عام
عمرو الملاَح: الفريق كامل باشا القدسي (1849-1926) رجل دولة، وقائد عسكري
عمرو الملاَح – التاريخ السوري المعاصر
نشأته ودراسته
========
ولد الفريق كامل باشا القدسي بحلب في العام 1849 في أسرة عريقة ذات نفوذ ومكانة، تنتسب إلى القطب الصوفي الشيخ أبي عبد الله الحسين الشهير بقضيب البان الموصلي الحسني (المتوفي سنة 573 هـ/ 1177 م)، وأصل الأسرة هذه من أورفة، وكانت تنتمي إلى المؤسسة الدينية في مرحلة ما قبل التنظيمات العثمانية، وسبق لبعض أفرادها أن تولوا مناصب الإفتاء ونقابة الأشراف بحلب، ثم ما لبثوا أن تحولوا إلى إشغال المناصب الإدارية العالية في مرحلة التنظيمات.
وأما والده السيد حسام الدين أفندي ابن نقيب الأشراف السيد تقي الدين أفندي القدسي الباني الحسني (1828-1891)، فقد كان من كبار أعيان حلب ورجال الإدارة العثمانيين-التنظيماتيين البارزين. وقد تدرج السيد حسام الدين أفندي القدسي في مناصب البيرقراطية العثمانية، فكان على التوالي: رئيساً لديوان المجلس الكبير (الإدارة) في إيالة حلب قبل أن تصبح ولاية؛ قائم مقام (مدير منطقة) لقضاء إدلب؛ متصرفاً (محافظ) للواء البصرة بالوكالة؛ قائمقام لقضاء كفري؛ متصرفاً للواء الحلة؛ رئيساً للتحصيلات في ولاية حلب؛ عضواً في مجلس إدارة الولاية؛ وأخيراً رئيساً لبلدية حلب بين عامي 1888-1891.
درس القدسي على يد أساتذة أخصائيين في مدينة الحلة العراقية، حيث كان يعمل والده قائم مقام لها، وتابع تحصيله العلمي ببغداد فالتحق بمكتبها (مدرسة) الإعدادي الملكي (المدني)، ثم بكليتها الحربية متخرجاً برتبة “ملازم”، ثم اتبع دورة أركان حرب في الكلية الحربية بالأستانة، وتخرج فيها حاصلاً على رتبة “يوزباشي أركان حرب” (نقيب).
في خدمة الدولة العثمانية (1877-1909)
=======================
أرسل القدسي بعد تخرجه إلى بلاونة (بليفنا) ببلغاريا تحت إمرة القائد العثماني الشهير المشير إبراهيم درويش باشا للمشاركة في فك الحصار الذي فرضه الجيش الروسي على القوات العثمانية المرابطة في المدينة تلك، وذلك إبان الحرب الروسية–العثمانية أو كما يطلق عليها الحرب البلقانية (1877-1878). وبعدما وضعت الحرب أوزارها عاد إلى الأستانة مع ترقيته إلى رتبة “قول آغاسي” (رائد)، ثم تقلب في العديد من المناصب العسكرية والإدارية العالية، فكان على التوالي:
– مفوضاً (ممثلاً) للدولة العثمانية بجزيرة قبرص؛
– مديراً للأملاك الهمايونية (السلطانية) بحلب مع ترقيته إلى رتبة “بكباشي” (مقدم) فـ”قائم مقام” (عقيد) ثم “ميرالاي” (عميد)؛
– ياوراً (مرافقاً عسكرياً) للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني؛
– مفتشاً للجيش العثماني المرابط في ولاية قونية؛
– رئيساً للجنة التحقيق في تجاوزات المشير أحمد راسم باشا والي طرابلس الغرب؛
– متصرفاً وقائداً لموقع حمص؛
– قائداً لموقع طرابلس الغرب؛
– رئيساً لإحدى الشعب التابعة للـ”سرعسكر” (قائد الجيش العثماني) في الأستانة مع ترقيته إلى رتبة “ميرلوا” (لواء) التي يلقب حاملها بالـ (باشا) من الدرجة الثانية، وينعت بـ (صاحب السعادة) دوماً؛
– معاوناً للمشير إبراهيم درويش باشا مشير المابين الهمايوني (البلاط السلطاني) مع ترقيته إلى رتبة “فريق” التي يلقب حاملها بالـ (باشا) من الدرجة الأولى، وينعت بـ (حضرة صاحب السعادة) دوماً، ويعد من أرباب المراتب العالية (أصحاب مراتب)، مما يخوله نفوذاً واسعاً وصلاحيات خاصة في دوائر الدولة كافة؛
– قائداً لموقع ديار بكر؛
– أخيراً، قائداً للرديف (الاحتياط) ومفتشاً للجيش العثماني الخامس بدمشق، حيث اضطلع بدور محوري في تنفيذ مشروع سكة حديد الحجاز أو ما عرف باسم (السكة الحميدية الحجازية) منذ انطلاقته الفعلية في العام 1900 حتى وصول أول قطار إلى المدينة المنورة في صيف العام 1908. كما شارك في تمديد خط السلك البرقي من العاصمة اسطنبول إلى الحجاز عبر دمشق مصاحباً للمواقع المرسومة لخط سكة حديد الحجاز.
