You dont have javascript enabled! Please enable it!
أعلام وشخصيات

عبد الحميد الزهراوي

تحرير: فارس الأتاسي

نشأته:

هو عبد الحميد بن محمد شاكر بن حاكم حمص السيد إبراهيم الزهراوي.

ولد في حمص عام 1871م، وأخذ تعليمه الابتدائي في كتّاب الشيخ مصطفى الترك حينما كان في السادسة من عمره. وتلقّى تعليمه الإعدادي في المدرسة الرشدية الرسمية بحمص، وأتقن اللغة التركية. وأجهد نفسه بشكل شخصي على التحصيل ومطالعة الكتب في كلّ فن فبرع وتميّز.

وبعد استحصاله على الشهادة الإعدادية بدأ يدرس العلوم المختلفة على علماء مدينته، فتلقّى علوم اللغة العربية والنحو والصرف على يد الشيخ محمد الخالد الفصيح، وتلقّى الفقه الحنفي على يد الشيخ حسن الخوجة، والحديث والتفسير والعقائد على يد المحدّث الشيخ عبد الساتر الأتاسي، وأجازه الأخير بقراءة الحديث وروايته. وقرأ الأضول والكلام والمعقول على الشيخ عبد الباقي الأفغاني.

وذُكر أنه قد أطلق حينها صحيفة بحمص أسماها “الدبّور” يطبعها ويوزّعها سرًا، يوقظ بها الشعور الوطني وينتصر “للحرية والدستور”[1].

سفره الأول إلى الاستانة ومصر:

سافر إلى اسطنبول عام 1890 بقصد السياحة، فأقام فيها برهة وجيزة ثم سافر منها إلى مصر ونزل عند نقيب الأشراف السيد توفيق البكري، وهناك اجتمع بكثير من الأدباء من روّاد “دارة البكري” وجرت بينه وبينهم مطارحات شعرية إرتجالية ، فكان موضع إعجاب وتقدير.

عاد بعدها إلى حمص فأصدر جريدة نقدية سمّاها “المنبر”[2]، كان يطبعها على مادة غروية على حسابه ويرسلها إلى البلدان المختلفة بالبريد، وقد منعتها الدولة.

سفره الثاني إلى الاستانة:

ثم عاد إلى اسطنبول عام 1895 بقصد تجارة الأقمشة الحريرية الحمصية، فاستقرّ في خان “سلطان اوطه لرى/ غرف السلطان” المخصص لتجارة الأقمشة. وبعد مدّة ترك التجارة وعكف على مطالعة العلوم والفنون في المكتبات العمومية بالعاصمة، وخاصةً الكتب المترجمة في حقول الاجتماع والسياسة والتربية.

ولاحقًا أصبح محررًا للقسم العربي من جريدة “المعلومات” بما تحتويه من مقالات أدبية أو نقدية إصلاحية، وذلك بعد أن اتصل به صاحب امتيازها طاهر بك. فكان إثر ذلك محطّ مراقبة استخبارات السلطان عبد الحميد الثاني، وعيّنه الأخير قاضيًا لإحدى الأقضية لإبعاده عن العاصمة فلم يقبل، فأبعده إلى دمشق[3] تحت الإقامة الجبرية براتب شهري قدره 500 قرش.

إبعاده إلى دمشق وحمص وتوقيفه سياسيًا:

وأثناء إقامته بدمشق كتب رسالةً لجريدة المقطم المصرية[4] على سؤالها (هل يصلح السلطان عبد الحميد أن يكون خليفة للمسلمين، ولماذا؟)، فوضع 22 بندًا يثبت فيها أن السلطان عبد الحميد لا يصلح للخلافة ويجب خلعه، وأرسلها بتوقيع (ع.ز). ثم كانت له رسالة في الطلاق أحدثت ضجة بين علماء دمشق. وله في ذلك الشأن موقف مع والي سورية ناظم باشا ذكره الجندي في كتابه برواية د.عبد الرحمن شهبندر سمعها من الزهراوي شخصيًا[5].

وألّف في تلك الفترة أيضًا رسالة في الإمامة، ورسالة في الفقه والتصوّف [6] أثارتا غضب العامة بتحريض البعض، وكادت الجموع أن تفتك به في خطب أحد أيام الجمعة بشهر رمضان، ولم ينقذه منهم إلا التصرف السريع الذي قام به الوالي ناظم باشا، حيث سارع فجلب الزهراوي وأوقفه عنده[7]. ثم جمع الوالي العلماء في مجلسه للمباحثة والمناظرة تغلّب عليهم بقوة حججه، وحصل أن تم تلفيق التهم السياسية له، فأرسل مخفورًا إلى اسطنبول وأقام فيها ستة أشهر، ثم أرسل محفوظًا إلى مدينته حمص تحت الإقامة الإجبارية عبر الطريق البرّي، وقيل أن ذلك حدث بعد توسّط أبو الهدى الصيادي له.

