مختارات من الكتب
مساعي موسوليني لنقل الانتداب على سورية من فرنسا إلى إيطاليا
المجاهرة الإيطالية بالانتداب على سورية[1]:
قام الفاشيون الطليان بمجهود واسع وأقدم في الدعاية بالبلاد العربية. وكما شأن الدعاية الاستعمارية في كل الحقب، فإنها تعتمد على الروح الدينية وتظهر بمظهر الغيرة على الأديان الأخرى.
وعلى غرار قادة أوربا منذ القرن الثامن عشر حرص الفاشيون على فهم الدين الإسلامي لأنها أدركوا أن قوة المجتمعات الشرقية تكمن في قوة الإسلام على الاستمرار والمجابهة. هذه الانتقائية الإمبريالية الأوربية كانت تتمائل بلا مبالاة وحسب الحالة مع الوجوه المتناقضة لأوربا.
وكانت مسألة التغلغل الفاشي في البلدان العربية تحول دونها عقبة كبيرة وهي اجتياح إيطاليا لطرابلس الغرب وما رافقه من تنكيل بالسكان العرب. لذا كان الشعور العربي الإسلامي العام على أشد ما يكون عداء ضد الإيطاليين. إلا أن هذا العداء سرعان ما تم تخطيه من منطلق اعتماد الواقع السياسي لا الحقيقة المجردة. فالقوى الوطنية الشامية كانت على استعداد للتعاون مع أية قوة تخرجها من هيمنة الاستعمار الفرنسي – البريطاني وتحقيق الاستقلال والسيادة الوطنية. فقد وجدوا في طروحات موسوليني العلنية المعادية للاستعمار قاسماً مشتركاً مع تطلعاتهم التحريرية.
وعندما استولي موسوليني على السلطة في روما حاول أن يظهر انطباعاً لدى بعض الدوائر العربية بأن سياسية إيطاليا تجاه العرب ستتبدل لصالح دعم القضايا العربية. وتلازم ذلك مع تشجيع مواطنية على تأسيس تشكيلات فاشية في مناطق عربية مستهدفة.
في أواخر عام 1922 وصل إلى لبنان ضابط سابق في الجيش الإيطالي “برينو أغسطين” بحجة العمل بتجارب الأخشاب بالجملة، وكان من مجندي الفاشية. وسرعان ما أصبح أغسطين رئيساً للجالية الإيطالية واحتفظ بنفسه بكل أعمال الدعاية الفاشية، وأسس المركز الإيطالي ليكون مقراً للفاشست.
وفي ظل هذه التطورات، نشط القناصل الطليان في المشرق وقاموا بتوزيع نشرات مطبوعة على الآلة الكاتبة على بعض الصحف تُقدَم فيها موسوليني كحام للإسلام.
شجع الدور المتنامي لإيطاليا المعارضة في بلاد الشام للتوجه إليها بالشكوى ضد ممارسات الانتداب الفرنسي. فقد رفعت لجنة المؤتمر السوري – الفلسطيني عام 1923 مذكرة باسم المسلمين والمسيحيين إلى رئيس المؤتمر الاقتصادي الدولي في جنوى وإلى رئيس وزراء إيطاليا ووزير خارجية روسيا حيث عبرت اللجنة عن استيائها بالقول ” ان سلطة الاحتلال لا تستطيع الاتكال على العنصر المسيحي لاستبعاد أخوانه المسلمين إذ لم يكن خط الدين الاعتبار الأول في جميع الوقائع التي يعرفها تاريخ سورية ولبنان. إن تظاهرات الولاء للفرنسيين التي دبرتها المفوضية العليا عائقة بثقة المسيحيين وتوزيع الأسلحة على بعض القرى وتنظيم العصابات ضد المسلمين والتعسفات الأخرى التي ارتكبتها السلطة المحلية قد خلقت حالة مخيفة غير طبيعية[2].
إن عودة الارتياح العربي للموقع الإيطالي دفع بموسوليني للمجاهرة بطلب انتداب بلاده على سورية.