وفي العام 1909 أحيل الفريق كامل باشا القدسي إلى التقاعد لبلوغه السن القانونية، وعاد إلى مدينته حلب، منصرفاً للاهتمام بالأعمال الزراعية في قرية عران التابعة لقضاء الباب التي كان يملكها.
في عهد الاستقلال العربي الأول (1918-1920)
===========================
بعدما دخل الجيش العربي إلى حلب فاتحاً في نهاية تشرين الأول من العام 1918 إثر انسحاب القوات العثمانية منها عين الفريق كامل باشا القدسي حاكماً عسكرياً عاماً بحلب وبدأ الحكم العربي الفيصلي فيها، وكانت تلك ولايته الأولى على حلب. ولم تطل مدة القدسي في حكم حلب أكثر من شهر، إذ سرعان ما خلفه فيها اللواء شكري باشا الأيوبي، بينما سمي القدسي مرافقاً فخرياً للمك حسين ملك العرب.
وعندما وصلت لجنة “كينع-كراين” المنبثقة عن مؤتمر الصلح بباريس إلى حلب لتقصي الحقائق بشأن مستقبل البلاد بعد الانهيار العثماني، كان القدسي في عداد وفد (أعيان حلب) الذي قابل اللجنة في مقر إقامتها بفندق بارون في 24 تموز من العام 1919. وقد قدم أعضاء الوفد إلى لجنة الاستفتاء الدولية تلك “برنامج دمشق” الذي أقره المؤتمر السوري العام، ويتضمن المطالبة بحصول سوريا بالكامل على الاستقلال التام بوصفها دولة ملكية دستورية فيدرالية وعلى رأسها الأمير فيصل، مع الموافقة على انتداب يأخذ شكل تقديم مساعدات تقنية ومالية يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا، ولكن ليس فرنسا. ومما جرى بين أعضاء الوفد واللجنة الحديث التالي:
س: هل مطالبكم منطبقة مع مطالب المؤتمر السوري؟
ج: هي بعينها حرفياً إلا أن لنا بعض إيضاحات تفصيلية بخصوص الحدود نعرضها عليكم وهي مدرجة في لائحتنا هذه المقدمة إليكم. وذكروا لهم أن (وادي حوران) هو الحد الطبيعي بين حلب والعراق، وطلبوا إدخاله إلى حدود الولاية ليكون (دير الزور) داخلاً ضمنها.
س: بلغنا أنه لولا الضغط لكانت أكثرية المسلمين يطلبون فرنسا.
ج: أولاً- الضغط غير متصور وقوعه لأن حكومتنا الحاضرة عربية، وهي لسان حالنا ونحن لسان حالها.
ثانياً- طلب فرنسا لا يتصور حدوثه من المسلمين، لأنهم يطلبون استقلالهم، وفرنسا تدعي حقوقاً في البلاد وهذان أمران متناقضان لا يمكن الجمع بينهما.
في حاكمية دولة حلب (1920-1922)
أُسند إلى القدسي في عهد الانتداب الفرنسي منصب حاكم دولة حلب العام سنة 1920، وكانت تلك ولايته الثانية والأخيرة على حلب. إلا أنه لم يلبث طويلاً في هذا المنصب إذ تبن له أن الفرنسيين لا يرغبون مصلحة البلاد وإنما مصلحتهم، فما كان منه إلا أن استقال في العام 1922 ولزم قريته وداره.
توفي القدسي بحلب في العام 1926، ودفن في مقبرة الصالحين.
بعض صفاته ومكانته
============
كان القدسي متضلعاً في العلوم العسكرية وفنون الإدارة، وأديباً يتقن اللغات العربية والتركية والفرنسية والإنكليزية. كما كان معتدل القامة، أبيض اللون، حليماً، لطيفاً، محباً للخير، عفيفاً، مستقيماً.
وقد أطلق اسمه على الشارع الممتد من باب الفرج حتى حي السليمية (الجميلية).
الأوسمة والميداليات التي نالها
=================
– الوسام العثماني ذا الرصيعة من الدرجة الثانية؛
– الوسام المجيدي ذا الوشاح من الدرجة الأولى؛
– ميدالية الامتياز العثمانية؛
– ميدالية سكة حديد الحجاز العثمانية ؛
– ميدالية اللياقة العثمانية؛
– وسام جوقة الشرف الفرنسي برتبة (قائد)؛
– وسام الاستحقاق الزراعي الفرنسي برتبة (ضابط)؛
– وسام الاستحقاق البحري الفرنسي برتبة (ضابط).
مصادر:
====
– جريدة التقدم (حلب)، ع2455، س9، الأربعاء 11 آب 1926؛
– تراجم آل القدسي، (مخطوط)، بقلم الدكتور رشاد بن تقي الدين بن بهاء الدين القدسي.
(*) الصورة من أرشيف ألبرت كاهن، فرنسا.