عرب وأجانب
المهندس فرناندو دي أراندا
شهدت معظم الولايات العثمانية أواخر القرن التاسع عشر نهوضاً شاملاً نتيجة محاولة الدولة العثمانية اللحاق بركاب الحضارة الأوروبية وعليه استقطبت أقطاب العلوم بأنواعها المختلفة للعمل على ذلك التطوير من خلال الإستثمارات الأجنبية في أراضيها، وكان للمساعي الألمانية النصيب الأوفر من تلك الإستثمارات حيث استطاعت أن تستحوز على مشاريع مهمة، كان أهمها على الإطلاق الخط الحديدي الحجازي الذي يصل اسطنبول بالمدينة المنورة مباشرة، وعليه طرحت العروض، وتنوعت الجنسيات، إلا أن تفوق العنصر الألماني كان جلياً، حيث اختير المهندس الألماني مايسنر للإشراف على إنشاء الخطوط الحديدية في الدولة العثمانية، وكان اختياره للمهندس الإسباني موفقاً لبناء محطة القنوات ( الحجاز حالياً) كمحطة رئيسة للخط الحجازي، التي تعد قمة في الإبداع الجمالي المعماري.
فرناندو دي أراندا: ولد فرناندو دي أراندا في مدريد في 31 من كانون الأول عام 1878م، ولم توفيت أمه بعد ولادته بوقت قصير. ليرافق والده المولع بالموسيقا إلى باريس، درس الهندسة في السوربون، ليغادرها بعد تخرجه بما يحمله من علم وثقافة في فن التصميم والهندسة إلى إسطنبول. لينتقل فيما بعد إلى دمشق التي عشقها مذ أن حط رحاله فيها عام 1902م؛ والتي باتت محبوبته، يشده الحنين إليها وهو بين جنباتها، تعرف على زوجته الأولى اليونانية الأصل خلال إقامته في فندق فكتوريا(سميراميس حالياً)، زنوبيا سيريكاكيس، التي كانت تعيش بين دمشق وبيروت، ثم انفصل عنها بعد أن أنجب منها ولدين. استطاب العيش بدمشق، فسعى ليتقلد منصبًا دبلوماسياً فيها، فعين نائباً للقنصل الفخري الإسباني في دمشق بين عامي 1912م- 1936م، وتعرف على زوجته الثانية صبرية حلمي التي تصغره بعشرين عاماً، خلال عمله في تشييد بيتاً لعائلة حلمي -وهي عائله دمشقية تركية الأصل – ، فتزوجها بعد أن اعتنق الدين الإسلامي ليصبح (محمد أراندا)، ورحل معها إلى حيفا للعمل، ليعود إلى دمشق ويقطن فيها إلى أن وافته المنية في مشفى الطلياني بدمشق في شهر كانون الأول عام 1969م، حيث صلى أهل دمشق على فرناندو في جامع المرابط ثم دفن في المقبرة الإسلامية بباب الصغير، بعد معاناة مع المرض، عن عمر يناهز التسعين.
أسهمت عبقرية هذا الفنان في تطوير فن الهندسة المعمارية وتخطيط المدينة الدمشقية الحديثة في النصف الأول من القرن العشرين, وما تزال ذكراه جاثمة في مدينة دمشق من خلال نتاجه المعماري المتميز، بمزجه بين عناصر فن العمارة الإسلامية؛ مثل ألواح القيشاني وتشكيلات النوافذ، والزخارف الخشبية الداخلية؛ وملامح فن المعمارة الكلاسيكية الأوروبية، ولا سيما الطراز الإسباني والألماني. ليسهم في تكوين مدينة دمشق المعماري، من خلال ماتركه من أثر مادي تمثل في مخططات عمرانية وأبنية رائعة(1).
(1) د. عزة علي آقبيق، التاريخ السوري المعاصر