وحين كان في حمص كتب عدة مؤلفات منها:
كتاب “نظام الحب والبغض”، ترجمة السيدة خديجة أم المؤمنين، رسالة في النحو، رسالة في المنطق، وغيرها في علوم البلاغة والمعاني والبيان والبديع، وكتاب في الفقه.
وله بجانب ذلك مخطوطات كثيرة بقيت مسودة، وأشعار في مختلف الأبواب.

فراره إلى مصر:

وفي عام 1902م ضاق ذرعًا من إقامته الإجبارية بحمص ففرّ هاربًا نحو مصر عبر ميناء طرابلس، رغم نصيحة الإمام محمد عبده له بعدم المجيء إلى مصر والبقاء في سورية، حيث أرسل له الرسالة التالية:
ولدنا الفاضل، تمنّيت لو تمتعت بقربك، كما قدّر لي المتاع بأدبك، ولكن أحمد الله الذي يرينا ما نختار في غير ما يقع عليه الاختيار، فأنت حيث أنت، أنفع ما تكون لقومك، تجعل لهم حظًا من عمل يومك، تزحزح عن أبصارهم حجب الغفلة، وتعظهم بما أوتيت من الحكمة، وتهيّء نفوسهم لقبول الحق إذا أقبل، وتعدّها لمدافعة الباطل إذا أظلّ. وأسأل الله أن يشدّ إزرك ويحفظ من ذلك وزرك، ويرفع بعملك قدرك. وأما صلتنا فصلة آمال وأعمال، وهي خير صلة، وأوقفها عند الرجال، بارك الله بك في أيامك، ورزقك الخير والسعادة في أعوامك، والسلام”[8]

وفي مصر خالط الكثير من رجال النهضة والإصلاح، سواء من المصريين أو ممن هاجروا إليها. واتصل به الشيخ علي يوسف وكلّفه أن يكون محررًا في جريدة “المؤيد” المصرية، ثم انتقل للعمل مع الأستاذ أحمد لطفي السيد، محررًا ومصححًا في “الجريدة”، حيث تابع نشهر مقالاته.

وبقي في مصر حتى إعلان إعادة تفعيل الدستور العثماني عام 1908م.

نيابته في مجلس المبعوثان وفكرة الجامعة العثمانية:

ولما حصل إنقلاب الدستور العثماني عام 1908م انتخب وخالد البرازي نوابًا عن حمص وحماة في مجلس المبعوثان [النواب] العثماني.

وفي أول سنة من نيابته وقعت حادثة 31 مارت الشهيرة في اسطنبول، حيث حصلت محاولات تعطيل الدستور العثماني من قبل جماعة بغطاء إسلامي قادها “الدرويش وحدتي” الذي اتّهم بالعمالة للإنكليز، مما أدى إلى تدخل الجيش العثماني بقيادة محمود شوكت باشا الذي سحق التمرد، وأدّى ذلك إلى خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن عرشه وإرساله إلى منفاه في سيلانيك.

وخلال أحداث 31 مارت حاصر المتمردون المجلس النيابي، وقتل آنذاك نائب اللاذقية محمد بك أرسلان، ورمى بعض النواب بأنفسهم من النوافذ خوفًا، أما الزهراوي فبقي مع بضعة نواب في المجلس ثابتي الجأش وهم يخابرون المراكز بالهاتف ويذكرون الواقعة وما هم فيه من خطر.

ويئس الزهراوي من هذا الحصار فاخترق صفوف المتمردين بلا اكتراث حتى وصل إلى منزله وانفضّ الجمع، ولعلهم تراجعوا عن قتله حينما رأوا عمامته ومظهره الإسلامي.

وحين اقترب الجيش الثالث القادم من سيلانيك لسحق التمرد بقيادة محمود شوكت باشا، كان المترجم ممن قابله عند نقطة “آياستيفانوس” على مشارف اسطنبول لإطلاعه على واقع الأمر.

كان الزهراوي عثمانيًا تمامًا؛ أي مؤمنًا بفكرة الجامعة العثمانية، أو “اتحاد العناصر”، وهي اجتماع مختلف العناصر الإثنية والدينية تحت مظلّة الإمبراطورية العثمانية.

