مقالات
عمرو الملاّح: برج ساعة باب الفرج.. بين التشييد والتعمير وأعمال الصيانة وإعادة التشغيل
1899 - 2018
عمرو الملاّح – التاريخ السّوري المعاصر
بعدما يزيد على عشر سنوات من الصمت، أُعلن في مدينة حلب مؤخراً عن عودة ساعة باب الفرج لتدق أجراسها وتصدر أنغامها من جديد، معلنة إشارات ضبط الوقت من برج الساعة الشهير الكائن في مركز المدينة، بعد الانتهاء من أعمال صيانتها بفضل الجهود الكبيرة التي بذلها المهندس القدير الأستاذ أحمد أنيس، وإخوانه من الغيورين على مدينة حلب وتراثها العمراني.
والواقع إن مبادرة المهندس الأستاذ أحمد أنيس المتمثلة بتبرعه بصيانة ساعة باب الفرج الأثرية، وإعادة تشغيلها تعد عملاً محموداً وجهداً مشكوراً.
وبقدر ما أن إنجاز المهندس الأستاذ أحمد أنيس يستحق الإشادة به، يتعين علينا ألا ننسى أن تشييد “برج ساعة باب الفرج” وتجهيزه بساعته الأثرية قد جرى بفضل الأموال التي تبرع بها أهالي حلب بسخاء وحماس؛ إذ بلغت تكلفة بناء البرج وتزويده بالساعة قرابة 1500 ليرة عثمانية ذهبية، جمع نصفها من أهل الخير، والباقي من صندوق البلدية في عهد رئيسها رجل الدولة الحلبي مرعي باشا الملاّح.
ولئن جرى وضع حجر الأساس لبرج الساعة في العام 1898، إلا أن المباشرة ببناء البرج تلا تشكيل “اللجنة التأسيسية” المكلفة بتشييد برج الساعة وتجهيزه برئاسة الوالي العثماني الإصلاحي “التنظيماتي” الوزير رائف باشا، التي كان رئيسها المشارك (الثاني) رئيس بلدية حلب آنذاك مرعي أفندي الملاّح (الباشا فيما بعد)؛ وذلك في حزيران/ يونيو من العام 1899 وفقاً لما هو وارد في الترجمة الرسمية لمرعي باشا الملاّح المحفوظة في الأرشيف العثماني، التي تشير صراحة إلى تعيينه رئيساً للبلدية من أجل النهوض بأعباء إنشاء برج الساعة وتجهيزه.
ولعلنا نشير، ضمن هذا السياق التاريخي، إلى أن برج ساعة باب الفرج يعد أحد المعالم التذكارية المقامة في عهد السلطان عبدالحميد الثاني إحياء لذكرى مرور خمس وعشرين عاماً على اعتلائه عرش السلطنة العثمانية، وجرى بناؤه في مدينة حلب على غرار بناء أبراج الساعات في الحواضر والمدن العثمانية، والتي كانت تمثل رمزاً للحداثة والتغيير وأهمية الوقت.
ولقد حرص كبير مهندسي الولاية الفرنسي شارتيه أفندي، ومعاونه كبير مهندسي مدينة حلب (المركز) بكر صدقي افندي على أن يراعيا في تصميم هذا البرج الأسلوب الحديث في البناء، والزخارف التقليدية، فضلاً عن أن عمارة البرج تمثل بحق شاهداً على مهارة البنائين الحلبيين، الذين شيدوه بدقة وإتقان متميزين.
ومما يميز برج الساعة أنه تعلو بناءه لوحة تذكارية تحتوي على كتابات تخلد مناسبة تشييده، وتتضمن تاريخ تدشينه في العام (1317 هـ/ 1899م)، ولكنها تخلو مع الأسف من أسماء أعضاء “اللجنة التأسيسية” الذين اضطلعوا بمهمة تشييده وتعميره وتجهيزه ووضع ساعته الأثرية في الخدمة في ذلك الحين، مما مرده إلى حرص هؤلاء على العمل بصمت دون ادعاء أو محاولات ظهور، لا هدف لهم إلا الصالح العام، مؤمنين بأن الأعمال تتحدث عن نفسها.
وبقدر ما أن دعوة بعض المهتمين بعمارة حلب وعمرانها إلى وضع لوحة تذكارية حديثة إيذاناً بعودة ساعة البرج للعمل بفضل الجهود الكبيرة التي بذلها المهندس المتبرع الأستاذ أحمد أنيس وإخوانه من الغيورين على مدينة حلب ومعالمها الأثرية مهمة، فإنه ثمة حاجة ملحة لوضع لوحة تذكارية أخرى لا تقل أهمية – بل وربما كانت أهم – تخلد أسماء أعضاء “اللجنة التأسيسية” التي نهضت بأعباء إقامة برج هذه الساعة وتجهيزها، ولا سيما الشخصية الحلبية الوحيدة فيها ممثلة برئيس اللجنة المشارك ابن مدينة حلب البار مرعي باشا الملاّح رئيس البلدية آنذاك، كما تتضمن التنويه بالتبرعات والهبات التي قدمها أسلافنا الحلبيون الكرام لصندوق بلديتهم من أجل تمويل بنائه وتزويده بساعته الأثرية فضلاً عن أموال دافعي الضرائب من الحلبيين، وكذلك الإشادة بمهارة البنائين الحلبيين الذين شيدوا “برج ساعة باب الفرج” الذي بات رمزاً من رموز مدينة حلب التاريخية.
ويبقى السؤال مطروحاً: متى سنعيد الاعتبار لبناة نهضة حلب العمرانية الحقيقيين؟