أعلام وشخصيات
مصطفى الخن
هو مصطفى بن سعيد بن محمود الخنُّ، من أسرةٍ دمشقيةٍ عريقةٍ، كان لها منذ عهود العمادة والمرجعية في حي الميدان كلِّه. ولد عام 1923م في دمشق.
نشأ في كَنف والديه في جوِّ أسري يسوده الصَّفاء والهيبة والاحترام، ولمَّا بلغ الثَّامنة من العمر؛ ألحقه والده بالكُتَّاب، ثم ألحقه بعد ذلك بمدرسة الجمعية الغرَّاء الابتدائية، فلازمها سنة كاملة، انتقل بعدها إلى المدرسة الرَّسمية التي كانت تُدعى أنموذج الميدان.
في صيف 1350هـ الموافق 1931؛ اكتشف الشَّيخ الخطَّاط محمَّد زرزور علائم النَّجابة والأهليَّة عند مصطفى الخن، الذي كان أحد التَّلاميذ المنتسبين إلى مكتبه لتعلُّم القرآن والخط والحساب؛ فاستأذن والده أن يصطحبه معه إلى دروس الشَّيخ حسن حبنكة الميداني في جامع منجك، فسمح الوالد ولم يمانع.
شبَّ مصطفى الخن في جامع منجك، وغداً طالباً مجِدّاً نشيطاً، متعلِّماً في الصَّباح، ومعلِّماً في المساء، وشاء الله للحلقات النَّهارية أن تصبح نواة لمعهد التوجيه الإسلامي، وانتقل الأستاذ مصطفى للتَّدريس في المدرسة النَّاشئة التَّابعة للمعهد.
وقد شارك الشَّيخ مصطفى -في أثناء تدريسه في (معهد التَّوجيه الإسلامي)- في مختلف العلوم الشرعية، ولكنَّه تخصَّص في النِّهاية، وتميَّز بعلم أصول الفقه، وبعلوم العربية.
وفي مطلع عام (1369هـ -1949م)؛ وصل الشَّيخ مصطفى إلى القاهرة، بغية الانتساب للأزهر، ومن ثَمَّ الحصول على شهادة الإجازة التي تؤهله للتَّدريس في المدارس الحكومية السُّورية، وأُجري للشَّيخ اختبار القَبول، وقُبل في السَّنة الثَّالثة من كلِّية الشَّريعة، فأمضى مدَّة الدِّراسة المقرَّرة -سنتان- قبل أن يستحق شهادة الإجازة بتقديرٍ ممتاز.
عاد الشَّيخ بعدها إلى دمشق؛ ليعمل مدرِّساً لمادَّة التَّربية الإسلاميَّة، في ثانويات حلب ودمشق، مع إسهامه الفعَّال في مجالات المناهج الدِّراسية، والكتب المدرسية، ولجان الامتحانات، وبقي فيها حتى حصوله على شهادة الدكتوراه. وفي أثناء ذلك؛ اشتغل بالتَّدريس في كلِّية الشَّريعة بجامعة دمشق محاضراً بين عامي (1375هـ-1382هـ)، (1955م- 1962م)، وأعير لكلِّية الشَّريعة واللُّغة العربية، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، في الرياض، مدرِّساً، بين عامي (1382هـ-1386هـ)، (1962-1966م).
ولمَّا أصدر الأزهر قراراً يقضي بالسَّماح لخريجي الكلِّيات الأزهرية الذين أمضوا في التَّدريس الجامعي أكثر من خمس سنوات أن يتقدَّموا بتسجيل رسالة الدكتوراه مباشرة؛ أسرع الشَّيخ مصطفى وسجَّل موضوع (أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء) بإشراف الأستاذ الدكتور مصطفى عبد الخالق، وفاز بالشَّهادة عام (1391هـ-1971م) مع مرتبة الشَّرف الأولى.
عُيِّن بعدها مدرِّساً ورئيساً لقسم العقائد والأديان في كلِّية الشَّريعة، بالإضافة إلى تعيينه مدرِّساً في كلِّية التَّربية بجامعة دمشق، وبقي في الجامعة حتى سنة (1404هـ=1983م)، وأسهم إذ ذاك في تأليف الكتاب الجامعي؛ فأصدر ثلاثة كتب مهمَّة، لا تزال تُدرَّس في كلِّية الشَّريعة إلى اليوم، وهي: الَّتفسير العام، وفقه المعاملات، ومبادئ العقيدة الإسلامية.
وبعد إحالته إلى التَّقاعد؛ سافر الشَّيخ إلى المملكة العربية السعودية للمرَّة الثانية، فعمل مدرِّساً في كلِّية الشَّريعة بجامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلاميَّة، ثمَّ عُيِّن أستاذاً في كلِّية التَّربية للبنات، وعضواً في المجلس العلمي لجامعة الإمام، وبقي حتى عام (1413هـ=1992م)، وأشرف في هذه المدَّة على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه.
وعاد الحنين بالشَّيخ إلى دمشق مجدَّداً؛ ليصبح بيتُه مقصد طلَّاب العلم والمحبِّين.
ومنذ بداية العام الدِّراسي (1414هـ، 1993م)؛ قام بالتدريس في قسم الدِّراسات العليا، التَّابع لجامعة أم درمان، ومركزه مجمَّع أبي النُّور التَّعليمي في دمشق، وعلى رئاسة كلِّية الشَّريعة بقسم التَّخصُّص، التَّابع لمعهد الفتح الإسلامي، وتدريس مادَّة أصول الفقه لطلَّاب السَّنوات الثلاث في الكلِّية.
بدأ مصطفى الخن الكتابة في وقتٍ مبكِّرٍ من مسيرته العلمية، وكان يكتب لنفسه أولاً، ثمَّ ساهم في تأليف الكتب المدرسية، وأعدَّ الأمالي الجامعية، واتَّجه إلى التَّأليف العام والتَّحقيق، وكان صدره يتَّسع للمشاركة مع غيره من الأقلام، تأليفاً وتحقيقاً.
توفي يوم الجمعة 23 محرم 1429هـ الموافق 1 شباط 2008م وهو في صلاة الجمعة، في مسجد الحسن في الميدان في دمشق (1).
(1) م.حسام دمشقي – التاريخ السوري المعاصر