وفي الاجتماعات التي كانت تعقدها عصبة الأمم في جنيف برئاسة Aristid Briand جرى التلميح بسرعة إلى الورقة السورية كتعويض محتمل لحاجات التوسع الإيطالي.
في أيلول عام 1925 قام سفيرا إيطاليا في لندن وباريس بمساع لدى حكومتي البلدين لتأكيد حقوق إيطاليا.
وحصل السفيران على ضمانات من وزير الخارجية Chambelain و AVezzana، لكن لم يكشف عن مضامينها.
تزامن ذلك مع قيام حملات إيطالية إعلامية واسعة لتغذية الإحباط الذي مني به الإيطاليون في مسيرتهم الاستعمارية. وتعمد موسوليني استغلال أية مناسبة ليظهر كمدافع عن سورية ولبنان الظلومتين من قبل أمم أخرى.
وخلال نشوب الثورة السورية أرسلت روما الطراد Torpilleur للرسو في بيروت بهدف إفهام فرنسا، عجزها على حماية أمن الرعايا الإيطاليين وتحسباً لأسوأ الاحتمالات.
لكن باريس اعتبرت التصرف الإيطالي بأنه لا يخلو من خلفية سياسية وأنه يتعدى حماية مواطنيها لتقديم العون للسوريين، لذلك أكدت عزمها على حماية كل الرعايا الأجانب.
وبعد مداخلات الدوق جرى سحب الطراد إلا أن ذلك لم يمنع الصحف الإيطالية من تناول الموضوع وإظهار فشل فرنسا في المشرق وعدم قدرتها على استمرار انتدابها الذي عهد إليها.
وأشارت جريدة L´oriente الإيطالية إلى أن السوريين تلقوا قذائف أكثر من الفرنكات، إنهم مستغلون أكثر من كونهم مساعدين.
وشارك الفاتيكان الفاشست في مواقفهم إذ اعتبر أن الفرنسيين ليسوا بمستوى يمكنهم من تأمين حماية فعالة للأقليات المسيحية في الشرق.
أما صحيفة “غارديان” البريطانية فقد كشفت عن “تواتر إشاعات في الشرق الأوسط، وفي هذه السنة، بأن الفرنسيين سيغادرون سورية التي ستنضم إلى الأقطار التي تتحمل بريطانيا تبعيتها”.
وأضافت صحيفة” لسان الحال” البيروتية التي نقلت الخبر، وها قد جاءت حوادث سورية الأخيرة فزادت من تلك الإشاعات[3].
وفي عام 1926 استغل موسوليني قدرة الثوار السوريين على الصمود ليشن حملة شديدة على فرنسا طالب فيها بالبلاد السورية كمدى حيوي للشعب الإيطالي[4].
وتتالت خلال هذه السنة الشائعات في بعض الصحف الغربية عن قرب نقل الانتداب على سورية من فرنسا إلى إيطاليا.
وفي الخامس عشر من شباط أشارت وكالة Palestine telegraphic إلى إجتماع عقد في روما بناء على طلب موسوليني. وفهم ان إيطاليا مهتمة عن قرب بسورية وأوضاعها وبمدى قيام معارضة محتملة للانتداب الفرنسي فيها.
وجرى التلميح إلى أن إيطاليا ستكون جاهزة لقبول مسؤولية الانتداب بالشروط نفسها التي كانت لفرنسا. وهناك شائعات غير مؤكدة في روما تقول بأن قسماً مهماً من أعضاء عصبة الأمم مؤيد لقرار حصول إيطاليا بالانتداب على سورية[5].
[1] النص نقل بتصرف من كتاب الدكتور علي عبد النعم شعيب، الصراع الإيطالي الفرنسي على بلاد الشام 1860-1941، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الأولى 2002، صـ 70-73
[2] السعيد (أمين)، الثورة العربية الكبرى، المجلد الثالث، مطبعة عيسى، مصر، صـ 272.
[3]صحيفة لسان الحال، عدد 2 تشرين الثاني 1925
[4] إسماعيل (عادل)، السياسة الدولية في الشرق العربي، الجزء الخامس، بيروت، 1970، دار النشر للسياسة والتاريخ، صـ 114.
[5] Palestine telegraphic Agency. Le 15-2-1926