توجه الأمير عبد الله إلى الفرنسيين، أملاً في مساعدتهم له في سورية، وقد سنحت له الفرصة عندما قابل المندوب الفرنسي في سورية الذي تحدث مع الأمير عن عدم رضا الحكومة الفرنسية على اقتصادر موالاة العرب على البريطانيين وحدهم. ولكن الأمير أبدى له استعداده للتعامل مع الفرنسيين، وتوهّم عبد الله من حديث المسؤول الفرنسي موافقة الفرنسيين على التفاوض معه. كما أنه اتصل بعدد من المسؤولين الفرنسيين، واجتمع بهم في عمان والقدس، وعرض عليهم خدماته، وأخذ يذيع أنه توصل إلى تفاهم تام مع الحكومة الفرنسية، وأن إعلان وحدة الأردن مع سورية بات مسألة أيام.
استمر الأمير عبد الله في اتباع سياسة التقارب مع فرنسا، وفي الوقت نفسه كانت لديه رغبة قوية في قيام السوريين بثورة ضد فرنسا، ولطالما حرص على إفهام الثوار السوريين، اللاجئين إلى إمارته فراراً من تعسف فرنسا، أنه لن يحجم عن مساعدتهم ضدها[1]. وكان عبد الله يعتقد بأن هذه السياسة تمكنه من جذب وتأييد الطرفين له، ولكنه لم يستطع أن يجمع بين النقيضين، فعجز عن التوفيق بين إرضاء الفرنسيين ومساعدة السوريين في آن.
وعندما قامت الثورة السورية في جبل الدروز بزعامة سلطان الأطرش، في تموز 1925، استمر عبد الله في تعاونه مع الفرنسيين، واتخذ موقفاً مضاداً تجاه السوريين، وساعد القوات الفرنسية – التي تعاونت مع القوات البريطانية – في ملاحقة الثوار الذين أفلتوا إلى شرق الأردن، كما أنه منع أهالي شرق الأردن من الانضمام إلى الثوار السوريين، او تقديم العون لهم.
وقد أصدرت الحكومة الأردنية بلاغاً، في أيلول 1925 بمنع عبور الحدود بين الأردن وسورية من غروب الشمس وحتى الفجر[2]. وقام الأمير عبد الله بدعوة شيوخ الأردن إلى زيارته، حثهم على التمسك بالهدوء، وأخذ عليهم العهود بالكف عن مساعدة الثوار السوريين. وقد فسر موقفه هذا على أنه محاولة لكسب تأييد فرنسا، في سبيل تحقيق أطماعه الخاصة بسورية، فقد عرض الأمير جلوسه على عرش سورية، مقابل إخماد الثورة فيها. هكذا تخبط الأمير في مواقفه، أغلب الظن، لأنه صدر فيها عن تقديرات ذاتية.
أدى عدم تجاوب الأمير عبد الله مع السوريين وتعاونه مع الفرنسيين إلى انحطاط مكانته لدى الوطنيين السوريين، وشكل عائقاً جديداً أمام محاولاته للوصول إلى عرش دمشق، فلم يعد عبد الله أحد رجال العرب المنادين بالوحدة العربية – من وجهة نظر السوريين- بل أصبح شريكاً لفرنسا وبريطانيا في مؤامراتهما ضد العرب، وطامعاً في نفوذ شخصي له في سورية، إلا أن عبد الله لم يأخذ ذلك الاتجاه – التعاون مع بريطانيا وفرنسا- إلا بعد استيعابه للدرس الذي اعطته بريطانيا لوالده في الحجاز، بعد أن تخلب عنه، وتركته وحده، في مواجهة عبد العزيز بن سعود[3] .
[1] طربين (أحمد)، الوحدة العربية بين 1916-1945: بحث في تاريخ العرب الحديث منذ قيام الثورة العربية حتى نشوء جامعة الدول العربية، القاهرة، معهد الدراسات العربية العالية، صـ 77.
[2] عبيدات (ميسون منصور)، التطور السياسي لشرق الأردن في عهد الإمارة 1921- 1946، عمان، الجامعة الأردنية 1993م، صـ 99.
[3] مكاوي (نجلاء)، مشروع سورية الكبرى، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 2010، صـ 55-60