وفي ذلك يُذكر أنه عند صعود  حزب الإتحاد والترقي وقبل أن يأخذ منحى تركيًا طورانيًا أرسل الحزب وفدًا إلى حمص لتأسيس فرع لهم، فلم يجدوا خيرًا من الزهراوي لذلك، فعرض اسمه على محمل الإيجاب على أن يكون في الهيئة العاملة المركزية مع غيره من ذوي المعرفة فأجيب طلبه[9].

ويضيف فوزي الخطبا نقلًا عن “الرحّالة” عن هذه المرحلة من حياة عبد الحميد الزهراوي:
“وفي تلك السنة خرجت وإياه إلى النزهة حوالي حمص، فدخلنا خيامًا مضروبة لبني الحسن يعرف أصحابها، فنادى فارسًا منهم له قامة كالرمح وطلب منه أن يقصّ علينا شيئًا من أعماله في الفروسية، فقام فينا خطيبًا وخلبنا بحسن بيانه وحركاته وإشاراته. فالتفت إليّ الزهراوي مبتسمًا وقال: “هل يمكن تتريك هؤلاء الأقوام؟” إشارةً منه إلى ما ظهر من حركة الشباب الترك في الاستانة وسعيهم لمناوئة القومية العربية. ثم همس باذني قائلًا: “إن مساعدة الفكرة العربية أمر لازم”. فقلت له: “لا تستعجلها يا سيّد قبل أوانها، والذي يهمّنا اليوم إيقاف الحركة الرجعية ليس للبلاد عدوّ سواها”.

ومما يذكر له أثناء نيابته في المجلس خارج الفكر القومي؛ تقديمه تقريرًا في تموز 1911م يطلب فيه إعادة صياغة المعاهدة التجارية المؤقتة مع بلغاريا بالنظر إلى أن منسوجات ولايات دمشق [بما فيها منسوجات حمص من الصنف الأول] وحلب بشكل رئيسي تلقى رواجًا واستحسانًا في بلغاريا[10].

وقد كان قد أنشأ في اسطنبول جريدة “المدنية” التي أغلقها الديوان العرفي بعد فترة، فأنشأ بدلًا عنها بداية عام 1912م جريدة “الإدارة” [11].

معارضته لحزب الإتحاد والترقي:

وفي الفترة اللاحقة نشط في المجلس النيابي العثماني بخطبه ومداخلاته، وبدأت العلاقات بينه وبين الإتحاديين تتوتّر بشكل متصاعد. وأصدر في اسطنبول مع صديقه شاكر الحنبلي جريدة “الحضارة” الأسبوعية، ثم ما لبث أن استقلّ بها وحده. وكان في مقالاته بجريدة الحضارة وفي خطبه بالمجلس والفعاليات والمناسبات المختلفة يعتمد على النقاش الهادئ والمنطق الرصين، والتعقّل الذي كان يسمّيه اعتدالًا. وكان زملاؤه يلومونه أحيانًا على اعتداله وتروّيه، في حين كان الإتحاديون يعجبون من اعتداله مع معرفتهم أنه من أشدّ معارضيهم.

وحين حدوث الهجوم الإيطالي على ليبيا (1912)، وقف الزهراوي على منبر مجلس المبعوثان وألقى خطبة قاسية حذّر فيها من سقوط سورية والعراق والحجاز بعد طرابلس [12].

وأثناء إقامته في اسطنبول سواءً أكان مبعوثًا أم لم يكن، كان بيته محجًّا للناس على اختلاف الأديان واللغات، يستمدون منه آراءه السديدة. كانت هذه الجلسات تستمرّ إلى ساعات متأخرة من الليل، وكان مع كل هذا لا يأخذه ملل ولا ضجر ولا سآمة، مما يدلّ على سعة صدره وحسن مجلسه ومعاشرته وحسن استقباله.

شارك الزهراوي في تأسيس حزب الحرية والائتلاف المعارض لحزب الاتحاد والترقي. وعندما تم حلّ المجلس النيابي إثر الخلاف الشديد على المادة 35 من القانون الأساسي (الدستور)، وهي التي تتعلق بتنظيم العلاقة بين مجلس النواب ومجلس الوزراء، عاد إلى حمص استعدادًا للانتخابات القادمة، لكن السلطة الإتحادية أوصت بعدم انتخابه، وبالفعل اختير الحقوقي والإتحادي الحمصي هاشم بك زين العابدين نائبًا عن حمص بدلًا منه.

عاد إلى اسطنبول إثر ذلك وشارك في الضغط السياسي لتشكيل حكومة مختار باشا المحايدة، ثم حكومة كامل باشا. إلا ان الإتحاديين لم يرضوا إلا أن يكون الحكم في يدهم، فقاموا بانقلاب الباب العالي (1913) وبسطوا سيطرتهم المطلقة على الحكم.

