أحداث
قصر عبد الحميد الدروبي في حمص
يقع قصر عبد الحميد الدروبي– بيت الباشا في مدينة حمص بين القلعة جنوباً والمشفى الطبي شمالاً، وجامع النوري شرقاً والغوطة غرباً. وباني هذا البيت شخصية سياسية مرموقة وذات مكانة عظيمة هو عبد الحميد باشا سليم الدروبي الذي ولد في حمص سنة 1265هـ/1848م وتوفي سنة 1336هـ/1917م. تقلد هذا الرجل مناصب كثيرة، أهمها قائم مقام ورئيس بلدية حمص عدة مرات، ورئيس الغرفة التجارية، وغيرها من المناصب السياسية. وإلى جانب ذلك عُرف عنه اشتغاله بالتجارة، وقد أسهم على نحو فعال في بنا كثير من المشاريع العمرانية، أهمها جامع خالد بن الوليد بحمص [ر]؛ إذ أوفد المهندس نايف خزام إلى مصر لينقل تصميم جامع محمد علي بالقلعة، فتم بنا جامع خالد بن الوليد بحمص على النسق المعماري لجامع محمد علي المعروف بالقاهرة.
وفي أواخر القرن 13هـ/19م- أي في العصر العثماني المتأخر- أوكل الدروبي بنا قصره المعروف ببيت الباشا إلى أحد المهندسين الأفذاذ وهو المهندس محمد أنيس قاميش الذي قام على هندسة القصر والإشراف على تنفيذه؛ حيث جلب بعض الفنانين والرسامين من خارج البلاد لزخرفة القصر، فجا نموذجاً معمارياً فريداً بهندسته المتقنة وروعته الزخرفية.
تكمن أهمية هذا القصر من الناحية التاريخية في كونه استقبل شخصيات سياسية مهمة مثل خليل بك العظم 1313هـ/1895م، والأمير محمد علي باشا المصري سنة 1328هـ/1910م الذي وصف القصر بأنه بيت مجد وإمارة، والملك فيصل- ملك سورية في ذلك الوقت- إضافة إلى استقبال القصر لبعض المندوبين الفرنسيين زمن الاحتلال الفرنسي لسورية.
تفتقر المصادر الآثارية إلى وصف دقيق لبيت الدروبي حيث ندر من تحدث عنه من الآثاريين، إلا أنه يعد مثالاً يجمع كل مميزات القصور والبيوت الشامية في العصر العثماني؛ فهو يعد نموذجاً معمارياً تختلط في عمارته وزخارفه التقاليد والعناصر المعمارية زمن بنا القصور الأوربية الكلاسيكية والمعروفة بـ (الباروك والروكوكو) بالعناصر الزخرفية الشرقية.
يتألف البيت من طابقين علوي وسفلي، على واجهة القسم العلوي أربع نوافذ كبيرة الحجم ومتناظرة، تعلو تلك النوافذَ أقواسٌ فوقها إفريز حجري مثلثي. كما يوجد بالطابق السفلي أربع نوافذ متناظرة على جانبي الباب الرئيسي الذي يتم الصعود إليه من خلال درج، وهناك جز من الطابق السفلي كان يستخدم مخزناً ومستودعاً للحطب.
واجهة البيت الرئيسية متناظرة، تتقدمها وتنصفها كتلة المدخل المؤلفة من ثلاثة عقود مدببة مفصصة محمولة على أربعة أعمدة رخامية أسطوانية، وهي تحوي خلفها وعلى سمت الواجهة باب المدخل المستطيل وشباكين متناظرين عن يمين ويسار. وتحمل عقود هذا المدخل شرفة الطابق الأول عبر درابزين من مزهريات حجرية، ويطل عليها واجهة زخرفية ذات أربعة أعمدة رخامية تحمل ثلاثة عقود مدببة ومفصصة، يعلوها ويتوسطها ثلاث قمريات دائرية. وترتفع نهاية الواجهة فوق هذه العقود بشكل مثلثي، ويؤطر زوايا المبنى أحجار بارزة ومتداخلة بشكل رتيب على طراز المباني الأوربية.
أما «الصالون» الرئيسي فيتوسط البنا في الطابقين العلوي والسفلي، ويحيط به من الجهات الأربع أروقة لها عقود مدببة محمولة على أعمدة رخامية رشيقة ذات تيجان مزخرفة. والأقواس غاية في الروعة، يعلوها زوايا رخامية بنقوش بديعة مصقولة بدقة ينعكس منها الضو . وتتقدم الأروقة بنحو 180سم عن الجدران المحيطة والمفتوحة إلى الغرف الأخرى بأبواب وواجهات من الخشب المتشابك والبلور الملون التي يؤدي كل منها إلى غرفة تطل على شرفة واسعة رئيسية بوساطة ثلاث أقواس مدببة ومفصصة محمولة على أعمدة رخامية لتؤمن دخول الضو إلى «الصالون»، وسقف البيت مغطىً بالقرميد، ومن الداخل مُبطَّن بنوع من الطوان المشكل من الكلس والقنب على أخشاب ضيقة متقاربة ومتداخلة، ومشغول بالزخارف الجصية النباتية الرائعة.
وأرضيات بيت الباشا فرشت أغلبها بالرخام المجزع، وغطيت بعض جدران قاعات القسم العلوي بالقاشاني الأبيض والأزرق الدامغ المزركش.
وقد تعرض البيت للكثير من التعديات المتكررة والإهمال حتى أزيلت باقي أجزائه المهمة في ثمانينيات القرن 20م، وشيد مكانها مجمع تجاري حديث (البلازا)(1).
(1) السليطي (فاطمة)، بيت الباشا “قصر عبد الحميد الدروبي”، موسوعة الآثار في سورية – الموسوعة العربية.
قصر عبد الحميد باشا الدروبي سنة 1899 وتظهر في الصورة الدبويا وجسر الساقية المجاهدية وعمود تلغراف وأرض حديقة السراي وأشجارها الصغيرة.
لتوضيح زاوية التقاط الصورة فإن المصور (أوبنهايم) في وقتنا الحالي سيكون واقفا مكان الساعة الجديدة وهو ينظر مباشرة باتجاه مجمع البلازا وتظهر السراي (المحافظة) إلى يساره.
توثيق عبد الهادي النجار