تنوعت أغراضه الشعرية فنظم في الهجاء واستخدم في ذلك لسانه المر وتهكمه اللاذع ونظم في الحماسة أشعاراً وطنية نابعة من وجدانه.
سمي ديوانه الأول «تاريخ يتكلم» وهو سجل حافل للأحداث السياسية والتاريخية واليومية للبلاد السورية ويعد بحق تاريخاً عاماً للشعب في تلك الحقبة من الزمن وحارب من خلاله أمراض المجتمع «الشعوذة والتقليد والتعصب والتحرر من الأنانية إلى عالم العطاء الرحيب» وقد أقضت هموم الوطن بال «البارودي» فلم يدع حدثاً إلا وانطلق ينبه الجماهير إلى أحوالها ولايترك موقفاً إلا وتقدم يضرم الحمية والنخوة في نفوس مواطنيه ضد الاحتلال الفرنسي يدعوهم إلى قتال الغاصبين.
يا أباة الضيم ياأسد الحمى
لم يزل في الشام بعض القبس
أضرموا الثورة ياقومي فما
بعد هذا العيش غير الدنس
من رضوا بالذل ليسوا عرباً
فاقتلوا من رام ذل الوطن
لم يكتف البارودي بالشعر والكتابة لمقارعة الأجنبي الدخيل بل خاض غمار العمل الوطني فأسس فرقة القمصان الحديدية للمقاومة الشعبية وتطوع في قوة الدرك وأسس مشروع الفرنك الذي تصرف محصلته على الدعاية للقضية العربية وتسليح الشعب لمقاومة الاحتلال وأنشأ المكتب العربي للدعاية والنشر لإذكاء الروح الوطنية والدعاية للقضية العربية ودعا بحماسة لمقاطعة الإنتاج الأجنبي بكل أنواعه يقول في مثياقه: «أعاهد الله على ألا أصرف قرشاً في حاجة صادرة عن بلاد أجنبية مادام منها في وطني العربي الكبير».
وقد ساء البارودي حالة التمزق والتخلف في أقطار العروبة فجعل حلمه وغاية أمانيه وحدة الأمة العربية فدعا للوحدة الشاملة للوقوف في وجه الأطماع الأجنبية ودوت صرخته:
بلاد العرب أوطاني
من الشام لبغدان
ومن نجد إلى يمن
إلى مصر فتطوان
فلاحد يباعدنا
ولا دين يفرقنا
لسان الضاد يجمعنا
بغسان وعدنان
روح مرحة ودعابة حاضرة
لم تقتصر جولاته وصولاته في ميادين العمل الوطني والاجتماعي التطوعي وفي ميدان الإبداع بل انطلق إلى فضاء جديد حلق فيه البارودي حيث تلتقي عنده روح المرح والدعابة والسخرية والمزاح وتدبير المقالب وهي السمات التي قربته إلى الناس فسعوا إلى مجالسه حيث الفكاهة والطرب والظرف والأنس وقد شملت دعاباته معارفه وأصدقاءه ورجال السياسة والحكم ولم يسلم من لذعات لسانه وشعره السافر قريب أو بعيد ولكن يلذ لأصدقائه استفزازه وإثارة انفعاله لكي يرد عليهم بما يشتهون من رقيق الألفاظ ولطيف الشتائم.
راعي الحركة الموسيقية
ويقف الباحث أحمد بوبس عند جانب مهم في حياة البارودي وهو دعمه للموسيقا والغناء مادياً ومعنوياً فقد كان محباً للموسيقا والغناء الشرقيين الأصيلين.
وأول نشاطاته في هذا المجال قيامه مع نخبة من الموسيقيين بتأسيس النادي الموسيقي الشرقي بدمشق في العام 1828 ورغم إغلاقه لمرات عديدة لكن كان يعاود افتتاحه واستطاع المعهد أن يقدم للحركة الموسيقية فنانين كباراً من أمثال عدنان أبو الشامات زهير وعدنان منيني، عبد السلام سفر وغيرهم وإلى جانب ذلك رعى الفنانين وقدم لهم مااستطاع من العون من مثل «كروان» رفيق شكري، مصطفى هلال، صباغ فخري، وعدنان قريش.
وقد ترأس بدوره الوفد السوري إلى مهرجان الشباب العالمي بموسكو في العام 1957، وفتح بيته لكل فنان وزارته أم كلثوم وأحمد شوقي ومحمد عبد الوهاب وشهد منزله ولادة قصيدة أحمد شوقي:
قم ناج جلق وانشد رسم من بانوا
مشت على الرسم أحداث وأزمان
وقد فتن البارودي برقص السماح والموشحات فنقل هذا الفن من حلب إلى دمشق ودعا عمر البطش ليعلم طالبات مدرسة دوحة الأديب رقص السماح وفعلاً قد أسس الأخير فرقة من طالبات المدرسة.
وفي العام 1947 أسس البارودي معهداً موسيقياً تابعاً لإذاعة دمشق وأسس «البطش» فرقة من طالبات جامعة دمشق ضمت أربعاً وعشرين طالبة وطالباً.
كلمات.. وأغنيات
وضع البارودي كلمات وأشعار الكثير من الأغنيات والأناشيد الوطنية ومن الموشحات التي كتب كلماتها «غزال كلما ألقاه» لحنه سعيد فرحات وموشح «يمر عجباً ويمشي» لحنه عمر البطش.
ومن الأناشيد الوطنية «بلاد العرب أوطاني» ولحنه الأخوان فليفل إضافة للعديد من الأغاني الشعبية.
وفخري البارودي متعصب جداً للموسيقا الشرقية الأصيلة وما فيها من أدوار وموشحات وسماعيات وبشارف.
سمت نفس البارودي الأعمال الجليلة لأنه كان ذو عاطفة عامرة بالتفاني والإخلاص فبالرغم من بسطة الجاه والمال خرج من الدنيا فقيراً مثقلاً بالديون.
ويوم وفاته قامت الشام بأسرها لتشييعه بالمحبة والتقدير الذي كان أهلاً له عن جدارة.
اقرأ:
كتاب فخري البارودي إلى المفوض السامي الفرنسي
عريضة فخري البارودي إلى الجنرال كاترو
كلمة فخري البارودي في مجلس النواب السوري حول تقسيم فلسطين 1947
ما هي قصة فخري البارودي والحارس الليلي “أبو تيسير”
وليد الحلبي: الصديق فخري البارودي صاحب -بلاد العرب أوطاني-
بيت فخري البارودي بدمشق يتحول إلى معهد للحفاظ على المدن التاريخية
د. عزة علي آقبيق: فخري البارودي .. شخصية وطنية ثائرة.. ودعابة حاضرة