رئاسة المؤتمر العربي الأول في باريس:

تأسس في تلك الفترة بالقاهرة “حزب اللامركزية” (1912)، وكان عبد الحميد الزهراوي قد سافر إلى مصر حينها، فتباحث مع أركان الحزب الذي قرّر ترشيحه لرئاسة المؤتمر العربي الأول في باريس (1913) لمكانته العلمية والاجتماعية[13]، وموافقته للحزب في مقاصده الإصلاحية[14] .

وفي باريس ألقى خطبة افتتاح المؤتمر قائلًا:
“إن العرب كانوا قد ألفوا الترك، وهؤلاء قد ألفوا العرب، وامتزج الفريقان امتزاجًا عظيمًا، مضى عليه أكثر من عشرة قرون، ولكن كما مزجت بينهم السياسة فرّقت بينهم السياسة أيضًا ولم يبق من ذلك الامتزاج القديم إلا رابطة بين بعض العرب وبعض الترك وهذه الرابطة لا تزال تزال تعدّ ثمينة عند الترك العثمانيين والعرب العثمانيين معًا، ولكنها مع عزتها في نفوس الفريقين قد أصبحت مهددة بالسياسة أكثر مما كانت من قبل.

ومعلوم أن السياسة في هذه المملكة بيد الترك؛ ولذلك تعرفها أوروبا بأنها حكومة الترك، فلما رأى العرب الآن ما وصلت إليه هذه المملكة بتلك السياسة التي مضى العمل عليها حتى الآن، وكانوا حريصين على البقية الباقية من تلك الرابطة ً تنبهوا إلى واجب عظيم كان الترك والعرب جميعًا غير مهتمين به كما ينبغي،ً وهو اشتراك الفريقين بسياسة البلاد، فإنه قد تبيّن واضحًا أنه لا العرب انتفعوا ببراءتهم من ذنب إضاعة البلاد، ولا الترك انتفعوا بتحملهم وحدهم تبعة ذلك العبء الثقيل، وبديهي أن هذا الاشتراك لا ينافي الإخاء، بل الذي ينافي الإخاء هو عدم هذا الاشتراك”[15].

وعن أسباب عقد المؤتمر قال الزهراوي لمحرر جريدة الطان التركية:

“إن ما حدث في ولايات الدولة العثمانية بأوروبا من الحوادث الخطيرة الشأن دعانا إلى التفكير في الحالة الجديدة التي دخلت فيها واتخاذ الوسائل الضرورية لاتقاء نتائجها، ذلك من جهة، ومن جهة ثانية فإن العرب يؤلفون عنصرًا مهمًا بعدده إن لم نقل عنه أنه أهم العناصر العثمانية كلها؛ ولهذا العنصر مزية على العناصر الأخرى بوحدة لغته وعاداته وميله، وإن هذه الصفات أحدثت له حقوقًا كانت مهملة حتى الساعة؛ ولذلك جئنا لنطلب بصفة عثمانيين أن نشترك بالإدارة العامة، وأن نعرض على الحكومة بصفتنا عربًا مطالب خاصة بقوميتنا”[15].

وعن أسباب عقد المؤتمر في باريس قال الزهراوي:
“إن حوادث بيروت الأخيرة -أي اضطهاد الجمعية الإصلاحية، وسجن فريق من أعضائها- برهنت لنا على قدر الحرية التي يمكن أن يتمتع بها مؤتمر يُعقد في سورية، وقد رأينا من جهة أخرى أن نسمع مطالبنا ونفهم رأينا  لأوروبا التي تزداد مصالحها أهمية في البلاد العثمانية يومًا بعد يوم، وفضّلنا باريس على غيرها من عواصم أوروبا؛ لأن الجالية العربية فيها أكثر عددًا منها في سائر العواصم”[15].

عضوية مجلس الأعيان:

وبعد صدور مقررات مؤتمر باريس حاولت الحكومة الإتحادية التفاوض مع العرب، فأرسلت مندوبين من قبلها لباريس لكنهما عادا خائبين، ثم عادا مرة أخرى لباريس حاملين وعودًا بتنفيذ الإصلاحات، وعرضوا تعيين عبد الحميد الزهراوي في مجلس الأعيان العثماني مع ثلّة من أعيان العرب. وكان حينها الزهراوي قد مكث في باريس خمسة أشهر، يكاتب فيها حزب اللامركزية ويعمل بمشورته، إلى أن عزم على الذهاب إلى العاصمة اسطنبول بعد إقناعه من قبل عبد الكريم الخليل وبعض العرب هناك.

