صيدلي ولغوي، وأول من أنشأ صناعة دوائية في سورية.
ولد عبد الوهاب القنواتي في دمشق عام 1891م.
كان والده تاجراً دمشقياً وأمه لبنانية الأصول، ويرجع نسب أسرته إلى حي القنوات الدمشقي.
تلقى دروسه الأولية في أحد كتاتيب حيه، كما كان مألوفاً في زمانه، ثم انتسب إلى المدرسة الكاملية، وهي أول مدرسة خاصة افتتحت في دمشق، وأسسها الشيخ كامل القصاب.
وكان صاحب المدرسة يستعين بالطلاب المتفوقين من الصفوف العليا في مدرسته ليعلموا في الصفوف الأولى، وكان عبد الوهاب القنواتي واحداً منهم. وحينما أتم تعليمه في المدرسة الكاملية عُيّن مدرساً للغة التركية في المدرسة العازارية في دمشق لقاء دراسته اللغة الفرنسية فيها، ثم التحق بعد ذلك بالمدرسة الطبية العثمانية في دمشق، ونال شهادة الصيدلة عام 1911.
عمل بعد تخرجه في صيدليات عدة، إلى أن دعي إلى الخدمة العسكرية حينما نشبت الحرب العالمية الأولى (1914ـ1918)، فكلف تأسيس صيدلية مستشفى زحلة العسكري، وقام بتجهيزها بما تتطلبه من تحضير أدوية زرقية لمحاليل الكينين والكافئين وزيت الكافور، وكثير من المساحيق والأشربة، التي كان الجيش العثماني بحاجة إليها. وحينما علمت القيادة العليا للجيش بالأعمال المثمرة التي قام بها،كلفته مساعدة أستاذ الكيمياء والصيدلة في المدرسة الطبية العثمانية. وكانت هذه قد انتقلت في أثناء الحرب من دمشق إلى أبنية كلية طب الجامعة اليسوعية في بيروت، والتي كانت مخابرها مجهزة بأحدث الوسائل العلمية في إلى ذاك الزمن.
وفي عام 1917، أُرسل أستاذ الكيمياء والصيدلة ببعثة إلى ألمانيا للبحث والاطلاع، فكلف عبد الوهاب القنواتي الحلولَ مكانه، وتدريس الكيمياء العامة غير العضوية، والكيمياء المعدنية مع علم الصيدلة والكيمياء الصيدلية. وبقي متحملاً مسؤولية تدريس هذه المواد بمفرده حتى نهاية الحرب.
وحينما افتتح المعهد الطبي العربي (كلية طب جامعة دمشق اليوم) عام 1919، في عهد الحكومة العربية الفيصلية، كان عبد الوهاب القنواتي أحد الأساتذة المؤسسين. ومما يذكر في هذا الشأن، أنه أول من ألقى درساً باللغة العربية فيها، وقد أوفده الملك فيصل يومئذٍ ممثلاً عنه ليحضر ابتداء الدروس والاستماع إلى أول محاضرة علمية جامعية تلقى باللغة العربية في دمشق في العصر الحديث.
قام عبد الوهاب القنواتي بجهد كبير؛ لتأسيس مخبري الكيمياء والصيدلة وتجهيزهما بالوسائل والمعدات والمواد اللازمة. وقد أسند إليه تدريس الكيمياء العامة، وأشباه المعادن، وتحليل الأملاح، وفن الصيدلة.
كما كلف القيام بجميع التحاليل الطبية والغذائية في المستشفى الوطني التابع للمعهد الطبي. وعهد إليه، إضافة إلى ذلك كله، تدريس علم النبات وكالة مدة سنتين.
أوفد عبد الوهاب القنواتي عام 1924 إلى باريس من قبل الجامعة السورية (جامعة دمشق اليوم)، فالتحق بمؤسسة باستور للتخصص في الكيمياء الحيوية، وعمل في مخابر مستشفى كوشان Cochin للتعمق في طرق التحاليل الطبية، كما واظب في الوقت ذاته على مخابر بلدية باريس لدراسة تحليل المواد الغذائية، وعلى مخابر دائرة شرطة باريس للتعمق في معرفة تحليل الأحشاء وكشف السموم في البشر والأغذية ومياه الشرب. وحينما عاد إلى دمشق عام 1925 تولى تدريس الكيمياء العامة والمعدنية، وتابع عمله في مخبر الجامعة فقام بتجهيزه بما يلزمه من أدوات للقيام بالتحاليل الغذائية والسمية والجنائية.
