سلايدشهادات ومذكرات
من مذكرات أدهم الجندي: إغتيال البطل الصنديد أحمد آغا 1926
إغتيال أحمد آغا الملا 1926
هو أحمد بن محمد بن أحمد بن يوسف الملا، انحدر من أسرة كردية، واستوطن جده أحمد دمشق قادماً من بلدة سورك في ولاية أورفا كردستان.
ولد الشهيد بحي الأكراد بدمشق 1891م، وتلقى علومه في مدرسة عنبر بدمشق، وفي الحرب العالمية الأولى كان برتبة نائب ضابط في الجيش التركي.
وفي عام 1922، أصدر بالاشتراك مع صبحي عقده جريدة أبي النواس، وانضم الى الحركة الوطنية فيما بعد، وصب حملات قلمية شديدة على الموالين الفرنسيين، فلاحقته السلطات الفرنسية فتوارى وتوقفت الجريدة عن الصدور.
ولما نشبت الثورة السورية عام 1925م، ألف مجموعة من أبناء حي الصالحية، وانضوى تحت لوائه زمرة من الشبان الواسل فساء ذلك الموالين، إذ في الجو فريقان سياسيان، فريق وطني معارض، وآخر موال للفرنسيين، وكان علي أغا زلفو وأحمد الملا يتزعمان الفريق الوطني وبعض الاغوات يتزعمون المعارضة، وقد ساء هؤلاء نجاح الفريق الوطني، في الدعوة للثورة والخروج إلى الجهاد، وقد أثر ذلك تأثيراً كبيراً على نفوذهم الشخصي لدى السلطات الفرنسية، لأنهم كانون يدعون السيطرة والزعامة على حي الأكراد، وفراحوا يقاومون الحركة الثورية ويدسون الدسائس للتفريق والايقاع برجالها.
كان الشهيد الصنديد أحمد الملا زعيم المجموعة الكردية في الغوطة، وأبدى في جميع الملاحم التي اشترك فيها حتى مصرعه بطولة كانت مضرب الامثال، وقد أشاد القائد الشهيد سعيد العاص بعناصر بطولته، فقد صمد معه في معركة النبك، وقتل جواده في معركة القسطل، وكانت مواقفه مشهورة في معارك جسر تورا وغيرها.
اغتياله
لقد تعددت الروايات في أسباب حادثة اغتياله، ورغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً على المأساة، فقد رأينا من الحكمة التغاضي عن سرد تفاصيل المؤامرة ونبش الماضي، لأنها ليست في صالح أحد الان، سيما وأن الفريقين من العنصر الكردي.
خرج الشهيد أحمد الملا ومعه 40 فارساً من رجاله من أراضي مسرابا، وقصده التوجه إلى سوق وادى بردى لتدمير الخط الحديدي، فلما وصلوا قرية معربا، كان آل عكاش، وهم محمد وسعيد وعبدو عكاش ورجالهم فيها، فانسحبوا إلى قرية التل، فتابع أحمد الملا سيره إليها، ثم لحقهم إلى منين، وكان يقصد مقابلة آل عكاش والاتفاق على القيام بمهمة نسف الخط الحديدي.
والذي اتضح أن أبناء عكاش، قد وصل إلى مسامعهم ما يضمره لهم أحمد الملا مما أوغر صدورهم وأوجسوا خيفة من الاجتماع به، وهو لا يدري ما خبأه القدر القامي له ولرفاقه من مأساة ومجزرة مفاجئة، وكان رحمه الهل نبيلاً في مقاصده، طيب السريرة لا يقصد بآل عكاش سوءاً.
وكان يرافق آل عكاش زهاء تسعين ثائراً مسلحاً، فالتقى برأس الجبل في منين، فسار الشهيد أحمد الملا إليهم، وكان يصعد الجبل ويناديهم طالباً منهم النزول لمرافقته إلى سوق وادى بردى لتدمير الخط الحديدي، فأجابوه أن يذهب ورجاله إلى معربا، وأنهم سيلحقون بهم، فسار الملا من منين إلى قرية التل، ودعاه حسن الزيبق لتناول طعام الغداء، ثم نزل أبناء عكاش من قرية منين من موقع سيدي قسيم الواقع خلف التل إلى معربا، وتحصنوا في الصوانة الغربية والشرقية على جبل معربا، وكان ثوار قرية معربا من آل عكاش، وبعد الغذاء توجه أحمد الملا ورجاله من التل إلى معربا، وعند وصوله إلى أسفل جسر معربا، بادرهم آل عكاش بإطلاق الرصاص عليهم، وفطلع الشهيد إليهم وناداهم بالكف عن النار والحضور للتفاهم، فنزل عبدو عكاش، وتحدث إليه بكلام أنيس لطيف، ثم غدر به وأطلق رصاص بدقيته فصرعه، وأطلق رفاقه رصاص بنادقهم إلى صدور جماعته، فصرعوا اثنى عشر مجاهداً من خيرة أبطال الأكراد وهم الشهداء: حيدر آل رشي، موسى سنجو آل رشي، يوسف أحمد ظاظا، عيد محي الدين رشواني، سعدو ريحانه، محمد خالد ايزولي، ابراهيم الصالحاني، جمعه ايزولي، محمود برازي مخلوطو، حسن ياسين مللي، أبو ياسين سينو حو، إبراهيم بيري مللي.
وقعت هذه الفاجعة المؤلمة يوم الأربعاء 24 نيسان 1926، وهي مؤامرة افرنسية المنشأ، جاسوسية التدبير، سياسية حزبية اوعز بها الاستعمار، ودبرها العملاء ونفذها الجهلاء. وحقق الموالون غايتهم في القضاء على عناصر الثورة في حي الصالحية وتوطيداً لنفوذهم، وتنفيذاً لرغبات المستعمرين، وكلنا انقضى الزمن كانت ذكرى هذه الماسأة مثار اللوعة والشجن.
اثر الفتنة في الثورة
كان لهذه المجزرة أبلغ الاثر في صفوف المجاهدين، ومن البديهي أن تخسر الثورة قوة كبيرة من رجالها، وقد انسحب آل عكاش من المنطقة كلها، وظلت مجموعة الشهيد أحمد الملا تلاحقهم للأخذ بالثأر، وكانت من عوامل هذه الفاجعة الاليمة ان تمزقت عصابة الصالحية، وقد كانت مسيطرة على منطقة واسعة في شمالي الغوطة، ولم تدم الثورة بعد هذه الفتنة سوى بضعة أشهر، وكانت هذه الحادثة بداية النهاية للثورة، وهذا مان يسعى إليه الفرنسيون.
لقد حكم الفرنسيون على الشهيد أحمد الملا بالاعدام غيابياً، وحرقوا داره في القابون، ونهبوا كل مافيها، ولا تزال انقاضاً حتى الآن، عاش هذا المجاهد الشهيد عزيز النفس، ومات فقيراً وبيته مرهوناً، ولم يعقب ولداً من زوجته، وترك شقيقاَ صغيراً في العاشرة من عمره، وهو السيد جميل الملا، وقد اضطر للعمل المرهق في سبيل العيش، وهذا دليل مادي على نبل غايته وسموه جهاده.
وقد دفن الشهيد في مقبرة الشيخ خالد النقشبندي في سفح قاسيون.[1]
[1] آل الجندي (أدهم)، تاريخ الثورات السوري في عهد الانتداب الفرنسي، مطبعة الاتحاد 1960م، صـ 379.