وفي يوم الثلاثاء 28 تشرين الأول 1913م الساعة الواحدة بعد الظهر وصل عبد الحميد الزهراوي إلى العاصمة اسطنبول على قطار الاكسبريس، فاستقبله في محطة السركجي أعيان العرب ونيف وسبعون ضابطًا من ضباطهم وجميع الشبّان العرب مدنيين وعسكريين بحماسة عظيمة جدًا. ولما وصل القطار وأطلّ الزهراوي من النافذة هتف الجمهور بصوت واحد “فليحيَ الإصلاح وليحيَ زعماء العرب ولتحيَ الأمة العربية”، فارتجّت أرجاء المحطة من التصفيق والهتاف.

وقد استقلّ الزهراوي مركبة أعدّت له، وسار المستقبلون في رتل من المركبات لا يقلّ عن خمسين مركبة كانت إدارة المنتدى الأدبي قد أعدّتها لنقلهم إلى دارها في محلّة “قوم قبو”.

ولما استقرّ بهم المقام نهض عبد الحميد الزهراوي وشكر لطالبي الإصلاح حميتهم وتفانيهم في خدمة الدولة والأمة، ثم سار من المنتدى الأدبي مع بعض أصدقائه إلى فندق الكونتيننتال في حيّ “بي أوغلو”، وهناك بدأت في المفاوضات الرسمية مع جمعية الإتحاد والترقي ممثلةً بمدحت شكري افندي سكرتير جمعية الاتحاد والترقي وبعض اعضاء الوزارة في 30 تشرين الأول 1913، أي بعد وصوله إلى العاصمة بيوم ونصف.

وقد أصرّ عبد الكريم الخليل على بقائه في العاصمة حين عزم على مغادرتها بعد 15 يومًا من قدومه عندما أدرك مماطلة الاتحاديين في تنفيذ قرارات مؤتمر باريس.

وأثناء المفاوضات السياسية مع الإتحاديين قدّموا وعدًا بإقامة مدرستين سلطانيّتين (للتعليم العالي) في دمشق وبيروت، وأساتذتها من العرب، وجعل اللغة العربية رسمية في المحاكم والدواوين بالمناطق العربية.

وقد ارتأى الزهراوي “أن الدولة صارت بيد جمعية الإتحاد والترقي تمامًا، وأنه لا يوجد في الأمة حزب يرجى أن ينتزعها منها، فلم يبق طريق لخدمة الدولة والأمة إلا عن طريقها”[16]، وإيمانًا منه بأن السياسة هي فن الممكن قبل عضوية مجلس الأعيان، الأمر الذي أثار عليه الرأي العربي العام في العاصمة وخاصة الشباب الذين أظهروا عدم تأييدهم لهذا القرار وتبرأهم منه، فأبلغهم بحكمته أن مستعد لتقديم استقالته إذا أصرّوا على ذلك، وأنه لم يقبل هذا المنصب إلا لمساعدة الحكومة على تنفيذ الإصلاح بالسرعة اللازمة مع بعض زعماء العرب الذين وافقوا على قرار تعيينه حتى يكون قريبًا من المناصب العالية.

وصرّح عبد الكريم الخليل للشباب العرب في العاصمة بهذا الخصوص:
“إن قبول الزهراوي في مناصب الأعيان خير من عدم قبوله، فإنه يقدر أن يفعل في المجلس ما لا يقدر على فعله وهو في خارجه، وأن الاتفاق السري الذي أبرمه باسم الإصلاحيين مع جماعة الإتحاد والترقي يحوي فوائد عظيمة لا سبيل للحصول عليها إلا بالتدريج ومع الزمن، خوفًا من هياج العنصر التركي وسائر العناصر العثمانية على الحكومة ومطالبتها بمثل ما نال العرب منها. وإن من أهم الأسباب التي أدّت إلى قبول الزهراوي لهذا المنصب عظم أطماع الأجانب في بلادنا العربية ورغبتهم في انتهاز فرصة اختلافنا مع الأتراك لتحقيق آمالهم فيها”.

وفي أواخر شهر كانون الأول من عام 1913م صدرت الصحف الإتحادية وفي مقدمتها طنين وتصوير وأفكار مزيّنة بصورة عبد الحميد الزهراوي، وإلى يمينه رمز للجيش العثماني، وإلى يساره رمز للأسطول، وتحته رسوم صغيرة لأنور باشا وطلعت بك وجمال باشا مع العبارة التالية بحروف كبيرة: “بمثل هؤلاء الأبطال يعتزّ الملك، وعلى مثل هذا الاتحاد تشيّد الدولة العثمانية مستقبلها العظيم”، وذلك تمهيدًا لتعيينه في مجلس الأعيان.

