عام
عمرو الملاّح: عبدالقادر ناصح الملاّح وبواكير التحديث الزراعي في سوريا
عمرو الملاّح – التاريخ السوري المعاصر
الإعلان التجاري لشركة “دوبلكس” الأمريكية (Duplex Mill & Mfg. Co) “الشهيرة بتوفيرها ومتانتها” والمتخصصة بتصنيع المطاحن وآلات غربلة الحبوب، التي كان وكيلها الحصري بحلب في العشرينيات من القرن الماضي عبدالقادر ناصح الملاّح في محله الكائن في شارع النصر.
ويذكر الملاّح في إعلانه أيضاً توافر “طواحين إفرنسية من أعلى ماركة، ومضخات معاصر زيتون، وغرابيل حديدية لتفريق البذار مع كافة الماكينات الزراعية والصناعية، وتأسيسات مغازل للصوف بأسعار لا تقبل المزاحمة، يقبل البيع بالوعد والتقاسيط مهما كان المبلغ كبيراً”.
ومما هو جدير بالذكر أن المهندس الزراعي عبدالقادر ناصح الملاّح (1878-1931)- وهو النجل الأكبر لرجل الدولة مرعي باشا الملاّح – كان من أوائل الذين دعوا إلى إدخال المكننة الحديثة في العمليات الزراعية في سوريا، نظراً لما لها من دور كبير في زيادة الإنتاج وتخفيض تكلفته وزيادة مساحة الرقعة الزراعية لتلبية الاحتياجات البشرية المتزايدة من المحاصيل الغذائية والتجارية بدل الوسائل التقليدية.
ولم تقتصر دعوة الملاّح على الجانب العلمي النظري وحده عبر إصداره مجلة “الجريدة الزراعية” (Revue Agricole Illustrée) بحلب بين عامي 1924-1925 فحسب، وإنما تعدت ذلك إلى الجانب العملي التطبيقي؛ فكان إلى جانب رجل الاقتصاد نجيب باقي من أوائل أصحاب وكالات الآليات (الفابريكات) الزراعية بحلب، إلى جانب تأسيسه شركة لتصدير الحبوب والغلال.
وكان وزير الزراعة الفرنسية قد كرم الملاّح في العام 1923 بمنحه وسام جوقة الاستحقاق الزراعي بدرجة (شوفاليه/ فارس)، وهو الوسام الذي تمنحه الحكومة الفرنسية تقديراً للشخصيات التي تقدم خدمات جليلة في القطاع الزراعي.
ولقد واصل الملاّح جهوده الرائدة الرامية إلى النهوض بالواقع الزراعي في سوريا، متحملاً أعباء مالية كبيرة في مسعى منه لتخطي كافة العقبات والصعوبـات التي اعترضت طريقه، ومن أهمها أن المزارعين في بلادنا كانوا يستغربون ما يقدمه من طرق وأساليب زراعية حديثة لاعتقادهم بأن الزراعة إنما هي حرفة عملية تكتسب بالتقليد والمحاكاة ولا تحتاج إلى المعرفة العلمية والتطبيق العملي لها.
كما أن نشاطه الاقتصادي سيتضرر إبان الأزمة الاقتصادية العالمية (1929-1931)، التي تزامنت مع اجتياح موجة جفاف حادة للبلاد استمرت في الحقيقة وفق وتائر مختلفة قرابة سبع سنوات ابتداء من العام 1926.
وبرحيل عبدالقادر ناصح الملاّح باكراً وهو في أوج عطائه فقدت سوريا رائداً من رواد نهضتها الاقتصادية والتنموية لم ينل بعد حقه من البحث والدرس.