شهادات ومذكرات
من مذكرات أمين أبو عساف: بدايات الحكم الفرنسي في السويداء (2)
من مذكرات أمين أبو عساف: بدايات الحكم الفرنسي في السويداء
في الخامس والعشرين من شهر حزيران 1921 دخلت البعثة الفرنسية إلى الجبل مع الأمير سليم الأطرش، وتضم المستشارين والتراجمة والكتبة، وقوة من الجيش الفرنسي لفرض سلطة الحكومة الجديدة، وبالرغم من ضخامة الحدث لم أدرك شيئاً من أبعاده، فقد كنت طفلاً وكنت أسمع الأخبار بدون تأثر أو إدراك لمغزاها.
قبل الانتداب كانت المنطقة أي محافظتي درعا والسويداء تعرفان باسم “حوران” ومحافظة السويداء باسم “جبل حوران” حتى أن محافظة درعا قبل صدور التعليمات بتسميتها باسم عاصمتها كانت تسمى محافظة حوران…
بداية حكم الانتداب الفرنسي على الجبل:
بدأ الأمير “سليم الأطرش” مع وجهاء الجبل القيام بجولات عامة، شملت كل المناطق لتصفية الخلافات القديمة، ولوضع أسس للحكم من خلال القانون.. وفي هذه الأثناء كان والدي الشيخ “أحمد أبو عساف” من المشاركين في هذه الجولات كممثل عن العائلة.
وقد تم الأتفاق على إجراء التشكيلات التالية: تعتبر السويداء مقراً للحكومة التي يرأسها الأمير “سليم الأطرش”، وتعتبر كل من صلخد وشهبا مراكز أقضية، وتم تشكيل عدد من النواحي لإرضاء كل عائلات الجبل.. وشكل مجلس تمثيلي من أربعين عضواً بالتعيين.
أما في مركز الحكومة فقد شكلت مديريات تابعة للمستشار الفرنسي وهو بدوره تابع للأمير، وتم تعيين مستشارين فرنسيين في بعض هذه المديريات كالأشغال العامة والمعارف والمالية، كذلك انضم إلى هذه الدوائر موظفون من داخل الجبل وخارجه، وفي الأقضية كان القائمقام من زعماء الجبل ومعه مستشار فرنسي.
وقد عين في صلخد زعيم من آل ” الأطرش” وفي شهبا من آل عامر، أما في النواحي فقد تم تعيين مدير الناحية من عائلة والضابط المعاون له من العائلة التي تليها حسب العُرف.
وشكلت قوة من الدرك مؤلفة من ثلاثمائة خيال يقودها ضابط فرنسي يعاونه “توفيق بك الأطرش” الذي عين برتبة “ليتنان كولونيل” وتم توزيعها في السويداء والأقضية والنواحي.
وكان من أهم ما قدمت هذه الحكومة هو افتتاح المدارس في المراكز والأقضية والنواحي. وكانت قريتنا “سُليم” كمركز ناحية من القرى التي تم فيها افتتاح مدرسة تستفيد منها القرى المجاورة.
أما المعلمون فغالبيتهم من لبنان، ولبعضهم مهمات خاصة غير التعليم كقيامهم بالدعاية للدولة المنتدبة، وتوجيه ومراقبة الأهالي حسب رغبتهم، وما يخدم مصالح المستعمر.
كان التدريس بمجمله باللغة الفرنسية حيث تدرس مواد الحساب والقراءة والقواعد والإملاء والتاريخ والجغرافيا لكل من فرنسا وسورية، ولا يدرس باللغة العربية إلا مادة القراءة والإملاء والقواعد العربية.
فكانت هناك كتب مخصصة للمستعمرات باللغة الفرنسية… مثلاً كنا نقرأ في كتاب التاريخ العبارة التالية: “بلادنا فرنسا كانت شمس لاغول”. وأهلنا يسمون “لاغولوا”.. ونردد هذه العبارات دون أن نعرف معناها أو مغزاها سواء كنا سوريين أو جزائريين او فيتناميين.
بقينا على هذه الحال حتى قيام الثورة السورية الكبرى عام 1925 حيث انقطعنا سنتين عن الدراسة، انسحب خلالها الفرنسيون من الجبل وبضغط من الثورة، وبعد انتهائها أعيد افتتاح المدارس وتابعنا ما بدأناه[1].
[1] أبو عساف (أمين)، ذكرياتي، دمشق 1996، صـ 16.