وفي صباح يوم الأحد 4 كانون الثاني عام 1914م صدر قرار تعيين الزهراوي بالفعل في مجلس الأعيان مع أحمد كاخيا من حلب، محي الدين النقيب من بغداد، يوسف سرسق من بيروت، عبد الرحمن باشا اليوسف من دمشق، وعبد الحق حامد سفير بروكسل[17].

إعدامه:

بدأت الحرب العالمية الأولى وانضمّت إليها الدولة العثمانية أواخر عام 1914م، وقد كان عبد الحميد الزهراوي حينها في العاصمة اسطنبول كعضو في مجلس الأعيان العثماني.

وباندلاع الحرب تغيّرت خطط السلطة الإتحادية وتبعثرت الأوراق مجددًا، فأصبحت أولوية الدولة ككلّ المحافظة على وحدة الإمبراطورية، وعلى إثر ذلك أظهرت السلطات حدّية أكبر تجاه العناصر القومية الأخرى في البلاد، ومنهم العرب.
وارتأت السلطة الإتحاديّة العثمانية تعيين ناظر البحرية أحمد جمال باشا قائدًا للجيش الرابع في منطقة بلاد الشام، وكان ذاك يؤمن بمركزية القرار والسلطة.

وعقب فشل “حملة الترعة (1915)” التي كانت تهدف لعبور قناة السويس و”فتح مصر” وتخليصها من الإحتلال الإنكليزي، سيق الكثير من أبناء العرب إلى الديوان الحرب العرفي في عالية بجبل لبنان، وكان منهم عبد الحميد الزهراوي، الذي طُلب من العاصمة للديوان العرفي، فوصل إلى دمشق في 18 نيسان 1916م[18]، ولاحقًا صدر قرار إعدامه مع مجموعة من السياسيين العرب، حيث قيدوا في قطار خاص إلى ساحة المرجة بدمشق، وفي منتصف الليل شدّ وثاقه ورفاقه في ثكنة البرامكة العسكرية، وأعدموا في اليوم التالي بتاريخ 6 أيار 1916م.

وكان نصّ قرار إعدامه ما يلي:
كان مؤسسًا للمنتدى الأدبي ومروجًا لبرنامجه السري، وانوجد في رئاسة جمعية اللامركزيين ومذاكراتها السرية. واشترك في مؤتمر باريس رئيسًا له بصفته مندوبًا عن الجمعية المذكورة. وتولّى إدارة الأملاك التي أوقفها عزت العابد للسعي في تحقيق أمر الاستقلال العربي. وعقب المؤتمر ذهب إلى مصر وتولّى رئاسة اللامركزيين. وبعد أن عيّن عضوًا في الأعيان لم يفكّ ارتباطه باللامركزية بل انه لم يقبل عضوية الأعيان إلا بعد صدور قرار جمعية اللامركزية في ذلك. وكان في مخابرات مع منسوبي اللامركزية في سورية إلى الأيام الأخيرة[19].

الأوسمة والتكريم:

عام 1919م كرّمته الحكومة الفرنسية بوسام رسمي من رتبة ضابط (officier) مع مجموعة من شهداء 1916م[20].

صفاته:

كان عالمًا وفقيهًا، مناضلًا ومصلحًا اجتماعيًا، سياسيًا وحقوقيًا وخطيبًا وبليغًا وشاعرًا.
كان شجاعًا لا يخاف في الحق لومة لائم، والمواقف المذكورة سابقًا تؤكد ذلك.
إلى جانب انه كان محبوبًا للغاية من أهل مدينته، فقد ثارت ثائرة الأهالي حينما لم ينتخب نائبًا عنها في مجلس المبعوثان ضمن انتخابات 1912م. ومن المواقف الأخرى وعلى سبيل المثال لا الحصر؛

رفع أعيان حمص برقيةً إلى والي سورية يطلبون فيها مجازاة جريدة “المشكاة” على مسّها كرامة السيد عبد الحميد الزهراوي، وكان نصّها ما يلي:

“نحتج على جريدة المشكاة لنشرها بعدد 105 مقالة عنوانها “من كل معنى طرب” أهانت فيها العلامة السيد عبد الحميد افندي الزهراوي إهانةً لا نسكت عنها، فمحافظةً على أبناء السلالة الطاهرة وشرف العلم نلتمس من دولتكم مجازاة صاحبها حسب القانون حفظًا لكرامة العلماء والأشراف وجبرًا لخاطر الحمصيين”.
ووقّع على تلك العريضة ما يقارب 70 رجلًا من أعيان حمص، منهم:

عارف الجندي، أبو الخير الأتاسي، عبد الرحمن سلام، عبد الرحمن الجندي، محمد سعيد الجندي، أبو النصر الأتاسي، يحيى سعيد الأتاسي، قسطنطين يني صاحب جريدة دليل حمص، رفيق الحسن الأتاسي، مرشد سمعان، أحمد الصطلي، سليم الزهراوي، يحيى الزهراوي، جمال الدين الجمالي، وجيه الاتاسي، حسن الرفاعي، راغب السباعي، بدوي سحلول[21].