وفي عام 1926، كلفه رئيس المجمع العلمي العربي في دمشق (مجمع اللغة العربية ) إلقاء محاضرات تتصل بالكيمياء، إذ كان العرف يومئذٍ أن تلقى كل أسبوع محاضرة عامة في ردهة المجمع. وكانت محاضرته الأولى بعنوان: الجوهر الفرد (الذرة)، والثانية في الأصباغ والمواد الملونة الطبيعية والاصطناعية، وتبعتها محاضرات أخرى.
وفي عام 1939، أوفدته الجامعة مرة ثانية إلى فرنسا للاطلاع على المستحدثات في العلوم المتخصص فيها، فعمل في مستشفى الشفقة لتعميق معارفه في التحاليل الحيوية والفيزيولوجية والمرضية. وسمي بعد عودته أستاذاً للكيمياء الحيوية الفيزيولوجية والمرضية والتحليلية، وظل يشغل هذا المنصب حتى أحيل على
التقاعد عام 1949.
ألف عبد الوهاب القنواتي خمسة كتب: في الكيمياء العامة، وفي أشباه المعادن، وفي المعادن، وفي التحاليل الطبية، وفي الكيمياء الطبية والمرضية، وكان لبعضها أكثر من جزء واحد. كما وضع جداول للتحليل الكيفي، وأخرى للفيتامينات. وقد أعيد طبع كتبه مرات عدة.
كان عبد الوهاب القنواتي في مؤلفاته عالماً ومحققاً، فقد كتب في مقدمة كتابه دروس الكيمياء غير العضوية: «واعتمدت في التأليف على أحدث الكتب العصرية الإفرنجية بعد أن نبشت بطون الكتب القديمة من عربية وغيرها، للوقوف على النظريات السالفة ومقارنتها بالحاضرة». ثم يعدد بالتفصيل المصادر التي اعتمدها من مؤلفات ومجلات بادئاً بذكر أسماء أساتذته وفاء لهم فيقول: «دروس أستاذي ليغور بك في الكيمياء غير العضوية في دمشق، ودروس أستاذي مصطفى حقي بك في الكيمياء العضوية في دمشق« ثم يتابع بقية المصادر».
ولعبد الوهاب القنواتي فضل كبير في وضع المصطلحات الكيميائية، لكنه كان شديد التواضع، ولم يحظ بالمكانة التي يستحقها في هذا المضمار. ومما يقوله في مقدمة كتابه «الكيمياء العامة»: «أما الاصطلاحات والصيغ الكيماوية فسندرج على استعمال ما شاع منها وعرف بلغتنا العربية الكريمة. وما استعصى علينا وضعه أو تعريبه فسنجعله بين هلالين، حتى يقيض الله لهذه الأمة العربية مجمعاً علمياً فنياً عاماً، يأخذ على نفسه القيام بوضع مصطلحات علمية تنطبق على قواعد الفن واللغة العربية السمحة معاً، يتداولها كل من ينطق بالضاد».
أنشأ عبد الوهاب القنواتي عام 1923 نواة أول معمل صغير في سورية لصنع الأدوية والمستحضرات الطبية في صيدليته الخاصة. وكان يشرف عليه من الناحية العلمية، ويساعده إخوته على العمل. وفي عام 1929 أسس أول شركة مساهمة لصناعة الأدوية، ضمت عدداً من الأطباء والصيادلة الجامعيين المتخصصين، غير أن النجاح لم يحالف هذه الشركة فتمت تصفيتها عام 1931؛ ومع ذلك تابع العمل في إنتاج الأدوية في مصنع خاص به، وتفرغ للعمل فيه بعد إحالته على التقاعد، وحوله إلى شركة دوائية عام 1960، وظل يمارس نشاطه فيها حتى شهرين قبل وفاته.
بدأ عبد الوهاب القنواتي في عام 1921 بدراسة مياه منطقة دمشق، وتحليلها. ونشر نتائج دراساته، وأثبت جودة مياه عين الفيجة، وبقين، وهريرة، وغيرها. وكان في عداد مؤسسي «جمعية مياه عين الفيجة» (مؤسسة مياه عين الفيجة اليوم)، وانتخب عام 1924 عضواً في مجلس إدارتها. ومما يجدر ذكره أن أعضاء مجلس الإدارة كلهم كانوا يمارسون عملهم من دون أي أجر أو تعويض(1).
(1) الموسوعة العربية، المجلد الخامس عشر، صـ 630