عمرو الملاّح – التاريخ السّوري المعاصر
توطئة:
في مثل هذا اليوم قبل ما يزيد على مائة عام- 18 آذار/ مارس من العام 1915- شنّ أسطول مؤلف من سفن بريطانية وفرنسية هجوماً واسعاً على مضيق جناق قلعة، إلا أنّ هذا الهجوم باء بالفشل ليعدل أسطول التحالف عن الهجوم البحري ويستبدله بالهجوم البري والاستيلاء على المواقع الدفاعية الساحلية. فدخلت القوات البريطانية والفرنسية لتتمركز في خمس مناطق جنوب شبه جزيرة غاليبولي في 25 نيسان/ أبريل من نفس العام، واستطاعوا في البداية إحراز تقدم سرعان ما قابلته إرادة الجنود العثمانيين مجبرةٌ إياهم على التراجع لتفشل مخطط استيلاءهم على غاليبولي، على الرغم من وصول قوات للإمداد.
واستبسل الجنود العثمانيون؛ فأجبروا الفرقة الإضافية التي أرسلت دعماً للقوات البريطانية على التراجع إلى خط الصفر على البحر، كما صدوا في اليوم التالي هجوم الوحدات الأسترالية والنيوزيلاندية.
وهكذا، خرجت القوات الأجنبية جميعها من شبه جزيرة غاليبولي في كانون الأول/ ديسمبر من العام 1915.
وسقط في أرض هذه المعركة 56 ألف شهيداً في حين لاقى 21 ألف مصرعهم في المستشفيات وفقد 11 ألف جندي وجرح 97 ألف جندي و64 ألف بقي مريض خارج الحرب أي ما مجموعه 250 ألف من العثمانيين، في حين سقط 252 ألف قتيلا من القوات المتحالفة.
وتذكر الإحصائيات أن عدداً من المؤسسات التعليمية في ذلك الحين لم تخرج طلاباً لأنهم استشهدوا جميعاً في المعركة.
كما تنبؤنا شواهد القبور في جناق قلعة أن مدينة حلب تصدرت قائمة الشهداء بتقديمها 551 شهيدًا، في أكبر انتصارٍ ساحقٍ للدولة العثمانية على الحلفاء؛ الذين سعوا لاحتلال عاصمة الدولة (إسطنبول).
تخميس مرعي پاشا زاده عبد القادر ناصح بك – مبعوث حلب السابق- لمنظومة السلطان رشاد “الهمايونية” الغراء:
عندما بلغت مسامع السلطان العثماني محمد الخامس (رشاد) أنباء انتصار الجيش العثماني على جيوش الحلفاء في معركة “جناق قلعة” في العام 1915 نظم قصيدة حماسية ألهبت المشاعر، وتردد صداها في أنحاء الدولة العثمانية، وقوبلت بالتقدير والإعجاب، وراح كبار شعراء التركية العثمانية في العاصمة اسطنبول يتبارون في نظم المخمسات لمنظومة السلطان رشاد “الهمايونية” الغراء، ومن بينهم يحيى كمال بياتلي، وضياء كوك ألب، ورضا توفيق، وعبدالقادر ناصح الملاّح.
كان عبدالقادر ناصح بك الملاّح (1878-1931)، وهو النجل الأكبر لرجل الدولة الحلبي مرعي پاشا الملاّح، شاعراً مجيداً من شعراء التركية العثمانية، وقد حققت قصيدته هذه شهرة واسعة في الأوساط الأدبية والشعرية التركية، كما نشرت في كبريات صحف اسطنبول آنذاك ومن أبرزها جريدة “تصوير أفكار”، بالإضافة إلى أن أصلها المخطوط ما يزال محفوظاً في كل من مكتبة متحف توب كابي قسم السلطان رشاد ومكتبة مجمع التاريخ التركي، كما تناولها بالبحث والدرس عدد من الباحثين الأتراك المعاصرين.
أترككم مع الترجمة العربية التي أتحفني بها المترجم السوري الأستاذ محمد السعيد لـ “تخميس مرعي پاشا زاده عبد القادر ناصح بك – مبعوث حلب السابق- لمنظومة السلطان رشاد الغراء”:
سـ١٣٣٠ــنة الحرب شبت و النيران استعرت و بلمعة سيفي العيون انبهرت و مشاهد أجدادنا قد حضرت قوىٰ الأعداء علىٰ المسلمين اتحدت* هاجموا براً و بحراً چاناققلعة* *** طائراتهم من السماء رمتنا قنابلهم أصابت صفوفنا نيرانهم براً و بحراً شبت فينا لـٰڪن الإمداد الإلـٰهي أدرڪنا* ڪقلعة أو حديد بت تحسب جيشنا* **** ڪم عرضوا من بسالة فڪانت لعظمتهم وسم صمودهم الشهور ڪان للفتح و الظفر جزم حقاً إن ثباتهم في الحرب حزم إقدام أبنائي العساڪر هو العزم * لذلڪ لحق العدوَ العجز و انهزم * **** حمي الوطيس فالدخلاء انسحبوا ڪم من سلاح و عتاد ترڪوا هـٰذا اليوم من التاريخ لن ينڪروا بلا قدر و لا شرف و لا مال فروا * أتوا ليحتلوا قلب الإسلام ، زعموا! * **** خسر العدو و رُد خائباً اندحر ، من غيرة ٱللَّٰهِ ذاهلاً فالصدر منشرح بملائڪ العرش الأعلىٰ اسجد (رشاد) و اشڪر ٱللَّٰهِ داعياً : * ربِ احفظ مُلڪِ الإسلام آمناً دائماً * **** |
مراجع للاستزادة:
=========
– Enfel Doğan-Fatih Tığlı, “Sultan V. Mehmed Reşad’ın Çanakkale Gazeli Ve Bu Gazele Yazılan Tahmisler”, İstanbul Üniversitesi Edebiyat Fakültesi Türk Dili ve Edebiyatı Dergisi, C. 33, İstanbul 2005, s. 41-96.