ورغم أن الكثير قد وصفوه بحسن النية مستدلّين على ذلك بتوافقه مع الإتحاديين وقبوله عضوية مجلس الأعيان، وأنه “صدّق” وعودهم؛ إلا أن دراسة أحداث تلك الفترة تبيّن أنه لم يكن مصدقًا لهم بقدر ما كان يمارس فن الممكن معهم، فالزهراوي لم يكن من الوافدين الجدد إلى اسطنبول، أي أنه كان واعيًا ومدركًا للجو السياسي العام فيها، ويعلم عن حقّ أن حزب الإتحاد والترقّي كان ممسكًا بجميع مفاصل السلطة عبر القوة العسكرية. ولذا كانت قناعته كما قناعة عبد الكريم الخليل؛ أنّ وجوده في مجلس الأعيان بالقرب من أركان السلطة أفضل من وجوده بعيدًا. وكانت حكمته تلك تناقض أفكار وأحاسيس الشباب العربي المتحمّس في العاصمة، فكان أن وصفه بعضهم بـ “الحكيم” استهزاءً.

والحقيقة أن قرار إعدامه لم يكن متفقًا عليه من قِبل أركان السلطة في العاصمة، بل كان قرارًا من جمال باشا بصفته القائد العسكري وتحت غطاء الإدارة العرفية. إذ أن السياق التاريخي للإحداث لم يكن يشير إلى أن المسار الذي يتبعه رجال العرب سيؤدي إلى إعدامهم في نهاية المطاف، حيث أن المفاوضات قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى وصلت إلى مناقشة فكرة جعل سورية ولاية ممتازة كالإمارة المصرية يكون حاكمها ولي عهد السلطنة يوسف عز الدين افندي[22]. وبذلك كان قرار جمال باشا بإعدامه ورفقائه ليس بمثابة خلط أوراق فقط بل قلب الطاولة على العثمانيين في سورية تمامًا.

وقد وصفه من اجتمع به في نطاق العمل السياسي والصحفي أنه كان وقورًا ذا ذهن حاد وفكرٍ وذاكرة عجيبة، يتوقّد ذكاءً، واسع الصدر، ليّن الجانب، بطيء الغضب، لا يقابل أحدًا بمكروه، لا يملّ من جليسه كيف ما كان ولا يملّ جليسه من محادثته. يعاشر كل إنسان على قدر علمه. أكثر أحاديثه في مجالسه بما يعود بالفائدة. قليل الكلام الفارغ فيما لا ينفع. شجاعٌ شديد الصبر على الشدائد، قويّ اليقين بربّه، كريم الخُلق، عفيف النفس، بعيد عن التكلّف، شديد الحثّ والتدقيق في المسائل، يتبع الأدلة والمستندات، واقفًا عند الحق، معتدلًا في شؤونه كلها، متمسكًا بمبادئه، محافظًا، عرف ذلك منه كل من عاشره حق المعاشرة.

آثاره الأدبية والعلمية:

من آثاره الأدبية مجموعة مقالاته التي نشرها لثلاث سنوات في جريدة “الحضارة” بالعاصمة اسطنبول، ومن قبلها في صحف “الدبّور” و”المنبر” في حمص، و”المعلومات” في العاصمة، ومجموعة مقالاته في المقطم والمؤيد.
وإضافة إلى الكتب التي ذكرت آنفًا في ترجمته؛ له مجموعة من المحاضرات والرسائل والخطب والمقالات التي صادرتها جمعية الإتحاد والترقي من منزله في العاصمة حينما أرسل إلى ديوان عالية العرفي.
كان كذلك من أعضاء لجنة المراسلين لثانوية الاتحاد الوطني الأهلية بحمص والمؤسسة عام 1908م بمساعي أعيان المدينة.
كما كان ينظم الشعر، وله مساجلات لطيفة مع أصحابه تدلّ على خفة روحه وحسن أسلوبه ودقة معناه. وممّا نظمه قصيدته المشهورة التي مطلعها:
لا تكذّبنا يا بصر … لا تخدعينا يا فِكَر
إن الحدائق تحت طيّ النشر فوق المنتظر
لكن برؤيتها دعاوي الناس تعيي من حصر
وسوى سرابٍ لما يروا … والآل كم غرّ النظر
أنّى التصوّر يا جحا … للسر في هذي الصور
الكون مبنيٌّ على الحركات كلٌّ في قدر
مجموع ذرّ يقتضي … كلٌ لها ضمّ الأُخر
والأرض تجمعنا فنحسب أنها إحدى الكبر
والشمس تعربنا لنا … فنظنّنا المعنى الأغر

وجمعت مقالاته الصحفية في كتاب صدر عن المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بدمشق عام 1963م بعنوان “الإرث الفكري للمصلح الاجتماعي عبد الحميد الزهراوي”، جمعه وحقّقه الدكتور جودت الركابي والدكتور جميل سلطان.


 المصادر والمراجع:

[1] الخطبا، (فوزي)، شهداء النهضة العربية، (عمّان-1998)، 81 وقد ذكر تاريخ ميلاده: 1885م.

[2] وقيل أن اسمها “المنير”، ولم نهتدِ للأدقّ.

[3] وقيل أن سبب إبعاده هو مقابلته للسفير البريطاني مع نفر من الأدباء والكتّاب العثمانيين بعد انتصار بريطانيا في حرب البوير. الخطبا، 81 [4] وقيل جريدة المؤيد.

[5]  الجندي (أدهم)، شهداء الحرب العالمية الكبرى، صـ  97. ورواية أخرى ذكرها فوزي الخطبا في شهداء النهضة العربية، 82.

[6] طبعت عام 1901م في المطبعة العمومية بمصر. محفوظات مكتبة أتاتورك، اسطنبول.

[7] الحلاق، (محمد راتب)، عبد الحميد الزهراوي- دراسة في فكره السياسي والاجتماعي، (منشورات إتحاد الكتاب العربي، 1995)، 71الخطبا، (فوزي)، شهداء النهضة العربية، (عمّان-1998)، 81

[8] عمارة، (محمد)، الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده- الكتابات الإجتماعية (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1972)

[9] الخطبا، 82

[10] الأرشيف العثماني الرسمي

COA, BEO, 3910/293223 [11] جريدة حمص- السنة الثالثة (العدد 11)، 27 كانون الثاني 1912م

[12] وذلك بحسب محضر مجلس المبعوثان الرسمي بتاريخ 27 كانون الأول 1327 (كانون الثاني 1912م)، السنة الرابعة، مجلد رقم: 2، الدور الأول. وذكر أحمد نبهان: ألقى خطبة “هيّج لها الخواطر وحرك السواكن”، ثم أجهش بالبكاء، فقال له بعض الحاضرين من المبعوثين: لا تبكِ فإننا سنستردّها. فقال أنا لا أبكي على طرابلس الغرب، ولكنني أبكي على الروملي وسورية والحجاز والعراق. النبهان، (أحمد)، ترجمة عبد الحميد الزهراوي- مجلة المنار الجزء الثالث، الملزمة 21 (1916م)، ص150

[13] لم يكن الزهراوي من أعضاء حزب اللامركزية حسب ما هو مشهور، ويدعم ذلك محمد راتب الحلاق.

[14] رضا، (محمد رشيد)، عبد الحميد الزهراوي- مجلة المنار، الجزء الثالث، الملزمة 19 (1916م)، ص170جريدة حمص- السنة الثالثة (العدد 11)، 27 كانون الثاني 1912م

[15] داغر، (أسعد خليل)، ثورة العرب، (مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012)، 65-66

[16] رضا، (محمد رشيد)، عبد الحميد الزهراوي- مجلة المنار، الجزء الثالث، الملزمة 19 (1916م)، ص171

[17] الأرشيف العثماني الرسمي

COA, İ..DUİT.11/24 [18] الأرشيف العثماني الرسمي

COA, DH.EUM.KLH.5/67 [19] إيضاحات عن المسائل السياسية التي جرت تدقيقها بديوان الحرب العرفي المتشكل بعالية، القائد العام للجيش الرابع جمال باشا، (مطبعة طنين، اسطنبول، 1916)، 115

[20] صحيفة لسان الحال، 29 نيسان 1919م

[21] صحيفة لسان الحال، 15 تموز 1913م

[22] AKYÜREK, Hüseyin Aziz, İstihbarat Savaşları, Haz.: Polat SAFİ, 114-117

وتدعم ذلك أيضًا أوراق خاصة ضبطت ضمن صندوق عزت الجندي تناقش تفاصيل الحكومة السورية المزعم تأسيسها برعاية الحكومة الاتحادية.


انظر:



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى